تعرف باريس مرة في كل سنة ما يسمى «ليلة المتاحف»، وهي ليلة تبقى فيها متاحف مدينة النور مفتوحة حتى الصباح وتسمح لروادها بزيارة مجانية لكل قاعاتها ومعروضاتها وتحفها. وارتأت إدارة المتاحف التابعة لوزارة الثقافة هذه السنة إضافة نقطة جديدة وجذابة إلى برنامج هذه الزيارة الليلية (مساء السبت)، عبر وضع مجموعة من الألعاب الثقافية في متناول الزوار، خصوصاً الشبان منهم للسماح لهم باختبار مستواهم الثقافي وتحليله، علماً أن البالغين من كل الأعمار أمضوا معظم وقت زيارتهم للمتاحف في هذه الليلة في ممارسة تلك الألعاب ومن دون أدنى شعور بالخجل أمام الأصغر منهم سناً الذين نافسوهم على حل الألغاز المطروحة. وقد يكون متحف «لا بيناكوتيك» في منطقة لا مادلين في الدائرة الباريسية الثامنة والذي يستضيف حالياً معرض «كليوباترا»، من أبرز المشاركين في هذه المناسبة واضعاً الأسهم الطريفة والأرقام المبعثرة فوق الأرض منذ بداية الطريق. وفور عبور الزائر مدخل المتحف، يتسلّم خريطة مفسرة لهذه الألغاز التي إذا استطاع حلّها، تسمح له بالوصول إلى المكان السري الذي فيه يختبئ أحد كنوز الملكة كليوباترا أو إحدى الأساطير الخاصة بها وبحكايتها المثيرة. ويكمن ذكاء اللعبة بكونها دفعت اللاعب إلى زيارة المعرض بأكمله أثناء محاولته التوصل إلى الكنز، وبالتالي اكتشافه كل صغيرة وكبيرة في شأن الملكة كليوباترا، من كنوز وأشياء ومستندات ولوحات مرسومة وتماثيل منحوتة وصور، قبل أن يؤدي به المطاف إذا نجح في حل الألغاز الواحد تلو الآخر، إلى المكان الذي يُؤوي الشيء الثمين المطلوب منه العثور عليه. وكان هذا الشيء في بعض الحالات جوهرة أو حجراً ثميناً أو مجرد علبة استضافت سابقاً أحد مقتنيات الملكة السرية، أو الفستان الرائع الذي ارتدته نجمة هوليوود الراحلة إليزابيث تايلور في فيلم «كليوباترا» الذي أخرجه السينمائي جوزيف مانكيفيتش عام 1963. المفاجأة ولم تكتف إدارة متحف «لا بيناكوتيك» باللعبة المذكورة من أجل إضافة نبرة شيقة إلى معرض «كليوباترا»، بل أعلنت عن مفاجأة ستتخذ شكل جائزة خاصة في منتصف الليل لكل الذين نجحوا في حل الألغاز. وأعلن الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، عن فوز جميع المشاركين في اللعبة سواء فكّوا الألغاز أو لا، بالجائزة المعنية وطلب منهم التوجه بهدوء إلى الباص الواقف أمام مدخل المتحف والصعود اليه ومن ثم انتظار التعليمات. ونقلتهم العربة في ما بعد إلى دار سينما «لو بالزاك» الكبيرة في حي الشانزليزيه الراقي، حيث استقبلهم السيد شبوليانسكي مدير السينما وطلب منهم الجلوس في القاعة الكبيرة التي تتسع ل 400 مشاهد قبل أن يهنئهم على فوزهم بجائزة القدوم إلى دار «لو بالزاك» من أجل مشاهدة فيلم «كليوباترا» في حلّته الجديدة بعدما رُمِّم رقمياً، مضيفاً أن هناك سلة صغيرة تضم مأكولات خفيفة ومشروبات ستقدم إلى كل مشاهد من جانب مضيفات داخل الصالة. وهذا ما حدث قبل أن يبدأ عرض الفيلم بعد منتصف الليل لينتهي عند الرابعة صباحاً. وأمام نجاح عملية الألعاب الثقافية، ارتأت ادارة المتاحف الباريسية تكرار التجربة وتطويرها في ليلة المتاحف السنة المقبلة.