كثفت باريس، أمس، اتصالاتها الدولية لتحديد سبل تنفيذ القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن حول ليبيا، في ظل إجماع الطبقة السياسية الفرنسية على تأييد هذا القرار. وجاء ذلك في وقت تستضيف باريس اليوم لقاء دولياً وعربياً وأفريقياً كبيراً لمناقشة تفاصيل الإجراءات التي فرضها مجلس الأمن على ليبيا والتي تمنح «تفويضاً واضحاً» باستخدام القوة لضرب قوات العقيد معمر القذافي، وهو أمر لوّح مسؤولون فرنسيون إلى أنه قد يكون «مسألة ساعات». ولم يكن واضحاً هل سيعني إعلان السلطات الليبية التزامها قرار مجلس الأمن وبدء وقف فوري للنار تأخير الهجوم الفرنسي والذي ستسانده على الأرجح طائرات بريطانية. وقد أكد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون أمام مجلس العموم أمس أن قوات بلاده ستشارك في العمليات العسكرية في ليبيا بإرسال طائرات «تورنيدو» و «يوروفايتر». وقال إن التحرك العسكري سيكون «عملية مشتركة بريطانية - أميركية - فرنسية بدعم من دول عربية»، مؤكداً أن «بريطانيا ستقوم بدورها» فيها. وأضاف: «سننشر طائرات تورنيدو ويوروفايتر وطائرات تموين في الجو وطائرات استطلاع»، مضيفاً أن «التحضيرات جارية لنشرها وستلتحق خلال الساعات المقبلة بقواعدها الجوية حيث سيكون في وسعها القيام بالتحركات الضرورية». وأشار إلى أن «الشروط الثلاثة» المطروحة من اجل القيام بتدخل متوافرة، مشيراً إلى «مبرر واضح للتدخل .. ودعم إقليمي .. وقاعدة قانونية» مع صدور قرار مجلس الأمن مساء الخميس. وتابع: «لا اعتقد أننا نستطيع أن نبقى مكتوفي الأيدي ونترك ديكتاتوراً يرفضه شعبه يقتل الشعب من دون تمييز»، موضحاً أن «هذا يطلق إشارة مخيفة إلى شعوب أخرى». وأعلن أن تصويتاً سيجرى بعد مناقشات في مجلس العموم لمنح الثقة للحكومة الأسبوع المقبل من دون أن يكون العمل العسكري مرتبطاً بالحصول على هذه الثقة. وعلّق كامرون على إعلان ليبيا وقف النار وقال لتلفزيون «بي.بي.سي»: «سنحكم عليه (القذافي) بأفعاله لا أقواله». وتابع: «الواضح بشكل قاطع في قرار مجلس الأمن أن عليه أن يوقف ما يفعله من قتل شعبه بوحشية. وإذا لم يفعل فكل الإجراءات اللازمة ستتخذ لجعله يتوقف. هذا ما اتفقنا عليه الليلة (قبل) الماضية وما نعد له وسنحكم عليه بما يفعل». وفي باريس، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في كلمة ألقاها في مؤتمر المنظمة الدولية للفرنكوفونية في باريس، إنه «خلال الساعات المقبلة سيكون لديه ما يدلي به» في شأن الوضع في ليبيا، وإن التطورات في العالم العربي تفرض على الأسرة الدولية مراجعة لنظرتها ومبادئها. وتأسف ساركوزي بشكل غير مباشر للسياسة التي كانت متبعة سابقاً من قبل الأسرة الدولية والتي أدت من خلال تمسكها «بالاستقرار» الذي «شكّل مفتاح أي عمل ديبلوماسي» و«بالجمود» إلى إرغام شعوب في أوروبا والشرق الأوسط وغيرهما على القبول «بالظلم» و «بعدم احترام حقوق الإنسان». ورأى أن هذا التمسك بالاستقرار الذي حكم العمل الديبلوماسي في الفترة السابقة، بدا أكثر ضمانة للأسرة الدولية التي استفادت منه. ودعا إلى ضرورة «مراجعة مفرداتنا الديبلوماسية»، مشيراً إلى أن «الاستقرار يكون أمراً جيداً» عندما تكون الأوضاع سائرة على الدرب الصحيح وليس على الدرب الخاطئ. وعبّر عن اعتقاده بأن «كل الأزمات» الحالية «تحض على الأمل وإعادة النظر في مفاهيمنا وتقاليدنا والعمل على تحديد أفكار جديدة». وكان الناطق باسم الحكومة الفرنسية الوزير فرانسوا باروان أعلن في وقت سابق أن فرنسا ستشارك في العمليات العسكرية التي ستتم «سريعاً» وربما «في غضون بضع ساعات» على ليبيا. ولفت إلى أن هذه العمليات لا تعني احتلال ليبيا وإنما مساعدة المتمردين على التفوق على قوات العقيد معمر القذافي. وشدد على أن العمليات المرتقبة لن تؤدي إلى أي وجود عسكري على الأرض وإنما تمثّل آلية عسكرية لحماية الشعب الليبي والسماح له بالذهاب إلى النهاية في توقه للحرية. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن قرار مجلس الأمن جاء نتيجة التزام قوي من قبل فرنسا، وإن هدفه وقف العنف وحماية الليبيين وإنه يمثّل نجاحاً للشعب الليبي والأسرة الدولية وجامعة الدول العربية. وأضاف أن هناك في ليبيا حاجة ملحة لوقف المجازر على الأرض وأنه من هذا المنطلق فإن القرار 1973 يشكّل «قاعدة قانونية طالبنا بها منذ البداية ولم يتوافر أي جهد لبلوغها»، والآن «ينبغي تطبيق القرار وهذا ما نعمل عليه». وعما يعنيه القول إن عمليات عسكرية ستنفذ في غضون ساعات، أجاب فاليرو أن «الذي يرتكب مجازر بحق شعبه (القذافي) على الضفة الأخرى للبحر المتوسط تلقى الرسالة وعليه هو أن يعد الساعات الفاصلة عن تطبيقها». وذكر أن فرنسا تجري مشاورات مكثفة مع كل شركائها للتوصل إلى صيغة تنسيق بين الأطراف المستعدة للمشاركة في تنفيذ القرار. وكان ساركوزي أجرى مشاورات هاتفية مع كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كامرون بعيد صدور القرار 1973، كما استقبل صباحاً في قصر الرئاسة في باريس أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة. وتعليقاً على قرار وقف النار الذي أعلنه وزير الخارجية الليبي موسى كوسة، أكدت وزارة الخارجية الفرنسية ضرورة إبداء «الحذر الشديد حياله» باعتبار أن القذافي بات متخوفاً مما قد يحصل «لكن التهديد على الأرض يبقى على حاله» في ما يخص المدنيين. وشكّل قرار مجلس الأمن بحق ليبيا الذي استخدمت فرنسا كامل ثقلها لإصداره، محور إجماع نادر بين الطبقة السياسية الفرنسية، سواء من هم في الحكم أو في المعارضة. فقد أشاد وزير الخارجية السابق هوبير فيدرين بالقرار مثله مثل رئيس الحكومة السابق لوران فابيوس، فيما انتقدت الأمينة العامة للحزب الاشتراكي مارتين أوبري التأخر في إقامة منطقة حظر جوي. وأيّد رئيس الحكومة السابق دومينيك دوفيلبان (يميني) الذي يعد من أبرز خصوم ساركوزي، القرار داعياً إلى تركيز الجهود على بنغازي للحؤول دون حدوث حمام دم فيها. حلف «الناتو» وقرر (أ ف ب) حلف شمال الأطلسي (الناتو) تسريع وضع الخطط العسكرية تمهيداً لاحتمال المشاركة في التدخل الدولي في ليبيا الذي لم يتقرر بعد، كما أعلن الجمعة أحد مسؤوليه. وقال هذا المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته إن «سفراء» البلدان الثمانية والعشرين الحليفة «اتفقوا على تسريع وضع الخطط العسكرية» المتعلقة بليبيا. وأضاف أن بلدان الحلف الأطلسي «ستجتمع في الأيام المقبلة لمحاولة إنجاز الخطط في اقرب وقت من اجل تقديم مساعدة إنسانية ودعم حظر على الأسلحة ومنطقة حظر جوي». لكنه أوضح أن «مسألة القيام بعمل ملموس لم تطرح بعد على بساط البحث». وشدد هذا المسؤول على القول إن السفراء لم يناقشوا خلال اجتماعهم الجمعة «إمكانية تحرك الأطلسي»، مشيراً إلى أن ذلك لا يمنع بلداناً أعضاء في الحلف الأطلسي «التحرك على المستوى الوطني، كما ينص على ذلك قرار الأممالمتحدة». وأقر المسؤول بأن الحلف الأطلسي لن «يسلك اتجاه» العمليات، لكنه سيتصرف فقط «في إطار الجهود الدولية». وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي اندرس فوغ راسموسين أن «الحلف يقوم بإنجار خططه بحيث يكون مستعداً للتحرك بالطريقة الملائمة لدعم تطبيق قرار مجلس الأمن 1973، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من مجهود دولي أوسع». واعتبر أن الشروط الثلاثة التي تمكن الحلف من التدخل في إطار دولي باتت متوافرة، وهي «الحاجة الملحة (للتدخل) ودعم حازم للمنطقة وتفويض واضح من الأممالمتحدة». وفي برلين (رويترز)، قالت المستشارة الألمانية انغيلا مركل إنها ستحضر المحادثات في شأن ليبيا التي تعقد في باريس اليوم السبت. وامتنعت برلين الخميس عن التصويت على قرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا وهو القرار الذي أيدته حليفتاها في الاتحاد الأوروبي بريطانيا وفرنسا، بسبب مخاوف من سقوط ضحايا من المدنيين مثلما حدث في العراق وأفغانستان. لكن مركل قالت إن ألمانيا تناقش مع حلف شمال الأطلسي ما إذا كانت ستشارك في مهمات استطلاع جوي بطائرات «اواكس» في أفغانستان. وفي بروكسيل (أ ف ب)، توصل الأوروبيون الجمعة إلى اتفاق مبدئي في شأن فرض عقوبات جديدة معززة ضد 11 شخصاً وخصوصاً أعضاء في حكومة القذافي، وتسعة كيانات ليبية جديدة، كما أفادت مصادر ديبلوماسية. وفي أنقرة (أ ف ب)، تحاول تركيا المعارضة لتدخل أجنبي في ليبيا منذ بدء الأزمة إلى عدم إغضاب النظام والمتمردين في آن، حيث باتت عالقة بين مصالحها الاقتصادية الكبيرة في البلاد وضغوط حلفائها في الحلف الأطلسي من أجل الخيار العسكري. وطلبت تركيا وقفاً فورياً لإطلاق النار في ليبيا وكررت رفضها لتدخل أجنبي، على ما أعلنت أجهزة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الجمعة. وصرحت أجهزة رئيس الوزراء بأن قرار مجلس الأمن «ملزم» للدول الأعضاء وبأن تركيا أشارت «منذ البداية (...) إلى ضرورة إيجاد شرعية دولية» لأي مبادرة. كما ذكرت مجدداً بأن أنقرة تعارض منذ بدء الأزمة «تدخلاً أجنبياً في ليبيا، الدولة الصديقة والشقيقة». وعلّق أردوغان لاحقاً أمام عدسات التلفزيونات «كم سيبلغ عدد من سيقتلون ويذبحون؟ لا يمكننا أن نلزم الصمت ونبقى مكتوفي الأيدي حيال هذا الوضع»، من دون التطرق إلى احتمال ضربات عسكرية. وصرح وزير الخارجية أحمد داود اوغلو: «نأمل بعد هذا القرار بأن تتوقف أعمال العنف في ليبيا وأن تنتهي المجازر بحق المدنيين»، رافضاً كذلك التعليق على ضربات عسكرية. واعترضت تركيا منذ بدء الأزمة الليبية على تدخل أجنبي ولا سيما من طرف الحلف الأطلسي الذي تنتمي إليه، معتبرة أن عملية مشابهة ستلقي بتبعات «خطيرة» ولا سيما على السكان.