ترى الشاعرة سمر الشيخ في عدم تبني دور نشر طباعة دواوين شعر «سلوكاً طبيعياً تجاه ثقافة باتت مريضة»، مشيرة إلى أنها تغبط «هؤلاء الذين ما زالوا يجاهدون ليكتبوا ويستمروا، إنه لم يعد عصر الكلمة، لو نزلنا من قصورنا العاجية نحن الشعراء وغيرنا ممن يحترفون فن الكتابة الإبداعية، لوجدنا أنه عصر الخبز الناشر يريد الأرباح والفرد العادي من المجتمع يريد أن يشتري خبزاً لبيته، عوضاً عن كتاب شعر أو حتى رواية، تلك الشعوب التي تثور قبل منادتها للحرية هي تطلب اللقمة النظيفة»، وتقول: «أذكر جيداً موت الشاعر محمد الثبيتي، لو أقول إنني سألت أكثر من 20 شخصاً ماذا قرأوا للثبيتي لم يتعرفوا حتى على اسمه، ء الأشخاص من الشباب العادي، لمن تطبع دور النشر ألا تطبع لهم هم المستهدفون حتى من قبلنا نحن الكتّاب، هم مقبلون بدروهم على قراءة كتب من نوع آخر بعيدة عن التصنيفات الأدبية، هذا الكلام ليس مبنياً على إحصاءات، هو امتصاص لما يدور حولي في عالم يحكمه الربح المادي والاستهلاكي». وأوضحت في حديث ل«الحياة» حول انتهاء عصر الشعر، وبدء زمن الرواية قائلة: «لا أعلم إن كان انتهى دور الشعر أم لا، لكنني أرجو ألا يفعل ذلك، لأن الشعوب السعيدة والصحية ترقى بفنها لو مات الشعر، ستموت خلفه كل الفنون، هو متوعك ومتوعك جداً، نتيجة للثقافة الاستهلاكية التي تتغذى عليها في كل شيء». ورداً على سؤال حول لمن تقرأ من الشعراء والشاعرات، وأي أثر تركوه فيها قالت: «كنت أقرأ كل شيء، الجيد والرديء، الآن صرت انتقائية أكثر، ووصلت إلى مرحلة أنه من بين عشرة كتب قد أكمل قراءة كتاب واحد أو كتابين، لا أحتاج إلى التظاهر بأنني دودة كتب، الصحيح أنني ظللت فترة من عمري أقرأ من دون متعة، وإنما لأنه علىّ فعل ذلك. مدارسنا سيئة ومحبطة في تعليمها، إنها تقتلنا ببطء طوال سنوات التعليم، أضف أن كتب المرحلة الجامعية أخرجتني منفصلة عن كل ما هو حديث لفترة طويلة جداً، لم أستوعب أن ثمة ما يسمى بقصيدة النثر، لِم جامعتنا في العموم تفرز، إما قراء عاديين أو عازفين عن القراءة، نحن نقتل الحس النقدي داخل أطفالنا وشبابنا أيضاً، أما التأثير فلست متأثرة باسم بعينه، إنما خليط لا أستطيع الفصل بين مكوناته»، مؤكدة أن تصنيف الشعر إلى ذكوري وأنثوي «باطل». ولا ترى غضاضة في توجه الشعراء إلى الرواية، «دعهم يتوجهون ولم لا! الحياة بأكملها محض تجربة، مغامرة، هذا التجريب يجعلها لذيذة، المحك هو في النهاية، بغض النظر عن النوع الأدبي الذي يحترفه هل أبدع؟ وتقول: «لا أعلم إن كنت سأكتب الرواية، أو حتى سأستمر في كتابة الشعر، ما أعرفه جيداً أن مخطوطة كتابي الثاني بين يدي هي «شعر». نحن لا نقرر في هذه الأمور، اننا نذهب إليها دونما إرادة، أما التقويم فلست مؤهلة لذلك، أنا أشاغب الكون، وأجرب أن أحبه بطريقتي من دون أن يملي علىّ أحد ذلك». واعترفت بأن بعض الشعر «معقد أكثر من الألغاز». ولا تلوم الشاعر «ولا ألوم نفسي كقارئة، أظن أن الشاعر الذي يقترف ذلك الشعر المعقد، إما قد سبقني بعبقريته الشعرية، ولا ضير في ذلك، لأنني لا أطمح إلى تلك العبقرية، وإما أنه لا يعرف ماذا يكتب، ولماذا يكتب؟ أو كما يقال «مع الخيل يا شقرا»! من جهة أخرى، تعلن الشاعرة سمر الشيخ في ديوانها «انشقاق»، الصادر عن دار العلوم ناشرون في بيروت، عن موتها، انشقاقها عن الحياة في أول قصيدة تتصدر الديوان، وتقرن موتها بموت الشعر، وتقرر في أول الأبيات أن «لا أحد يحتفي بالشعر»، ولذلك تكمل «سأموت... لكن جنازتي تعبر... بلا أكاليل». وجمعت الشيخ في ديوانها البالغ عدد صفحاته 111 صفحة من القطع المتوسط 51 قصيدة، واستهلته بإهداء يحمل يأساً كتبت فيه «إلى الحب... الحب الذي لا يأتي»، وبعثرت بين أوراق الديوان القصائد، من دون ترتيب زمني، غير أنها تقع بين عامي 2003 و2008، وبدأ الديوان بقصائد كتبت في عام 2008، فيما قصائد أخرى لم تحمل أي تاريخ لها، وتعمدت الشيخ ألا تضع ما يشير إلى زمن كتابتها، مثل قصائد «أجنحة» و«رغيف ينبض»، وقصيدة «هي» التي تعلن فيها غياب صوتها عن الكلام على رغم عمقه. وتعلن أن «القصائد غير المؤرخة كتبت في مزاج سيئ، وعلى أوراق متناثرة، ولم أتعمد عدم كتابة تاريخها، لكنها سقطت من ذاكرتي»، وخرجت من النصوص الصغيرة غير المؤرخة بفكرة «أود الاشتغال عليها لاحقاً تتمثل في النص القصير الملائم تماماً للحظات الخاطفة التي نختزن فيها أعمارنا». وعلى غير عادة الشعراء الذين يطلقون اسم قصيدة على دواوينهم، جاء عنوان «انشقاق» من خارج الديوان، ولا قصيدة فيه تحمل ذات الاسم، وإن حملت معناه القصائد، وترجع الشيخ اختيارها العنوان إلى «حلم قديم»، ليس قديماً جداً، وإنما يعود إلى «المرحلة الدراسية المتوسطة، حينها كنت مدمنة على قراءة المجلات الأسبوعية»، وفي عالم الخيال «صنعت لذاتي زاوية ثابتة، أكتب فيها باستمرار، وأطلقت عليها اسم انشقاق»، وفي الوقت الحاضر «لم أكن أدرج في ذلك الوقت أن كل الاحتمالات سيفيض بها معنى الانشقاق، كان وقتها مجرد لعبة خيال أمارسها بحب، فلا ثمة زاوية ولا قراء، وإنما انشقاق أتخيله في كل مرة بلون وشكل مختلف». قادها التخيل إلى الاستمرار في الكتابة «ليس لشيء سوى الكتابة ذاتها»، غفلت عن اسم العمود الوهمي في المجلة الوهمية، لكنه ظهر لها مرة أخرى، فارضاً ذاته «قبل ثلاثة أعوام، حين كنت أجمع نصوصي، تمهيداً لإصدارها في مجموعة، خطر لي الانشقاق، ولم أجد غير التمسك به عنواناً للمجموعة، ووفاء للأمنيات القديمة».