أكد السفير الأميركي لدى الرياض جيمس سميث أن العلاقات بين الولاياتالمتحدة والسعودية «قوية جداً»، وقال إنها «لم تتغير». وأضاف أن أكثر من 32 ألف طالب سعودي يتلقّون تعليمهم في الولاياتالمتحدة، «ولدينا علاقة قوية جداً في شأن مكافحة الإرهاب». واستبعد أن تتخذ العلاقات بين البلدين شكلاً آخر في المستقبل، في ضوء ما تشهده المنطقة العربية من حراك. وقال - في مقابلة أجرتها معه «الحياة» – «لا أرى أن ذلك سيحدث، فالتهديدات الخارجية لم تتغيّر، فنحن لا نزال نواجه معاً هذه التهديدات الخارجية التي تستهدف استقرار المنطقة، والتزاماتنا تجاه المملكة لم تتغيّر». وذكر أن بلاده «تشجّع وتقدر جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتحديث بلاده». وشدد على أن لا علاقة للولايات المتحدة أو أي طرف آخر بالثورات التي شهدتها مصر وليبيا وتونس. ورجّح أن الواقع الجديد في العالم العربي سيتيح فرصة أفضل لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. «الحياة» التقت السفير الأميركي ودار الحوار الآتي: ما رأيك في التطورات والتغيرات السياسية التي تحدث في المنطقة العربية حالياً؟ - إنه لشيء رائع ما يحدث في المنطقة من تحركات وتطورات. وأعتقد بأنه من المثير للاهتمام الوجود هنا في المنطقة في هذا الوقت من التاريخ، بسبب كل ما يجري الآن من حوار صحي. إذا رجعت إلى خطاب رئيس الولاياتالمتحدة باراك أوباما بخصوص مصر، فستجدين انه قال إن الدول تكون في حال استقرار إذا لبت الحكومات مطالب شعوبها. فما يحصل الآن في المنطقة هو مطالبة الشعوب بأن يُسمع صوتها. وفي مصر وتونس لم تكن الحكومة تستمع إلى صوت الشعب. وما حدث هو أن الشعب مواطنون أصبحوا يريدون المشاركة في صناعة القرار بعد أن كانوا فقط أدواتٍ تحركها الحكومات. وأظن أن هذا الأمر إيجابي ويخلق بُعداً جديداً. كيف تبدو السياسة الأميركية حيال المنطقة في ظل ما جرى في تونس ومصر، وما يجري في ليبيا والبحرين؟ - يعتقد البعض بأن هناك اختلافاً في السياسة، لكن إذا رجعتِ أيضاً إلى موقف الرئيس الأميركي في خطابه عن مصر، الذي قال فيه إن الحكومات يجب عليها سماع صوت شعوبها، وفي الأماكن التي لا نستطيع رؤية ذلك، فمقدَّر لها التغيير. لقد فاجأتنا مصر كلنا. صحيح أننا كنا نحض الحكومة هناك من قبلُ على عمل إصلاحات لسنوات عدة، إلا أن ما حصل لم تكن له علاقة بنا أو بأحد آخر، فما حدث كان بسبب رغبة شعب مصر، كذلك ما حصل في تونس وليبيا كان برغبة شعبيهما. لذلك لا أرى الاختلاف الذي يتحدث عنه الناس، ولا توجد تناقضات في مواقفنا التي تدعم رغبة الشعوب في إسماع صوتها. هل الأحداث التي عصفت بالمنطقة ستؤثر في العلاقات الأميركية - العربية؟ - أنا متفائل، إذ أرى أن هذه فرصة لرؤية الأمور بطريقة مختلفة. يمكننا أن نختار إما التركيز على خلافاتنا أو على الأمور التي تجمعنا. كيف؟ - لدى حكومة الولاياتالمتحدة موقف في شأن تشجيع حرية التظاهر السلمي، وفي الوقت نفسه هناك حكومات لديها موقف مختلف. إلا أن المهم بالنسبة إلينا هو النظر إلى الأنظمة التي تسمح لشعبها بإسماع صوتهم والاحتفاء بهم، والتشجيع بعد ذلك على استمرار هذا النوع من التحرك، لأنه يؤدي إلى إنشاء مجتمع مدني. الأمر ليس في ما تريده أو تفكر به الحكومة الأميركية، فالأمر هو فهم ما يريده أي شعب في أي دولة ودعم آمالهم. ما يذهلني هو مكانة وأهمية المملكة العربية السعودية، فالسعودية لديها مسؤوليات دولية، إذ إنها إحدى دول مجموعة العشرين التي تجتمع لمناقشة قضايا اقتصادية دولية، والمملكة هي قِْبلَة 1.2 بليون مسلم، فما يحصل هنا مهم بالنسبة إلى العالم أجمع. وأرى أن ما يحصل هنا في المنطقة هو شيء إيجابي جداً، لأننا نرى أصوات العرب تُسمع بطريقة إيجابية. إذا رأيتِ ما يحصل في الولاياتالمتحدة، فسترين أن الأميركيين تأثروا بما حصل في مصر والدول الأخرى، ويريدون هم كذلك إسماع صوتهم بالطريقة نفسها. أنا أعتقد بأن هذا الجيل من الشباب عندما يسترجعون ما حصل في المستقبل، سيرون أن هناك حدثين مهمين حصلا، تفصل بينهما 10 سنوات. الأول هو أحداث 11 أيلول (سبتمبر)2001، الذي خلق للأسف فترة جعلتنا نركز فيها على ما يفرقنا لعشر سنوات. والحدث الثاني هو ما بدأ يحصل منذ أشهر عدة في دول عربية، وهو ما خلق حقبة جديدة من الزمن تجعلنا نركز على ما يجمعنا. أنا متفائل ومتشوق لهذا. ما الأمور التي ستجمع برأيك الولاياتالمتحدة والدول العربية مستقبلاً؟ - إذا كانت إسرائيل محاطة بدول تسمح بحرية الرأي، فهذا الأمر يخلق بيئة مختلفة ننظر من خلالها إلى عملية السلام بطريقة مختلفة. فالأمر لن يكون إما فلسطين تخسر، وهو ما يعني أن إسرائيل تفوز، أو إما أن تفوز فلسطين وهو ما يعني أن إسرائيل تخسر، بل سيمكننا أن نجد حلولاً تجعل الطرفين رابحين، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى حل يجعل لفلسطين دولة شرعية لها حدودها وأمنها. ومن جهة أخرى ستشعر إسرائيل بأن هناك دول جوار تستطيع التعامل معها، وهو ما يخلق لديها الشعور بالأمن. وهو ما يُعتبَر إيجابياً بدلاً من الركود الموجود طوال ال 30 سنة الماضية. لقد كونت الجماعات المتطرفة والحركات المتشددة طوال السنوات العشر الأخيرة صورة سلبية عند البعض في الغرب، لكن هذا لا يحدث الآن، فالناس في الغرب الآن تحتفي بما حصل في بعض الدول العربية. هذه السنوات العشر الماضية أيضاً خلقت صورة سلبية عن الغرب هنا. نعتقد بأن هناك الآن أموراً تجمعنا أكثر من التي تفرقنا، فعلى سبيل المثال، في القاهرة رأينا أناساً يحملون شعارات الهلال والصليب معاً، ونحن أناس نؤمن بالدين. ما يحدث خلق ديناميكية نستطيع من خلالها معرفة الأمور المشتركة التي يتطلع إليها الناس، وهذا ما نحتويه ونشجعه. كيف ترى علاقة الولاياتالمتحدة والسعودية في ظل أحداث المنطقة؟ - من المؤكد أن الأحداث التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية خلقت تغيرات كثيرة واضطرابات، إلا أن العلاقات التي بدأت في 14 فبراير 1945، بعد اللقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، مستمرة منذ ذلك الوقت. أرى أن العلاقة قوية جداً، فنحن لدينا أوجه تعاون مشترك، مثل التركيز المشترك في الطب، إضافة إلى وجود 32 ألف طالب سعودي يدرسون في أميركا الآن. ولدينا علاقة قوية جداً في شأن محاربة الإرهاب، وعلاقة قوية تركز وتهتم بالاستقرار في المنطقة وداخل المملكة. وهذه العلاقة لم تتغير ولا أعتقد ذلك. هل تعتقد بأن العلاقة السعودية - الأميركية ربما تأخذ شكلاً آخر في المستقبل؟ - لا أرى ذلك يحدث، فالتهديدات الخارجية لم تتغير، وهذه التهديدات مشتركة بين المملكة والولاياتالمتحدة، فنحن لا نزال نواجه معاً هذه التهديدات الخارجية التي تستهدف استقرار المنطقة، والتزاماتنا مع المملكة لم تتغير. السعودية دولة غنية بمواردها الطبيعية، وهذا ما يشكل عنصراً مهماً في استقرار الاقتصاد العالمي، ونحن نشاركها في هذه المسؤولية. فلذلك لا أرى أن العلاقة يمكن أن تتغير. نحن نشجع ونقدر ما يحصل الآن في المملكة، وجهود الملك عبدالله لتحديث هذه البلاد. عندما جئت للمرة الأولى إلى المملكة قبل 20 عاماً طياراً حربياً خلال حرب تحرير الكويت، رأيت في المملكة شريكاً من خلال رؤيتي لطيارين سعوديين معي، وكنا شركاء في الدفاع عن هذه البلاد ضد التهديدات الخارجية. والآن عدت هنا، وأنا أرى نفسي ألعب الدور نفسه شريكاً معكم لمواجهة تحديات المستقبل، وأشعر بأن لي الشرف في ذلك. عندما جئتَ إلى السعودية أول مرة كنت في مهمة عسكرية خلال حرب تحرير الكويت، والآن أنت سفير لبلادك... هل اختلفت نظرتك إلى المملكة بين التجربتين؟ - الفرق هو عندما أتيت إلى السعودية قبل 20 سنة، كنت أراها من فوق ارتفاع 20 ألف قدم، أما الآن أرى السعودية عن قرب. رأيت أنكم من أكرم وأدفأ الشعوب الموجودة، وأنا وزوجتي ممتنان لوجودنا هنا، وتأتي عائلتي بين فترة وأخرى للزيارة ليشاركونا هذا الشعور. بوجودنا هنا نجد أنفسنا نحترم كثيراً من نراه من أشخاص يؤمنون بمستقبل هذا البلد، فعلى سبيل المثال الجيل الجديد من النساء في المملكة اللاتي يسافرن للحصول على شهادات من جامعات في الخارج، إضافة إلى انخراطهن في مجالات عمل مختلفة في المملكة، كذلك عملهن في مجالات جديدة ستكون أولى دفعات تخرجها قريباً في المحاماة والهندسة. فمن جانبي أنا احتفي بوجودي هنا لمشاركتكم هذه النجاحات. هناك اهتمام من السفارة الأميركية بالصحافة في المملكة... ما سر هذا الاهتمام بالمرأة السعودية؟ - نحن نريد أن يكون هناك حوار صريح مع الناس، فالموضوع ليس تكوين علاقات جيدة، بل هو الحرص على وجود حوار مفتوح مع الناس سواء أكانوا صحافيين أم غيرهم لدينا اهتمام بالمرأة، فعندما نرى سعوديات من جيل الشباب، ممتلئات بالحماسة والطاقة، والاعتزاز بوطنهن ودينهن ويردن أن يكن جزءاً من بلدهن، فكيف لنا أن لا نحتفي بهذا!؟ كيف تُقوَّم تجربتك سفيراً في الرياض، خصوصاً أنها أول مهمة ديبلوماسية لك؟ - أعتبرها من أغنى التجارب التي مررت بها في حياتي. ومرة أخرى أقول إن الشعب السعودي يتصف بالدفء، وروح الصداقة الجميلة. لقد ترعرعت في جنوبالولاياتالمتحدة، وأرى تشابهاً بيننا من ناحية الترحيب والضيافة والصداقة. أنا هنا منذ سنة ونصف السنة، ومع الوقت كانت هناك فرصة للحوار المفتوح ونقاش حقيقي مع الناس هنا، والذي يعجبني هو الرغبة الحقيقية منهم في رؤية هذا البلد عظيم. فالتركيز على التعليم هنا رائع، وكذلك التركيز على التنمية وتنويع الاقتصاد وخلق وظائف جديدة. والحقيقة أنني قضيت وقتاً طويلاً مع رجال أعمال لتهيئة مشاريع مشتركة هنا في المملكة، حتى تستطيع خلق وظائف. كما أننا نقدر ونشجع الحوار الوطني الذي رعاه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي من خلاله تناقشون القضايا المهمة التي تخص ثقافتكم ووطنكم لتتقدموا إلى الأمام بعد ذلك. وهو ما نحتفي به ونقدره، ما يجعلنا نريد أيضاً أن نكون جزءاً منه. وأنا أعتبر المملكة بيتي الآن وأحتفي بهذا.