استبقت دول كبرى أبرمت الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمس، أن الاتفاق لم يعُد يلبّي مصلحة الأمن القومي لبلاده، وتجميد مصادقته عليه، بالتحذير من عواقب سلبية لقراره، بينها «المخاطرة بفقدان كل شيء». وبدأ تطبيق الاتفاق، الذي صادق عليه مجلس الأمن في القرار رقم 2231، في 16 كانون الثاني (يناير) 2016، بعدما وقّعته في 14 تموز (يوليو) 2015 إيران والدول الست (الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا)، إثر مفاوضات شاقة دامت 21 شهراً. ومهّد ذلك لرفع جزئي للعقوبات الدولية المفروضة على طهران، مبقياً في المقابل حظراً خاصاً بالأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية، قائماً على التوالي حتى عامَي 2020 و2023. لكن مجلس الأمن يمكنه إدخال تعديلات وفق كل حال. وتعهدت إيران خفض قدراتها النووية، بما في ذلك أجهزة الطرد المركزي ومخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 3 في المئة، لمنعها من صنع قنبلة ذرية، مع ضمان حقها في تطوير برنامج نووي مدني. وكُلفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأشراف على تطبيق الاتفاق، وتفتيش كل المواقع النووية الإيرانية، علماً أن طهران تطبّق أيضاً البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والذي يمكّن الوكالة من إجراء عمليات تفتيش مفاجئة. وأكدت الوكالة مراراً احترام إيران التزاماتها بموجب الاتفاق. ومن أجل الالتفاف على الكونغرس الأميركي الذي كان يُحتمل أن يُفشل الاتفاق، قررت إدارة الرئيس الديموقراطي باراك أوباما أن «تجمّد» بمراسيم العقوبات المفروضة على طهران، تُجدّد بانتظام. وبما أن الاتفاق النووي ليس اتفاقية، فلم يُعرض على الكونغرس للمصادقة عليه. وردّ المشرّعون بإقرار قانون أطلق عليه «قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني»، يُلزم الرئيس بأن «يُقرّ» كل 90 يوماً أمام الكونغرس بأن إيران تحترم الاتفاق في شكل كامل وبشفافية، وبأنها ليست مسؤولة عن انتهاكات مادية له، وبأنها لم تطوّر برنامجها النووي العسكري لامتلاك سلاح ذري، وبأن الاتفاق يبقى حيوياً بالنسبة إلى مصلحة الولاياتالمتحدة وأمنها القومي. لكن ترامب يتهم طهران بانتهاك «روحية» الاتفاق، بسبب دورها «المزعزع للاستقرار» في الشرق الأوسط، ويعتبره «عاراً» و «الأسوأ» الذي أبرمته الولاياتالمتحدة في تاريخها، مندداً بمسائل كثيرة، بينها «بند الغروب» الذي ينصّ على إسقاط تدريجي لقيود تقنية مفروضة على النشاطات النووية الإيرانية، منذ عام 2025. وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في هذا الصدد: «هذا الأمر لا يؤدي سوى إلى إرجاء المشكلة إلى وقت لاحق. يمكننا تقريباً البدء بالعد العكسي للحظة التي سيتمكّن فيها (الايرانيون) من استئناف قدراتهم النووية». وطالبت الولاياتالمتحدة الوكالة الذرية بتنفيذ عمليات تفتيش في منشآت عسكرية إيرانية، وهذا ما رفضته طهران. كما اعتبر تيلرسون أن «الاتفاق لا يشكّل سوى جزء من ملفات يجب أن نعالجها في علاقتنا مع إيران»، بينها «الدعم المادي والمالي للإرهاب» و«التطرف» و«مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد» و«فظاعات ضد الشعب السوري» و«الدور المزعزع للاستقرار» في دول أخرى (دعم «حزب الله» في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن) و «العداء القوي لإسرائيل» و«التهديدات المتكررة لحرية الملاحة» و«القرصنة المعلوماتية» و«انتهاكات حقوق الإنسان» و«الاعتقال العشوائي لرعايا أجانب». وتطلب واشنطن أيضاً بقيود على البرنامج الصاروخي الإيراني، علماً أن إعلان ترامب أمس، أتى في إطار «استراتيجية» أوسع لمواجهة «تهديدات» طهران في الشرق الأوسط. وناقش تيلرسون موقف الولاياتالمتحدة، في اتصالات هاتفية بنظرائه الفرنسي والبريطاني والصيني والروسي، علماً أن مسؤولين في الإدارة الأميركية يؤكدون أن قرار ترامب لا يشكّل إلغاءً للاتفاق النووي، ولا دعوة مباشرة إلى فرض عقوبات على إيران. لكن الرئيس يرمي الكرة في ملعب الكونغرس الذي عليه اتخاذ قرار في غضون 60 يوماً، في شأن الإبقاء على رفع العقوبات أو إعادة فرضها على طهران. وقال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتيل: «إيران مصدر لزعزعة الاستقرار في المنطقة على المدى البعيد، ولذلك لا نزال نشعر بقلق من نشاطاتها. ستتخذ القايدة قرارات وسنستعدّ لتنفيذ ما يلزم لحماية أنفسنا، وفي شكل خاص لحماية مصالحنا في المنطقة». لكن السيناتور الديموقراطي كريس كونس حذر من أن «سحب الإقرار» بالاتفاق قد «يُساء فهمه» من حلفاء الولاياتالمتحدة، منبهاً إلى «مرحلة في منتهى الخطورة». تحفظات دولية ولفت مصدر ديبلوماسي فرنسي إلى أن «خلط كل شيء يعني المخاطرة بفقدان كل شيء». وأضاف أن «التهديد الوجودي بالنسبة إلى العالم هو القنبلة»، معتبراً أن «الاتفاق النووي ليس موجوداً لكي يسوّي مشكلات لبنان». وأكدت الحكومة الفرنسية «تعلّقها» بالاتفاق، وإصرارها على اهمية التعددية في تسوية الملفات الدولية. وقالت ناطقة باسم وزارة الخارجية أن الاتفاق «أداة صلبة وقوية ويمكن التحقق منها لضمان عدم امتلاك إيران أسلحة نووية». وأشار ناطق باسم الحكومة الألمانية إلى «مصلحة كبرى في استمرار الوحدة الدولية» في شأن الاتفاق، واستدرك: «في حال توصلت دولة مهمة مثل الولاياتالمتحدة إلى استنتاج مختلف، كما يبدو أنه الحال، فسنعمل بجدية أكبر مع الشركاء الآخرين لحفظ هذا الترابط». وحذر الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف من أن قرار ترامب قد «يؤدي إلى تدهور خطر للوضع في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني»، و «يؤذي الأمن والاستقرار ومنع الانتشار النووي في العالم». وأبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره الإيراني محمد جواد ظريف هاتفياً التزام بلاده الاتفاق في شكل «كامل». وشددت ناطقة باسم الخارجية الصينية على أن الاتفاق «مهم لضمان نظام عدم انتشار الأسلحة النووية في العالم»، معربة عن أمل بأن «تواصل كل الجهات الحفاظ عليه وتطبيقه».