ينضم فيلم «في انتظار سوبرمان» - الذي يعرض حالياً في صالات منتخبة في عدد من الدول الأوروبية - الى مجموعة من الأفلام التسجيلية الأميركية التي تتعرض لملفات أميركية داخلية، والتي تجد، ومنذ عشر سنوات تقريباً، طريقها الى الصالات السينمائية الأوروبية. وعلى رغم الانشغال المحلي الصرف لبعض من تلك الأفلام، نراها حققت الكثير من الانتباه والنجاح خارج الولاياتالمتحدة الأميركية. كأمثلة، يمكن هنا ذكر معظم أفلام المخرج المعروف مايكل مور: «سيكو» عن النظام الصحي الأميركي، او «بولينغ لكولومباين» عن ثقافة الاسلحة النارية في أميركيا، وآخر أفلامه «الرأسمالية قصة حب»، الذي يوجه فيه انتقاداته الحادة لجشع المصارف الأميركية. وأيضاً أفلام المخرج الأميركي مورغان سبورلوك: «سوبرسايز مي» عن تأثير الأطعمة السريعة على الأميركيين، و «في أي مكان في العالم أسامة بن لادن؟»، وهو فيلم يسخر من الفوبيا التي ضربت الحياة الأميركية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر وبدء البحث عن زعيم منظمة القاعدة أسامة بن لادن. مرجعيات خاصة تشترك الأفلام المذكورة وغيرها، والتي بدأت تجذب الاهتمام الشعبي الواسع منذ أكثر من عقد تقريباً، بمجموعة من الملامح والمرجعيات الخاصة، فالبناء يكاد يكون نفسه، وهو العودة الى جذور القضية المطروحة، والتي ترجع غالباً الى حوالى أربعين عاماً من الزمن، أي بداية عقد السبعينات من القرن الماضي، والذي يتفق صانعو تلك الأفلام بأنه بداية انهيار مجموعة من المُثُل الأخلاقية وبداية تصدع الحلم الأميركي. هذه العودة التاريخية وتعقيد المواضيع المطروقة، يتطلبان الكثير من الوقت، وهو الأمر الذي أدى الى طول تلك الأفلام الزمني (معدل طول الأفلام يقترب من الساعتين). كذلك تتشابه تلك الأفلام في طريقة استعادتها للمواد التلفزيونية الارشيفية المستخدَمة، وحتى في استعمالها للرسوم المتحركة الكوميدية، والتي تَحْضُر في تلك الأفلام للتخفيف من صرامة المواضيع المتناوَلة. ويحضر مخرجو تلك الأفلام بقوة في أعمالهم. هم أبطال الأعمال ومحركو الأحداث أحياناً، فقوة العديد من أفلام مايكل مور وعاطفيتها تدين للمخرج البدين بقبعة البايسبول التي يعتمرها، والتي منحته الشهرة الكبيرة التي حصل عليها، وهالة خاصة، مستفزة او ملهمة، جعلت أفلامه أحداثاً مهمة على صعيد السينما او الحراك السياسي- الاجتماعي الداخلي الأميركي. مخرج أمريكي آخر هو مورغان سبورلوك، ذهب أبعد كثيراً، بأن تحول هو نفسه الى جزء من القصة المقدمة، فقام في فيلمه «سوبرسايز مي» بأكل الاطعمة الجاهزة فقط لفترة ثلاثين يوماً لتبيان أثر الادمان عليها على الصحة العامة. وفي فيلمه اللاحق «في أي مكان في العالم أسامة بن لادن؟»، قام بنفسه بتتبع أثر اسامة بن لادن في عدد من الدول حول العالم. يبدأ مخرج فيلم «في انتظار سوبرمان» الأميركي ديفيس غوغينهام، باعتراف خاص جريء ومؤثر، مؤداه أن موضوع المدارس الأميركية الحكومية الذي يتناوله الفيلم هو بعيد عن اطفال المخرج نفسه، والذين يدرسون في مدارس خاصة. هنا يبدو الاعتراف خاصاً بالمخرج نفسه وعلاقته الذاتية بالقضية التي ينوي قضاء اكثر من عام في متابعتها، لكنه مهد بشفافية لفيلم طويل عن وضع المدارس الحكومية المتردي، وعلاقة الفاشلين من أبناء تلك المدارس بالوضع الاجتماعي العام للأحياء التي يسكنون فيها. وكما وصف احد الخبراء الذين تحدثوا في الفيلم، بأن الأحياء الأميركية التي تضربها الجريمة والفقر ليست هي التي تنتنج المدارس السيئة، بل ربما ابناء المدارس السيئة هم الذين يصنعون الأحياء الصعبة. يضم الفيلم الكثير من الاحصائيات والمواد الارشيفية عن حال التعليم الأميركي الحكومي المتعثر منذ بداية السبعينات من القرن الماضي والى الزمن الحالي. بعض الاحصائيات صادم، خاصة تلك التي تخص مستويات القراءة والرياضيات المتدنية للطلاب في معظم الولايات الأميركية او ارقام الذين يتركون الدراسة قبل الالتحاق بالجامعة، وما يعنيه هذا للاقتصاد الأميركي الذي هو بحاجة ماسة لخريجي الجامعات. من الذين تحدثوا في هذا الجزء من الفيلم صاحب شركة «مايكروسوفت» بيل غيتس، الذي تخرج هو نفسه من مدرسة حكومية، وبدأ قبل عامين مبادرة ضخمة لدعم التعليم الحكومي من أميركا. وذلك رداً على احتياج قطاعات واسعة من الشركات الأميركية المتقدمة الى موظفين، صاروا يأتون من خارج أميركا لملء هذا الفراغ الذي يتسع مع كل عام، يقابله تراجع في أعداد خريجي الجامعات الأميركية من أبناء البلد. نماذج يتبع الفيلم 4 طلاب أميركيين يحاولون ان يجدوا طريقهم في النظام التعليمي الأميركي. ينتمي الاطفال، ما عدا واحدة غنية من أصل بريطاني، الى الطبقة الأميركية الفقيرة. أحد الطلاب، وهو صبي في السابعة من العمر، فَقَدَ والديه بسبب الإدمان على المخدرات، ويعيش مع جدته. البقية يعيشون الحاجة ونتائج الوضع الاقتصادي الحالي الصعب وبطالة أحد الوالدين. يحاول الطلاب الأربعة الحصول على مقاعد في مدارس حكومية مختلفة بنظام خاص، بدأت قبل اعوام وتحقِّق الكثير النجاح في الولاياتالمتحدة الأميركية. لكن هذه المدراس تطبق نظام «اللوتو» لاختيار المجموعة الصغيرة القادرة على استقبالها، بسبب الإقبال الكبير عليها. الفيلم يرافق أبطاله من الطلاب الى لقاءات الاختيار، ويبقى معهم الى ما بعد اختيار النتائج. ويرينا الفيلم كيف أن الإعلام، بشكل عام، تحفَّظ كثيراً في الحديث عن أداء المعلمين في المدارس في كل العالم تقريباً، حتى أن حضور الموضوع يرتبط كثيراً بالأجور القليلة التي يحصل عليها المعلمون مقارنة بوظائف أخرى أقل تطلباً. يعتبر فيلم «في انتظار سوبرمان» أن بعضهم يشكل عقبة كبيرة في النظام التعليمي، فالقانون الأميركي يتضمن قوانين تجعل فصل المعلم من عمله مهمة شبة مستحيلة، وهو الامر الذي يستغله بعض المعلمين والمعلمات في مدارس الحكومة، فيهملون واجباتهم، او لا يقومون بها على النحو الامثل. في المقابل، يقدم الفيلم أيضاً نماذج لمعلمين ملهَمين، يُعتبَرون اسبابَ النجاح الاولى في التجربة الجديدة للمدراس الحكومية بالإدارة الذاتية، والتي بدأت قبل بضع سنوات. الذين شاهدوا فيلم «الحقيقة غير المريحة»، احد أفلام المخرج ديفيس غوغينهام السابقة، يتذكرون بالتأكيد الصدمة التي أثارها الفيلم، الذي ركز على أثر الإنسان المدمر على المناخ ومستقبل الارض التي نتشارك بها. الفيلم تضمن الكثير من المشاهد العاطفية، التي اثرت بالمقدار نفسه على جمهور يتوزع حول العالم، والذي للحظات قليلة تشارك الخوف والحب معاً على الارض العليلة. غير أن هذا الشعور الكوني لن يتكرر مع فيلم «في انتظار سوبرمان»، ليس فقط بسبب محلية القصة، ولكن بسبب بنية الفيلم نفسه، وخللٍ في التوزان بين القصص الانسانية للاطفال الذي رافقهم الفيلم وبين البحث التاريخي عن مشكلة التعليم المعقدة، والتي استحوذت الكثير من وقت الفيلم.