عندما تسلل معمر القذافي لٍواذاً من بلدة جهنم في سيرت ليحكم ليبيا على مدى أكثر من 42 عاماً ليصطلي شعبه بنار جهنميته الحارقة وشررها المتطاير، والمحروم من الأمن والاستقرار والرفاهية طوال العقود الأربعة الماضية المشوبة بالقَتَامة والسواد. المشهد الليبي الراهن يؤكد بأن ليل الظالمين شارف على الأفول والزوال، إنها الظاهرة الصحية التي تبرزها الشعوب وتعلنها للملأ صارخة مدويةً، حتى وإن كان هبوبها في موعد متأخر، إلا أنها بوابات الطوارئ المعلنة للخروج والمشرعة للجميع التي تلامس نهارات الحرية والحياة تحت مظلة الشرعية والصدقية! «لا للاستبداد» شعار فطري يرفعه المكلومون والمقهورون علناً مهما كانت تبعاته! لا أنسى أن الإعلام الليبي يواجه ضغوطاً ولا يستطيع أحد أن يتنفس الصعداء إلا في شكل معارضة صريحة في هويتها، في ظل العقيد الأسطورة! منها ما طالعتهُ وربما قرأه الكثيرون عن المواطنة الليبية «غيداء التواتي»، الصحافية الليبية المعارضة التي هددت بحرق نفسها في الساحة الخضراء في قلب طرابلس بسبب مطاردة أجهزة الأمن لها ومضايقتها لأنها محتجة على النظام المتطاول في حجب الخير والعافية عنها وعن مثيلاتها من أبناء وطنها وبناته، ما حدا بها لنشر أمرها على صفحتها في «الفيسبوك»، مطالبةً بوضع حد لتلك التجاوزات وإلا لن تتردد في حرق نفسها في قلب طرابلس، مثلما فعل محمد البوعزيزي في «سيدي بوزيد»! بعد 42 عاماً من استيلاء القذافي على الحكم، يأتي في السياق أنه سيورث الحكم لأبنائه، منهم سيف الإسلام القذافي، ليواصل المسيرة من بعده! وها هو الابن القائد يسير على حذو والده، عندما وجه تحذيره من «حمّام دم» ستشهده ليبيا في حال لم تتوقف حركة الاحتجاج المطالبة بإسقاط نظام العقيد، وفعلاً أسفرت المواجهة بالرصاص الحي والطيران العسكري عن مقتل عدد كبير من المدنيين المتظاهرين العزّل من آلات قوات الأمن الليبية ضد ما وصفته بأنه «أوكار التخريب»، وفي سياق الحراك الليبي انضم مسؤولون حاليون وسابقون إلى صفوف الشعب الثائر، فيما أعلن طياران حربيان ليبيان فرّا من ليبيا إلى مالطا لرفضهما تنفيذ أوامر القذافي بإطلاق النار على المتظاهرين، أي جبروت هذا؟! كنا في عهد الطفولة نردد هنا في بيوتاتنا وحاراتنا أنشودة تقول «يا عمر يا معمّر عمّر الله شبابك... النجوم والثريا يلعبون تحت بابك... جئت ألعب معاهم... نبشّتني كلابك»، أما الآن فنقول «يا معمّر استحي واخشوشن وارحل فإن شعبك لا يريدك، وخذ من جملك ما يعرش وأودعه حيثما شئت في جنيف سويسرا أو في البنك والمصرف الذي يحلو لك ليقيك ما تبقى لك، ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد». [email protected]