مازالت احتفالات «ديزني لاند» بمرور ربع قرن على تأسيسها في فرنسا مستمرّة منذ انطلاقها في آذار(مارس) الماضي لتُختتم مع انتهاء العام الحالي (1992- 2017). اختارت المدينة الترفيهية الأكبر في أوروبا الاحتفاء بالرقم 25 في أجواء مدهشة يختلط فيها الواقع بالخيال اختلاطاً يسرّ له القلب وتدهش له العين. وربما كانت هذه المناسبة فرصة لإعادة إنعاش هذا المعلم السياحي الأوّل في فرنسا (350 مليون زائر منذ افتتاحه)، بعدما أصابته خسائر فادحة خلال العامين الماضيين، إثر الأحداث الإرهابية التي طاولت أماكن سياحية في باريس بين عامي 2015 و2016. الرقم ذاته يتكرّر أينما ذهبت ليذكرّك بعمر المكان الذي شكّل مكانةً أثيرة في مخيلة كثيرين ممن كانوا يرون في حدائق ديزني وملاهيها حلماً أميركياً بعيداً. الوافدون يأتون من كلّ مكان ومن كلّ الأعمار مندفعين إلى اكتشاف- أو ربما- إعادة اكتشاف عالم حقيقي بمقدار ما هو غرائبي، تنطبق عليه سمات الواقعية السحرية وإن كانت تتجاوز معناها الأدبي/ الماركيزي لتغدو نمطاً جمالياً يخصّ مجمّع ديزني المبهر. الجميع مأخوذٌ بمتعةٍ لم يسبق تذوقها إلاّ في الأحلام. قوّة خفية لها تأثير «العطر»، تقود الزائر إلى عوالمها التخييلية. فالأجواء ليست كما هي في العادة، بل إنّه احتفال خُصصت له موازنة كبيرة، إذ أوجدت مساحات خاصة وضعت عليها مجسمات لأشهر الشخصيات الكرتونية، كما تمّ تحديث بعض الألعاب، فارتدت «سبايس ماونتن» الشهيرة حلّة جديدة وغدا اسمها «هايبر سبايس ماونتن»، وجُدّدت لعبة «بايرتس أوف ذي كاريبيين» (مغامرات كابتن جاك سبارو)، لتصير مدتها عشر دقائق يعيش خلالها المغامر حياة القراصنة ويغوص في عوالمهم المائية المريبة. وجاء الاستعداد لموسم «هالويين» السنوي المنتظر على مدار شهر تقريباً (من 1 تشرين الأول - أكتوبر الجاري إلى 5 تشرين الثاني - نوفمبر)، ليضفي على حدائق ديزني جمالية خاصة تلتمسها من الزينة الرائعة ورؤوس اليقطين المضاءة والأزياء التنكّرية المنتشرة في كلّ زاوية من زوايا هذا المكان. وتتضمّن احتفالية ديزني الخامسة والعشرون مسيرةً يومية عند الساعة الخامسة والنصف مساءً، تُشارك فيها شخصيات كرتونية، قديمة وراهنة، بدءاً من الفأر ميكي وصديقته ميني إلى البطة ديزي والدبّ ويني مروراً بالأميرات الشهيرات، وصولاً إلى بطلتي مملكة الثلج إلسا وأنّا، وينتهي اليوم بتجمّع كبير وسط باحة الحديقة لمشاهدة عرض جميل تتزاوج فيه ألعاب الليزر والإضاءة والمفرقعات النارية والنوافير الراقصة، مستحضراً أهمّ الشخصيات والأفلام والحكايات التي مرّت في تاريخ ديزني. الجمال هنا مُتاح سمعاً ونظراً وحسّاً. موسيقى الفالس تُلاحقك وأنت تمضي باتجاه قصر الأميرة النائمة، بوصلة «بارك ديزني» الأساسية. هذا القالب الإيقاعي يُشعر الزائر بشيء من الدوران والإنزلاق، وهو ما تعنيه مفردة «الفالس» المشتقّة من الفعل اللاتيني volvere (بمعنى يدور)، فتأتي الموسيقى منسجمة وحركة المكان الآسر بمتاهاته وألعابه ومنزلقاته. وما بين النغم الطالع من صميم الثقافة الأوروبية، النمسوية- الألمانية تحديداً، وبين قصر الأحلام المستوحى من حكايات الفرنسي شارل بيرّو، نجد أنّ «ديزني لاند»، رمز الثقافة الأميركية المعولمة، ليست قائمة على أسس أو ربما ظواهر تخصّ المجتمع الأميركي فقط، بل إنها تختزل نتاجاً ثقافياً إنسانياً واسعاً. وعندما يتساءل أحدنا عن الأثر العربي في مدينة الأحلام هذه، يأتيه الجواب سريعاً عبر مقامٍ عربي (حجاز كار) يتهادى إليه فجأة، فيسرقه من نفسه ويغدو النغم الشرقي دليلاً يسوقه لاإرادياً نحو مكانٍ مجهول تتوضّح معالمه كلّما توضح لحن الأغنية. موسيقى أغنية عبدالوهاب الشهيرة «مضناك جفاه مرقده»، تكشف عن عالم علاء الدين الساحر، ببعده العربي- الشرقي الأصيل. فائضٌ من السعادة على وجوه بعض العرب الموجودين داخل عالم مدهش، راسخ في موروثهم الثقافي، ومعدوم في واقعهم الراهن. قد يحتاج الكابوس العربي، مصباح علاء الدين، ومع ذلك يبقى الأمل ممكناً. فالحروب تدمّر كل شيء، ما عدا الأحلام. وليس عالم ديزني الساحر إلاّ صنيعة رجلٍ- والت ديزني (1901-1966)- شارك في الحرب العالمية الأولى كسائق إسعاف، وما زادته مشاهد العنف الاّ إصراراً على ملء العالم أحلاماً وفرحاً وجمالاً.