اشتكى خريجون من كلية الهندسة في جامعة الملك سعود من «تضليل» مورس تجاههم، ألقى بضرر كبير على حياتهم العملية ومستقبلهم المهني، مؤكدين أن «معلومات ووعوداً مضللة» جعلتهم يدخلون منذ تخرجهم حتى الآن في نفقٍ مظلم لا نهاية بادية لآخره.وأكد خريجو قسم هندسة النفط والغاز الطبيعي في جامعة الملك سعود أن «وعوداً وهمية» قدمت لهم خلال «المحاضرة التعريفية» التي ألقيت عليهم قبل تحديدهم الأقسام التي يرغبون الالتحاق بها قبل انخراطهم في السنة الدراسية الثانية في الجامعة، مؤكدين أن ما سمعوه «كان حالماً»، على عكس ما صدموا به عند التخرج ومواجهة الواقع. وتلقى محاضرة تعريفية كل عام لطلاب كلية الهندسة الذين أنهوا فترة الإعداد العام، يتم خلالها شرح مميزات كل تخصص، ومستقبل الملتحقين به، بهدف توعية الطلبة المستجدين بالخيارات المطروحة أمامهم. وقال أحد المهندسين العاطلين (تحتفظ «الحياة» باسمه): «أخبرونا في المحاضرة التعريفية، أنه من المخجل ألا يشغل مهندسون سعوديون الوظائف في شركات النفط. وأن هذه فرصتنا لنحل محل المهندسين الأجانب، خصوصاً أن البلد يعيش موجة سعودة غير مسبوقة». وأضاف: «أغرونا بالالتحاق بقسم هندسة النفط، فراتب مهندس النفط الأعلى مقارنة بغيره من التخصصات، كون المملكة بلد النفط، وأن كل شيء يأتي من النفط»، ويتذكر جيداً مشهد الدكتور محمد عمرو (ملقي المحاضرة) وهو يرفع قارورة ماء كانت أمامه، قائلاً: «حتى هذه تصنع من النفط». ولا ينسى المهندس إبراهيم حمد الأسطوانة التي دائماً ما رددها الدكتور عماد الحميضي (رئيس قسم هندسة النفط في ذلك الوقت) بأن «المملكة بلد النفط وان مهندس النفط هو الأعلى دخلاً في العالم، وعليه فيجب أن نلتحق بالقسم ونتفوق فقط». لكن ما لا يمكن أن ينساه – خصوصاً انه لا يزال عاطلاً عن العمل - وعود الحميضي في تلك المحاضرة أن شركة أرامكو (الشركة الأكبر في هذا المجال) ستقبل كل طالب منهم يتخرج بمعدل أعلى من 3 من 5. وزاد الخريج: «شعرت في تلك اللحظة أني أصبحت موظفاً في أرامكو».وتمنى المهندس عبدالله الصالح – وهو عاطل أيضاً – لو لم يحضر تلك المحاضرة، «كانت السبب في تغيير قسمي على رغم تفوقي، فتلك المحاضرة لم تخرج من رأسي». «لم ينته مسلسل التضليل عند هذا الحد» هكذا يبدأ احد الخريجين العاطلين حديثه عما اسماه الجزء الآخر من معاناته مع قسم هندسة النفط والغاز الطبيعي . ولأنه كان يشعر أن مستقبلا وظيفياً معتماً بانتظاره، قرر أن يحزم حقائبه ويرحل من قسم النفط إلى قسم الهندسة الكيميائية الذي حصل على موافقة الانتقال إليه، «لأن معدلي كان يسمح لي بذلك». ويضيف: «توجهت بعد ذلك لمكتب رئيس قسم النفط والغاز آن ذاك الدكتور عماد الحميضي لإنهاء إجراءات التحويل، لكنني فور إخباره بنيتي ترك القسم سارداً أسبابي كما طلب، أخرج ورقة رسم عليها خريطة المملكة، وبدأ بوضع نقاط كثيرة جداً في المنطقة الشرقية، قبل أن يقول: كل هذه آبار نفط، وكل بئر يحتاج على الأقل إلى مهندس يشرف عليه، فكيف لا تجد وظيفة؟». ولم يكتف الحميضي بذلك، «بل أخبرني أيضاً أن معدلي يسمح لي بدخول شركة أرامكو مباشرة، ثم طلب مني ألا أصدق تلك الإشاعات التي أسمعها وأقرأها». ولا يملك خريج آخر (فضل عدم ذكر إسمه) تحدث إلى «الحياة» بعد عام ونصف من الجلوس في المنزل بعد تخرجه من القسم ذاته، إلا رواية قصته «اقترح علي والدي الذي قرأ كثيراً عن معاناة خريجي قسم النفط في الحصول على وظيفة في تخصصهم أن أترك القسم وأتجه إلى أي قسم آخر».يقول: «قررت أن أحول لقسم الهندسة الصناعية وحصلت على موافقتهم فعلاً»، لكن الدكتور الحميضي رفض إكمال إجراءات التحويل «لأنه لم يجد في حجة الوظيفة سبباً مقنعاً لطالب مجتهد مثلي لترك القسم»، مؤكداً «أن معدلي يجعل أرامكو تقبلني مباشرة». حتى الآن لم تبدأ القصة! فما كان كان، والعبرة بالحاضر كما يقال، إذ تبدأ الحكاية من لحظة التخرج، وكيف ولَّى خريجون كثر ممن تحدثت معهم «الحياة» جميعاً خطواتهم وشهاداتهم نحو الشركة الأكبر في مجال البترول «أرامكو»، الشركة التي تركتهم «معلقين» فلم تقبلهم ولم ترفضهم بعد! ويتساءل خريج ينتظر رد الشركة على طلب توظيفه منذ 9 أشهر عما إذا كان يجب عليه انتظار الرد لفترة أطول من ذلك؟ ويقول: «مع كل يوم جديد أفقد الأمل أكثر»، مضيفاً: «لم يعد السؤال لمَ لمْ تقبلني أرامكو؟ بل لمَ لم تقابلني حتى الآن؟». ويقول مهندسان آخران ينتظران منذ 6 أشهر رداً من أرامكو: «هل يعني هذا أننا دخلنا في فترة التوظيف الثانية؟ وهل يجب أن ننتظر 6 أشهر أخرى كي تقبلنا الشركة أو ترفضنا؟». ويشير أحدهما إلى أنهما لم يعودا يشعران بوجود مكان لهما في الشركة الأكبر في السعودية، «أصبح علينا نحن مهندسي النفط أن نبحث عن وظيفة في كل الشركات إلا شركات النفط». فيما يشير أحد المهندسين ممن تمكن اليأس منهم، إلى أنه لم يتقدم بطلب وظيفة في الشركة: «ما الفائدة من التقديم وأنا أعلم مسبقاً أن الشركة لن تقبلني؟ ولماذا أتقدم وكل الخرجين الذي سبقوني لم يجدوا لهم مكاناً في الشركة، هل سأكون أنا سعيد الحظ الوحيد؟»، معتبراً أن القبول في أرامكو لا يتعلق بمعدل مرتفع، فكل ما تحتاجه «واسطة» على حد قوله. وتعتبر السعودية أكبر منتج للنفط عالمياً، متفوقة على الولاياتالمتحدة وروسيا، كما تحوي أكبر حقلي نفط في العالم، هما الغوار (بري) والسفانية (بحري)، في حين لا يدرس تخصص هندسة النفط سوى في جامعتين فقط، هما جامعة الملك سعود وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، اللتان تخرجان مجتمعتين نحو 30 طالباً في العام. وتعد شركة أرامكو من كبرى شركات النفط في العالم، كما تعتبر الشركة الأكبر في السعودية، وتستخدم حالياً أسلوب الشركات المشغلة لتنفيذ كثير من المهام الموكلة إليها. حقول النفط في السعودية يشرف على كثير منها مهندسون غير سعوديين. (&)