حال طوارئ في البحرين، حظر تجول... كل العالم العربي في عين العاصفة، «الطوارئ» تخيّم بعدما تجاوزت الأحلام الخطوط الحمر. كل الحقوق السلمية مباحة، ولكن يُفترض ألاّ تُستباح الأوطان. مَن يمكنه حجب الشكوك في هوية من ينفخ في العاصفة؟ على مر العقود، لم يرَ العالم في الخليج العربي سوى ثرواته، النفط ومشاريع الاستثمار والبناء، في مصفاة «الربح الهائل». تناسى أو تجاهل حق شعوب المنطقة في ثرواتها، تلاعب بفتيل النزاعات لإيجاد شرعية لأصابعه و «نصائحه» والمستشارين الغربيين، أولئك الذين يتبرعون دائماً بمشاريع الحروب. والسؤال هو إن كان الهدف اليوم إثارة نزاع إقليمي من بوابة تدويل حقوق الإنسان. حتى الآن، ما زالت واشنطن – أوباما فاشلة في فرض وصايتها على التحولات العاصفة في كل العالم العربي، بعد ثورتي تونس ومصر. صحيح أن النظامين اللذين تُطوى حقبتاهما في قاهرة ميدان التحرير وتونس الياسمين، ارتكبا ما لا يمكن الدفاع عنه، وغيّبا قسراً أحلام الشباب وحقوقهم بالحياة الكريمة، لكن الصحيح ايضاً أن الدفاع عن النيات الأميركية سذاجة وحماقة، في ظل تعامل إدارة أوباما مع حقوق الفلسطينيين التي تسحقها إسرائيل ألف مرة كل يوم... ومع حقوق الليبيين الذين تبيدهم كتائب الجماهيرية اليوم فيما الغرب يتحيّن فرصة لإنقاذهم، ولا يجدها. مشروع مذبحة في بنغازي، الغرب يتحيّن... مشروع للفوضى في الخليج، أميركا ما زالت تقدم النصائح، فتكبر الوساوس من نياتها ودورها، فكيف إذا تشابهَ لسانُها مع غيرة إيران على حقوق شعوب الخليج... غَيْرة بالفطرة، باتت «إدماناً» لا تستطيع القيادة الإيرانية التخلص منه، ولو انهمكت أحياناً بملاحقة المعارضين في الداخل، وإلباسهم رداء «الفتنة». هو شأن داخلي بالطبع، أما شؤون الخليجيين والعرب عموماً، فلطهران قصة أخرى معها، يعرفون فصولها ومراراتها. هل احتجّت البحرين يوماً على أي اتفاق أبرمته إيران مع أي دولة؟ تحتج القيادة الإيرانية على دخول قوات من «درع الجزيرة» الى البحرين، ما زالت أسيرة أعراض هاجس الإقليم ودعاواه. شكوى نجاد من «الظلم الأميركي» حين يتظلم، أن واشنطن تنصّب نفسها وصية على المنطقة. نجاد وصي استثنائي يذكّرنا بمصير صدام، ويلوّح ويندّد، لكن أخطر ما يُرتكب في اللعب على وتيرة انتهازية أميركا والغرب، هو استخدام سلاح لن يضير الغرب، بل كل الضرر للعرب وإيران. إن رفضنا في «ميدان التحرير» دروس الوزيرة هيلاري كلينتون التي جاءت لتلقّن شباب الثورة أصول الديموقراطية وأدوارها، أيكون علينا الإصغاء إلى الرئيس المظلوم مع أميركا ومع «العملاء» من الإيرانيين الذين باتوا خوَنة يستحقون الإعدام لمجرد معارضتهم انتخابه؟... فيما يعطينا الأوامر، فقط من اجل إنصاف الشعوب! أخطر ما في أسلحة نجاد، تحريك الأوتار المذهبية، مهما حاول الاجتهاد في ترويج خرافة صراع طهران مع أميركا وإسرائيل «من اجل حقوق المسلمين». فليتذكر أن الأولوية الأولى في «ميدان التحرير» وسيدي بوزيد هي للرغيف والحرية، فليتريث ليرى إن كان ثوار مصر وتونس سيرفعون رايات التطبيع المستحيل مع لصوص فلسطين، إن كانوا محتاجين لأبوّة أحمدي نجاد... وعطف هيلاري كلينتون التي لم تنتظرها الورود في القاهرة. أدمنت طهران عصر المزايدة... هذه ليست شكوى الحكام وحدهم، وحين بدأت حبال الخديعة تنقطع اشتدت رياح المذهبية. أخطر ما يُعِدّه غير العرب للعرب في كل مكان، هو مصادرة مسيرة الإصلاحات في بقعة ما، وتفتيتها في بقعة أخرى، بتفتيت الكيانات. أسوأ الفصول اللعب بنار المذهبية، فيما عرّاب النصائح والجمهورية «الفاضلة» يتناسى أن النار إذا استعرت لا تخمدها الصواريخ ولا الثورة الأبدية التي لم تُصِبْ شظاياها إلا العرب وحقوقهم في قضاياهم. لا يمكن المنطقة تجاهل الإصلاح، لكنه حتماً ليس الذي يتلطى وراءه التدمير الشامل للأوطان بذريعة هدم الأنظمة... ودائماً لمصلحة جمعية «الراشدين» في ديموقراطياتهم غرباً، وفي عزتهم شرقاً، بدماء كل الشهداء العرب. أما التهديد الملتبس بمصير صدام، فالأرجح انه لم يعد يجدي إيران في تخويف أي من الجيران، وكل ما انتصرت به ثورتها في عهد نجاد حتى الآن هو عداوة «ناعمة» مع واشنطن، و «أخوّة» ملغومة مع المنطقة، تقرّب ساعة المواجهة بين طهران ودول الخليج.