اقتناص الأب الروحي للسينما اليابانية المخرج أكيرا كوروساوا جائزة الأسد الذهبي في مهرجان الفيلم في البندقية عام 1951 عن فيلمه «راشمون»، ثم أوسكار أحسن فيلم أجنبي 1952، كان شرارة التعرف إلى اليابان كوجهة سينمائية عالمية واعدة، ثم توالت النجاحات مع بزوغ نجم الأعمال السينمائية للمخرجين ميزوغوشي وأوزو، ومعها خرجت إلى النور فكرة مهرجان طوكيو السينمائي الدولي عام 1985، ولم لا وهذه البلاد التي طالما عرف عنها الجد والإتقان في العمل حجزت مكاناً في سوق الفيلم عالمياً، لتحل في المرتبة الثالثة بعد أميركا والهند في إنتاج الأفلام سواء أكانت رسوماً متحركة أم روائية طويلة، روبونغي أو لاس فيغاس اليابان تلك الضاحية الصاخبة مقصد السياح من مختلف الجنسيات على موعد كل عام مع انطلاقة جديدة لمهرجان طوكيو السينمائي الدولي، الذي يحتفل هذا العام بعامه السادس والعشرين على مدار تسعة أيام من 17 حتى 25 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري. خطوة أولى مدير المهرجان الجديد ياسوشي شينا، الذي تولى إدارة الكثير من الكيانات السينمائية والتلفزيونية في اليابان من قبل، اعتبر هذه الدورة أول خطوة نحو الاحتفال ب 25 عاماً أخرى من عمر المهرجان، «نضع في الاعتبار اختيار مجموعة قيمة من الأفلام الدولية لعرضها خلال أيام المهرجان، مع إعطاء الفرصة للعناصر السينمائية الشابة للإعلان عن نفسها»، المهرجان كان يقام مرة كل عامين في الفترة من 1985 حتى 1991، ثم أضحى سنوياً ليصبح أحد أهم المهرجانات السينمائية في آسيا والعالم... وبعدما كان شعار المهرجان «الأفلام أولاً»، اعتمد شعاراً جديداً عبارة عن قلب أحمر يرمز الى مفهوم حب السينما كمصدر إلهام لجماهير وصناع الفن السابع على حد سواء، خصوصاً أن التغيير جاء من إيمان القائمين على المهرجان بأن الفيلم هو نجم الحدث، وتقف خلف المهرجان مؤسسات ثقافية وتلفزيونية وحكومية مختلفة ساهمت في الخروج بشكل احترافي للمهرجان عاماً بعد آخر. فيلم الافتتاح هو جديد ضيف المهرجان الفنان الأميركي المخضرم توم هانكس، فيلم «كابتن فيليبس» الذي يحمل توقيع البريطاني بول غرينغراس عن قصة حقيقية لاختطاف سفينة شحن أميركية وهي في طريقها إلى مدينة كينشاسا الكينية بواسطة القراصنة الصوماليين عام 2009، ويجسد هانكس دور قائد السفينة الذي يحاول تأمين حياته وطاقمه، ويقابل الشاب موسى الصياد الفقير الذي يجد في العملية، طوق نجاة من فقره ومجتمعه المتطرف، لكن تتوجه قوات «المارينز» لإنهاء الأزمة. وكانت مذكرات فيليبس التي استندت إليها أحداث الفيلم في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الولاياتالمتحدة. الفيلم عرض في مهرجانات أخرى دولية مثل نيويورك ولندن. نتاجات آسيا السينما الآسيوية هي عروس هذه الدورة من خلال حضورها بقوة على مدار أيام المهرجان، ليكون الجمهور على موعد مع النتاج الآتي من هذه المنطقة التي استقبلت شرائطها السينمائية مهرجانات وأسواق السينما العالمية بحفاوة وثناء لما حوته من مواضيع شيقة عكست مقداراً كبيراً من الموهبة والاحترافية. وفي هذا الإطار يعرض المهرجان 15 فيلماً، منها فيلمان من اليابان الدولة المضيفة، هما «وداعا للصيف» للمخرج كوجي فوكادا و «الأشخاص المهملون» للمخرج هيديو ساكاكي اللذان ينافسان في المسابقة الرئيسة على الجائزة الكبرى «زهرة الكرز» الى جانب الفيلم الصيني «الحياة والموت في اوردوس» للمخرجة يينغ نينغ، والفيلم الكوري الجنوبي «العائلة الحمراء» للكاتب والمخرج كي دوك كيم، والفيلم الأميركي «الأصدقاء المخمورون» للمخرج جو سوانبرغ، والفيلم الفيليبيني «بواكاو» للمخرج جون لانا، والفيلم الإيراني «قاعدة الاصطدام» للمخرج بهنام بهزادي، الذي حصل على خمس جوائز من مهرجان «فجر» السينمائي الدولي في دورته الفائتة. ويرأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية المخرج الصيني كايجي تشن، والى جانبه الممثلة الكورية سو ري مون، والمنتج الاسترالي كريس براون، والكاتب والمخرج البريطاني كريس ويتز والممثلة اليابانية شينوبو تيراجيما. ويتنافس 81 فيلماً من 30 دولة على جوائز المهرجان المقسمة إلى: جائزة لجنة التحكيم الخاصة وقيمتها 20 ألف دولار، جائزة أحسن مخرج، جائزة أحسن ممثل، جائزة أحسن ممثلة، وقيمة كل منها 5 آلاف دولار، وجائزة أفضل مشاركة فنية وقيمتها 5 آلاف دولار، وجائزة أحسن صورة، وجائزة الجمهور، وجائزة خاصة لأفضل فيلم آسيوي. واحتفالاً ببداية ربع قرن جديد من عمره، استحدث المهرجان مسابقات جديدة هي «مستقبل آسيا» برئاسة الناقد السينمائي الياباني كينجي اشيزاجا، حيث يعرض أفلاماً لمخرجي آسيا الشباب ممن لا يزيد نتاجهم السينمائي عن فيلمين، ويخصص المهرجان عروضاً خاصة لعرض أفلام لعدد من مخرجي تايوان كجزء من عروض قسم «عين على العالم». ومن المعروف ان للمهرجان باعاً طويلاً في دعم شباب السينمائيين، فمن خلال مسابقة «سينما الشباب» قدم للعالم مخرجين في بداية مشوارهم الفني لكنهم أضحوا من كبار المخرجين، مثل اليخاندرو إنياريتو الذي حقق فيلمه «بابل» نجاحات كبيرة، والفرنسي ميشال حزانافيسيوس الذي أحرز فيلمه «الفنان» 5 جوائز أوسكار العام 2012. والى هذا، يشهد المهرجان عدداً كبيراً من البرامج، ومنتديات نقاشية لممثلي شركات الإنتاج السينمائي الآسيوية والوكالات المستثمرة في الصناعة السينمائية، إضافة الى سوق للإنتاج السينمائي الآسيوي. وعوضاً عن السجادة الحمراء التقليدية التي تتميز بها افتتاحات المهرجانات الفنية الكبرى، يستقبل المهرجان ضيوفه على سجادة خضراء اللون في تقليد اتبعه منذ ست سنوات مستعرضاً أفلاماً للتوعية البيئية. ويقام على هامش المهرجان سوق للمحتوى الترفيهي السينمائي والموسيقي، فضلاً عن عروض عدة لأفلام الدورات السابقة التي نالت جوائز من المهرجان. روبيرت دي نيرو وعبداللطيف كشيش وتوم هانكس، والمخرج بول غرينغراس، هم أبرز حضور الدورة ال26، فضلاً عن عدد من نجوم السينما الكورية والصينية واليابانية. ومع اقتناص العاصمة اليابانية منذ أكثر من شهر حق استضافة اولمبياد 2020 أحد أبرز الأحداث الرياضية في العالم، بعدما استضافته للمرة الأولى في 1964، يأخذ المهرجان على عاتقه هذا العام مهمة الترويج لطوكيو كمدينة قادرة على تنظيم أكبر الفعاليات، محتفياً بهذا الإنجاز الذي يتحضر له اليابانيون من الآن، عبر الفيلم الوثائقي «أولمبياد طوكيو» الذي اعتبره المهرجان وسيلة لنقل صورة عن طوكيو. وأخيراً، يختتم المهرجان فعالياته بالفيلم الياباني «مؤتمر كيوسو» للمخرج كوكي ميتاني الذي كتب القصة الأصلية والسيناريو للفيلم أيضاً.