أقرأ كتاب د. غازي القصيبي - رحمه الله - (الوزير المرافق) وأتأمل في الفصل البديع الذي كتبه عن العقيد القذافي وأنا أتابع ما تتمكن من بثه الفضائيات ومواقع النت عما يدور في ليبيا اليوم من ثورة على قائد الثورة!!! لوكان بيننا القصيبي اليوم لما كتب ولما تأمل أكثر مما أبدع خلال التقائه بالعقيد قبل واحد وعشرين عاماً وتحديداً عام 1980م حين زار ليبيا برفقة جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله - في الزيارة الرسمية الأولى بعد الثورة. لاحظ القصيبي في ذلك العام أي 1980م (افتقار العقيد إلى الشعبية بين الجماهير، المفروض في زعيم ثوري شاب مثله أن يثير الكثير من الحماسة ولو بين فئات معينة من الشعب إلا أنني لم أر ما يدل على ذلك، في كل مكان نذهب إليه كنا نرى مجموعة المطار: الشعارات نفسها والوجوه نفسها، قطعنا في صحبة العقيد مئات الكيلومترات ولم نجد أية جموع أو جماهير) واليوم وأنت لا تملك أن تخفي ابتسامتك الممزوجة بشفقة وأن ترى العقيد يخرج تارة من السراديب وتارة من أعلى البنايات يهدد ويتوعد الجرذان ويردد أنه ليس رئيسا حتى يستقيل فهو ملهم الجماهير وقائد الثورة.. وكأنما القصيبي بيننا اليوم حيث يورد حديثاً طريفاً دار بين جلالة الملك خالد -رحمه الله- وبين القائد الثائر هذا نصه: (الملك خالد يقول للعقيد: - يا فخامة الرئيس هل الحكومة الآن في بنغازي؟ يرد العقيد: - الحكومة؟ ليست لدينا حكومة، لقد ألغينا الحكومة والحكم الآن للجماهير عن طريق المؤتمرات واللجان. - والوزراء؟ هل هم هنا؟ - الوزراء؟ ليس لدينا وزراء، لقد ألغينا الوزارات، لا توجد الآن سوى أمانات منبثقة من المؤتمرات الشعبية. - وأنت؟ أين تتواجد هذه الأيام. أنت و(خوياك)؟ - في بنغازي. - إذن فالحكومة في بنغازي! لماذا لم تقل لي هذا من البداية؟!) الشعب الذي وقف للغزاة الطليان وخرج من بينهم مناضل عظيم مثل عمر المختاركيف صبر على جنون معمر القذافي في أربعين سنة بينما اكتشف ذلك الجنون زائر لبضعة أيام قبل نحو عشرين سنة؟.. ختم القصيبي حديثه عن العقيد بكلمة بليغة أظنها تناسب كثيراً الفصل الأخير من المسرحية الدامية التي تتم آخر فصولها في طرابلس هذه الأيام.. (عندما تحركت الطائرة نظرت إلى العقيد من النافذة وكان يقف ببذلته شامخاً معتداً بنفسه وبثورته وبنظريته. شعرت بشيء يشبه الشفقة. ربما لأنني أحسست أنه كان بإمكان العقيد أن يكون رجلاً عظيماً!) القصيبي - كتاب الوزير المرافق ص138. أيها العقيد كلنا اليوم نشفق عليك لقد كان بإمكانك أن تكون رجلاً عظيماً لكنك اخترت أن تكون رجلاً قاتلاً لشعبه اخترت أن تكون رجلاً مثيراً للضحك الممزوج بالحزن.. لا نستطيع أن نقول عنك إلا أنك رجل لا يستحق أن يقود شعباً كان من بينه عمر المختار.