أعطت قمة باريس التي ضمّت دول التحالف الغربي - العربي - الأفريقي ضد حكم العقيد معمر القذافي الضوء الأخضر لبدء العمليات في ليبيا تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1973 الذي يفرض حظراً جوياً على ليبيا ويمنع قوات القذافي من التحرك في اتجاه معاقل الثوار. وأعلن ناطق باسم القوات المسلحة الفرنسية أن نحو 20 طائرة شاركت في عمليات داخل ليبيا ودمّرت آليات لقوات القذافي في منطقة قريبة من بنغازي، وأوضح أن العملية العسكرية تتركز على منطقة مساحتها 100 كيلومتر إلى 150 كيلومتراً حول بنغازي، معقل الثوار في الشرق. وأُفيد أن سفناً حربية غربية تتوجه إلى السواحل الليبية لفرض حصار بحري إضافة إلى الحصار الجوي. وأعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في ختام القمة، أن القوات الجوية الفرنسية ستواجه كل اعتداء تقوم به قوات القذافي، وأنها باتت في الأجواء الليبية وأن طائرات أخرى على وشك التدخل ضد مدرعات تهدد المدنيين، وذلك بموجب ما اتفق عليه خلال القمة الدولية التي عُقدت في قصر الإليزيه في باريس، تنفيذاً للقرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن. وقال ساركوزي في بيان تلاه عقب الاجتماع، الذي ترأسه والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وبمشاركة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، «لقد قررنا معاً تطبيق قرار مجلس الأمن الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار ووقف العنف بحق المدنيين». وأضاف أن المشاركين اتفقوا على استخدام كل الأدوات اللازمة بما فيها العسكرية لفرض احترام قرارات مجلس الأمن، وأنه لذلك و «بالاتفاق مع شركائنا فإن قواتنا الجوية ستواجه كل اعتداء تقدم عليه طائرات العقيد القذافي» وأن هذه الطائرات باتت في الأجواء الليبية كما أن «طائرات أخرى على وشك التدخل ضد مدرعات تهدد المواطنين». وذكر أن فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة والدول العربية كانت وجّهت إلى القذافي وقواته إنذاراً مفاده أنه في غياب وقف إطلاق نار فوري وانسحاب القوات التي اعتدت على المدنيين في الأسابيع الأخيرة «فإن دولنا ستلجأ إلى أدوات عسكرية». وأشار إلى أن هذا الإنذار كرره كل المشاركين في القمة لكن «العقيد القذافي قابل هذا التحذير بالازدراء وقواته كثّفت هجماتها المميتة» على مدى الأسبوعين الماضيين. وتابع أن الشعوب العربية «قررت التحرر من الإذلال» الذي عانى منه مدة طويلة و «هذه الثورات ولّدت أملاً جديداً في قلوب أولئك الذين يشاركون في قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان»، مشيراً إلى أن كل هذا ليس خالياً من المخاطر. ومضى يقول إن مستقبل الشعوب ملك لها ولكن في مواجهة الصعوبات فإنها «في حاجة إلى دعمنا ومساعدتنا»، وإن الشعب في ليبيا «يريد السيطرة على مصيره» ولكنه «يواجه خطر الموت وعلينا مساعدته». وشدد على أن مستقبل «ليبيا ملك لليبيين أنفسهم وقتالهم من أجل الحرية خاص بهم وإذا كنا نتدخل إلى جانب دول عربية، فهذا ليس لأن لدينا ما نفرضه على الشعب الليبي». وأشار إلى أن التدخل يتم بموجب قرار مجلس الأمن و «بمشاركة شركائنا، خصوصاً العرب، لحماية شعب من الجنون المميت لنظام يقتل شعبه وفقد بذلك أي شعبية». وقال: «نتدخل لنتيح للشعب الليبي أن يختار مصيره بنفسه» ولكي «لا يحرم من هذا الحق بواسطة العنف والترهيب». ورأى أن المجال لا يزال متاحاً أمام القذافي «لتجنب الأسوأ من خلال الالتزام الفوري بمطالب الأسرة الدولية وعند ذلك تعود أبواب الديبلوماسية لتفتح مجدداً». وأكد ساركوزي «أن عزمنا كامل والكل يقف أمام مسؤولياته والقرار الذي أقدمنا عليه مع شركائنا العرب والأميركيين والأوروبيين خطير وفرنسا عازمة على لعب دورها». وقال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ل «الحياة» عقب الاجتماع إن العالم العربي يشهد تغييراً كبيراً ولا يمكن بعد ذلك خنق الحرية والمبادئ الديموقراطية. وذكر أنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة أن يتابع وقف إطلاق النار الذي أعلنته الحكومة الليبية و «ما يهمنا هو حماية المدنيين وتسهيل الأوضاع الإنسانية في ليبيا وتنفيذ قرار مجلس الأمن بحذافيره». وأضاف موسى أنه ينبغي عدم المساس بالأراضي الليبية و «لا نقبل بأي احتلال، فنحن متمسكون بسيادة ليبيا ووحدة أراضيها». وقالت مصادر مطلعة إن الجميع أشاد بالموقف العربي وفقاً لما صدر عن الجامعة العربية، إذ انه ساعد وساهم في القرار الذي صدر عن مجلس الأمن المبني على الفصل السابع. وأضافت أن الجميع أكد أهمية كون القرار 1973 مبنياً على الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة وأنهم لاحظوا أن الوقت داهم وضاغط وأن المزيد من التريث في ظل سقوط ضحايا يعقّد الأمور والمطلوب بالتالي اتخاذ قرارات سريعة للتحرك، لأن قرار وقف إطلاق النار الصادر عن القذافي لا يقترن بأن صدقية. وذكرت المصادر أن بعض المشاركين في قمة باريس رأى أن النظام الليبي انتهى، وإن لم يقولوا ذلك علناً، وأن هذا الانطباع «ساد في شكل ضمني». أما بالنسبة إلى المساهمة العربية في تنفيذ القرار 1973، فإنها متروكة، بحسب المصادر، لكل من الدول الراغبة بذلك. وشملت المشاركة العربية في قمة باريس الإمارات العربية المتحدة والعراق والأردن والمغرب وقطر إضافة إلى الجامعة العربية. ولفتت المصادر إلى أن الأطراف العربية التي شاركت في اجتماع باريس تحدثت بصوت واحد من ضمن إطار موقف الجامعة العربية. وعلى الجانب الغربي، مثّلت مشاركة ألمانيا في القمة وحضور المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، تحولاً في الموقف الألماني الذي كان عارض في البداية أي عمل عسكري ضد ليبيا في حين أن مندوب ألمانيا في مجلس الأمن امتنع عن التصويت على القرار 1973. وعقدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤتمراً صحافياً بعد الظهر في باريس أعلنت فيه أن الولاياتالمتحدة ستستخدم «قدراتها الفريدة» لمساعدة حلفائها وشركائها في أوروبا وكندا في فرض قرار الاممالمتحدة في شأن ليبيا. وقالت كلينتون التي كانت تتحدث بينما بدأت طائرات حربية فرنسية عمليات لمنع هجمات معمر القذافي، إن الولاياتالمتحدة ستساند التدخل في ليبيا. وسئلت هل الهدف هو الاطاحة بالقذافي فلم ترد في شكل مباشر لكنها قالت إن هدف القوى الغربية هو حماية المدنيين. كذلك قال رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر إن عمليات جوية «مكثفة» ستبدأ سريعاً في ليبيا وإن كندا ستشارك فيها. وقال هاربر إن عمليات بحرية ستجري تشمل حصاراً بحرياً. وأضاف: «معايير مهمتنا واضحة. وهي متنوعة ولا تشمل عمليات على الارض». وقال، بحسب ما نقلت عنه وكالة «رويترز»، «اعتقادنا هو انه اذا فقد السيد القذافي القدرة على فرض إرادته من خلال قواته المسلحة التي تتمتع بتفوق هائل فإنه لن يكون قادراً على المحافظة على قبضته على البلاد». وفي لندن (رويترز)، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون إن الزعيم الليبي معمر القذافي خرق وقف اطلاق النار وسيواجه تحركاً سريعاً لمنع وقوع مزيد من القتلى من المدنيين. وقال كامرون لمراسلي التلفزيون البريطاني بعد اجتماع للقوى العالمية في باريس: «العقيد القذافي هو سبب حدوث ذلك فقد كذب على المجتمع الدولي ووعد بوقف اطلاق النار لكنه انتهك هذا الوقف». وقال «انه مستمر في ارتكاب فظائع في حق شعبه ولذلك حان الوقت للتحرك. ويجب أن يكون التحرك سريعاً ويجب ان نفرض ارادة الاممالمتحدة وينبغي ألا نسمح باستمرار مذبحة المدنيين. من الواضح أن أفكارنا يجب أن تكون في هذا الوقت مع هؤلاء الذين سيخاطرون بحياتهم للمساعدة في انقاذ حياة آخرين. اعتقد انه من المهم بشكل حيوي أنه ومع مساندة الأممالمتحدة لنا وبالشرعية الواضحة للعمل ومع دعم دول المنطقة لنا كذلك فمن الصحيح ان نتخذ اجراء. بالطبع هناك مخاطر. هناك صعوبات. ستكون هناك دائماً عواقب غير متوقعة للقيام بالفعل. لكن من الأفضل اتخاذ هذا التحرك بدل المخاطرة بتبعات عدم اتخاذه وهي المزيد من الذبح للمدنيين على يد هذا الديكتاتور الذي يستهين بالاممالمتحدة وارادتها».