تدهور الوضعان الأمني والسياسي بشكل خطير في اليمن أمس، مع مقتل نحو 50 متظاهراً وجرح مئات آخرين بالرصاص بعد صلاة الجمعة في العاصمة صنعاء، وإعلان الرئيس علي عبدالله صالح فرض حالة الطوارئ في أنحاء البلاد للمرة الأولى منذ حرب صيف 1994. وفيما اتهمت المعارضة «بلطجية» النظام وقوى الأمن بفتح النار على المتظاهرين المسالمين وقالت إن أي حوار مع السلطة لم يعد ممكناً بعد هذه المجزرة، اعرب صالح عن أسفه لسقوط قتلى، مؤكداً أن الشرطة لم تطلق الرصاص على المتظاهرين. وخرج مئات آلاف اليمنيين في تظاهرات شجب وتنديد في كل محافظات اليمن، مطالبين بإسقاط النظام ورحيل الرئيس ومحاكمة المعتدين، واستقال وزير السياحة نبيل حسن الفقيه من منصبه ومن الحزب الحاكم احتجاجاً، وقال ان قراره نتج عن الاحداث التي تمر بها البلاد، فيما لقي الحادث إدانة كل من واشنطن وباريس اللتين دعتا السلطات اليمنية إلى وقف العنف وبدء حوار لتلبية مطالب المحتجين. ففي مشهد دموي هو الأعنف منذ اندلاع الاحتجاجات قبل أربعة أسابيع في مختلف المحافظات اليمنية، لقي حوالى 50 شخصاً مصرعهم وجرح المئات من المحتجين المعتصمين في «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء والشوارع الممتدة حولها في مواجهات بين معارضي النظام وبين مؤيديه الذين أطلقوا الرصاص من على سطوح المنازل المجاورة لمخيم الاعتصام وسط شارع الدائري جنوب الساحة بعد أقل من ساعة على انقضاء صلاة الجمعة التي شارك عشرات الآلاف وأطلق عليها المعارضون تسمية «جمعة الإنذار». وأكد شهود ل «الحياة» أن المواجهة بدأت عندما حاول المئات من المعتصمين هدم الجدار الفاصل بين مخيم الاعتصام والشوارع المجاورة في الخط الدائري، والذي كانت قوات الأمن أقامته الأسبوع الماضي لمنع تمدد مخيم المعتصمين الذين أعلنوا في وقت سابق أنهم سيهدمون الجدار الخرساني لاستيعاب الخيام الجديدة نظراً إلى تزايد أعدادهم، غير أنهم فوجئوا بوابل من الرصاص أطلقه مسلحون باللباس المدني تمركزوا في المباني المجاورة وعند مداخل الشوارع المتاخمة. وأضاف الشهود أن رجال الأمن حاولوا في بادئ الأمر فض الاشتباك بين المعارضين والموالين، غير أنهم سرعان ما تراجعوا عن ساحة المواجهة، حيث استمر المسلحون في إطلاق الرصاص بكثافة باتجاه المحتجين فيما كان هؤلاء يردون بالحجارة ويتوجهون بأعداد كبيرة إلى المنازل والبنايات التي يتمركز فيها المسلحون والقناصة، وتمكنوا من اقتحام عدد منها وملاحقة من كان بداخلها. وذكر أشخاص شهدوا الواقعة أن جنود الأمن كانوا يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه المحتجين في حين كان الضحايا يتساقطون بالعشرات بين قتيل وجريح، حيث غطت الجثث والجرحى قاعة المستشفى الميداني ومحيطها في ساحة التغيير، وأطلق الأطباء نداء استغاثة للمساعدة في نقل المصابين إلى المستشفيات وتوفير الأدوية الطارئة لمعالجة الحالات الممكنة. وقالت المعارضة إن من اطلق النار هم رجال وحدات أمن ووحدات خاصة في الجيش يرتدون اللباس المدني، بالإضافة إلى المئات من مؤيدي النظام وأنصار حزب «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم أو «البلطجية». وتدافع المسعفون وسيارات الإسعاف إلى الساحة لنقل الجرحى إلى المستشفيات الخاصة، وأكد عدد من هؤلاء أن معظم الإصابات تركزت في الرأس والصدر، وهو ما زاد في عدد القتلى. ووجهت نقابة الأطباء نداءً إلى جميع الأطباء والجراحين والعاملين في مجال الإسعاف للتوجه بسرعة إلى «ساحة التغيير»، ودعت كل مستشفيات العاصمة لاستقبال الجرحى، فيما طلبت من المواطنين التبرع بالدم، فيما كان المعتصمون يطلقون من على منصة الاعتصام نداءً عاجلاً للجيش للقيام بواجبه الوطني في حمايتهم. وكانت نقابة الصحافيين اليمنيين دعت أمس جميع أعضائها إلى مقاطعة المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس علي صالح، بعدما نعت الصحافي جمال الشرعبي الذي كان في عداد القتلى، وتوعدت بمقاضاة القتلة داخلياً وفي الخارج. وترأس الرئيس اليمني بعد الحادث اجتماعاً طارئاً لمجلس الدفاع الوطني الذي أعلن فرض حالة الطوارئ في كل أنحاء البلاد، وقال بيان صادر عن المجلس إن ذلك يعني منع كل المواطنين من حمل السلاح، بالإضافة إلى إجراءات أمنية أخرى لم يكشف عنها. وقال صالح في مؤتمر صحافي قاطعته نقابة الصحافيين اليمنيين انه شكل لجنة محايدة للتحقيق في أحداث الأمس والأحداث المماثلة التي وقعت في محافظات أخرى، وفي مقدمها عدن وتعز والحديدة، مؤكداً أن ما حصل يهدف إلى إفشال مساع خليجية لرأب الصدع بين اليمنيين. وأصدرت وزارة الداخلية اليمنية بياناً قالت فيه انه «لا صلة لرجال الأمن بما حدث من مواجهات دامية في ساحة الاعتصام أمام جامعة صنعاء، وأن الاشتباكات وقعت بين مواطنين ومعتصمين هاجموا منازلهم». واتهمت «عناصر تنتمي إلى أحزاب المعارضة في اللقاء المشترك بمهاجمة منازل عدد من المواطنين بعد صلاة الجمعة أمس ما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين الطرفين». ونفى البيان أي صلة لرجال الأمن بما حدث وقال إن الشرطة التي تدخلت لفض الاشتباكات لم تطلق النار، مؤكدة «فتح تحقيق لكشف ملابسات الحادث المؤسف». المعارضة تنعى الحوار ودانت أحزاب المعارضة في تحالف «اللقاء المشترك» ما وصفته ب «جريمة الإبادة التي ارتكبها النظام الحاكم ضد الاحتجاجات والمعتصمين المسالمين في ساحة التغيير بصنعاء، لتضاف إلى جرائم ومجازر السلطة ضد الشعب اليمني في مختلف ميادين الاحتجاجات والتظاهرات وساحات الاعتصامات في كل المدن والمحافظات المطالبة بسقوط النظام ورحيل علي صالح». وتوعدت قيادات في أحزاب «المشترك» الرئيس «وكل المتورطين في هذه المجازر والجرائم بمحاكمات في الداخل والخارج»، مؤكدة انه «لا حوار ولا تفاهم مع السفاحين والقتلة وأن الشعب اليمني هو من سيجبر علي صالح ونظامه على الرحيل». وفي واشنطن، دان الرئيس الأميركي باراك اوباما بشدة العنف في اليمن داعياً الرئيس صالح إلى التزام وعوده بالسماح لليمنيين بالتظاهر السلمي، وقال في بيان مكتوب «أدين بشدة أعمال العنف التي وقعت اليوم في اليمن وأدعو الرئيس صالح إلى الوفاء بوعده بالسماح للتظاهرات بالسير سلمياً. إن منفذي أعمال العنف هذه ينبغي أن يحاسبوا». وأضاف «من المهم اكثر من أي وقت على الإطلاق أن تشارك كل الأطراف في عملية علنية وشفافة تتناول بواعث قلق الشعب اليمني وتوفر طريقاً سلمياً ومنظماً وديموقراطياً نحو دولة اكثر قوة وازدهاراً». وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الولاياتالمتحدة تطالب ب «إنهاء العنف» في اليمن. وأوضحت رداً على سؤال «رسالتنا تبقى نفسها. يجب أن يتوقف العنف، وأن تبدأ المفاوضات لإيحاد حل سياسي». وفي باريس، دانت الحكومة الفرنسية بشدة مقتل عشرات المحتجين وحضت السلطات على حماية المتظاهرين المسالمين. وقالت وزارة الخارجية في بيان «نأسف لوقوع عدد كبير من الضحايا. يجب الآن على قوات الأمن والجماعات الموالية للحكومة أن توقف الهجمات ضد أشخاص يعبرون عن حقوقهم في حرية التعبير والتظاهر».