سابقاً كل الأعمال الفنية التي ستهتم بمقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، ومنها الفيلم المنتظر للمخرجة الأميركية كاثرين بيغلو، عرضت قناة «ناشيونال جيوغرافيك» فيلم «فريق النخبة السادسة: الهجمة على بن لادن» الذي خلافاً لما أشيع من أنه سيجمع بين الدراما والتوثيق في ترتيبه للأحداث في الأيام التي سبقت العملية الأميركية، جاء مفعماً بروح الفيلم الهوليوودي الدرامي بتركيبته المعروفة... حتى إن هذا الفيلم التلفزيوني كان يمكن أن يتسلل إلى الصالات السينمائية من دون أن يلفت الانتباه بأنه أنتج للتلفزيون، ما يؤكد مجدداً الحدود الهشة التي صارت تفصل بين الدراما المنتجة للتلفزيون وتلك التي تخصص للسينما. يرتكز الفيلم التلفزيوني على تراث طويل من السينما الهوليوودية الوطنية التي تمجد بعاطفية مبالغ فيها علاقة الأميركي ببلده، وهي العلاقة التي تفجر عادةً الدراما، وتمنح الشخصيات في تلك السينما، الأسباب للمجد أو المبررات للوقوع في الخطيئة. فعملية مثل قتل أسامة بن لادن، تُفصّل درامياً لتناسب الفيلم التلفزيوني، بما يعنيه ذلك من تحميل الشخصيات الأميركية خلفيات تاريخية ونفسية تجمع على نحو مشوش أحياناً بين الولاء للوطن والرغبة في الانتقام من الذين اعتدوا على أمنه. فالشخصيات الأميركية جميعها تبدو كأنها تحمل وزر ما حدث في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، ولم تستطع أن تغفر لنفسها أنها لم توقف الاعتداءات الإرهابية التي حصلت في مدينة نيويورك (هذا الأمر ينسحب أيضاً على غالبية أعضاء المؤسسات الأمنية في مسلسلات التلفزيون الأميركي والتي قاربت موضوع 11 أيلول). لكن قبل تقديم الشخصيات الأميركية التي ستشكل الفريق الخاص لعملية «أسامة بن لادن»، سيبدأ الفيلم بمشهد افتتاحي مرعب عن تعذيب يقوم به جهاز أمني أميركي خاص لعضو من تنظيم «القاعدة»، سيقود إلى أول خيط لبن لادن، عبر ساعي بريده الخاص الذي سيقود «سي آي إي» إلى البيت الكبير المنعزل، والذي لا يخرج سكانه كثيراً، كما تقول شهادات جيرانه، في المدينة الباكستانية المحصنة بقواعد عسكرية للجيش الباكستاني. بين التدريب على العملية العسكرية لاغتيال أو اعتقال بن لادن، والمناقشات الاستراتيجية عن أفضل الطرق للقيام بها، سيتوزع الجزء الأول من الفيلم، والذي يستوحي أسلوب الفيلم التسجيلي بتقديم لقاءات منفصلة مع بعض أعضاء «سي آي إي». وستكون وظيفة هذه اللقاءات، تقديم وجه إنساني لتلك الشخصيات، بكشفها عن عمق الجرح الذي يحمله أعضاء المؤسسة الأمنية الأشهر في العالم، على ما أحدثته تفجيرات نيويورك، والرغبة الكبيرة في القصاص من الفاعلين، حتى يبدو إن الانتقام هو الذي يحرك تلك الشخصيات وليس وقف نشاط زعيم أخطر تنظيم إرهابي في العالم. لا يظهر بن لادن في الفيلم، حتى المشهد الأخير الدموي الذي ينتهي بقتله. ولا يبدو منه سوى شبحه في الظلام، وكأن الفيلم أراد أن يسجل القصة مروية من الطرف الآخر (الأميركي)، وأن يكون أميناً للراوية الرسمية التي وإن كانت شحيحة وقتها، إلا إننا سنعرف لاحقاً، أن الفريق الخاص سرّب بعدها تفاصيل سرية من العملية للإعلام، وربما يكون بعضها قد وصل لصناع هذا الفيلم التلفزيوني (نقلت أخبار الأسبوع الماضي بأن الفريق عوقب رسمياً بسبب ما قدمه من معلومات عن العملية لإحدى شركات صناعة الألعاب الإلكترونية، والتي تقوم بالإعداد للعبة إلكترونية عن عملية قتل بن لادن). وعلى رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يظهر للحظات قليلة فقط في الفيلم، ولا يُشار إليه إلا قليلاً، لكنه البطل السري للعملية، فهو، وكما أكدت مصادر، الذي أصدر قراراً بأن لا تُشرك الحكومة الباكستانية بالعملية، خوفاً من انكشافها، رغم ما يعنيه ذلك من ضرر للعلاقات الأميركية- الباكستانية. هذا الموقف وغيره، دفعا منتج الفيلم إلى الإصرار على عرض الفيلم التلفزيوني قبل يومين فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وكشف من دون خجل أو خوف من اتهامات بالانحياز، بأن الفيلم هو هدية للرئيس الأميركي، للإنجاز الأكبر الذي حققه، بقتل المطلوب الأول في العالم خلال سنوات حكم أوباما، التي يعتبر بعضهم إنها جاءت مخيبة للآمال.