على رغم محاولة اسرائيل اظهار التطورات التي تشهدها الدول العربية كخطر كبير على امنها، والتي وصلت الى حد مطالبة وزير الدفاع ايهود باراك، الادارة الاميركية بدعم جيشه بعشرين بليون دولار بذريعة ضرورة استعداده لمواجهة الابعاد الامنية الخطيرة المتوقعة، الا ان القلق الاسرائيلي من الابعاد الاقتصادية لهذه التطورات لا يقل عن القلق الامني. ويبحث البعض في وضع استراتيجية اقتصادية جديدة في مركزها خلق سياسة اقتصادية «تنكرية» لاسرائيل في العالم العربي لضمان المحافظة على ما حققته من مشاريع اقتصادية وارباح خلال السنوات العشر الاخيرة على الاقل. والقلق الاسرائيلي لا يقتصر على خطر مستقبل اتفاقية السلام مع مصر والاردن وتأثير ذلك على المشاريع الاقتصادية بين الاطراف، فهناك خوف كبير من دول عربية لا تقيم علاقات سلام مع اسرائيل لكن هناك علاقات تجارية سرية وحيوية معها. وبحسب غيل فيلر، مدير شركة اينفوفورد للمعلومات التجارية عن العالم العربي فإن «الإسرائيليين يديرون علاقات تجارية خفية أو تنكرية من خلال أطراف ثالثة في غالبية الدول العربية يبلغ حجمها حوالى 300 أو 400 مليون دولار، إضافة إلى التجارة الرسمية من الغاز المصري التي تبلغ نحو 900 مليون دولار». وبحسب تقرير اعده ما يسمى ب «المشروع الاسرائيلي» فإن ما يحصل على ارض الواقع لا يطبق ما يشمله حتى القانون الاسرائيلي، الذي يمنع الإسرائيليين من إقامة علاقات تجارية في دول العدو في سورية ولبنان والسعودية واليمن وإيران، باستثناء تصدير تفاح الجولان وبيع معدات أمنية وتكنولوجية في العراق في إطار التراخيص الحكومية الخاصة، على حد ما جاء في التقرير الذي اضاف ان هناك علاقات تجارية سرية مع الكثير من الدول العربية. بموجب المعطيات الاسرائيلية فإن علاقات تجارية مع تونس ما زالت مستمرة وبهدوء. وقد بلغت قيمة التصدير الاسرائيلي من المواد الكيماوية ومعدات الاتصال في السنة الماضية الى تونس نحو مليون دولار، ومن الاستيراد، وعلى الأخص من الزيوت، نحو مليوني دولار. اما في المغرب، فوفق معهد التصدير، بلغت قيمة الصادرات الاسرائيلية السنة الماضية الى المغرب ما قيمته حوالى 4.13 مليون دولار، بخاصة المواد الكيماوية والآلات وبلغت قيمة الواردات من اقمشة وغذاء، حوالى 5.1 مليون دولار. اما في مصر والاردن، فإن شركات اسرائيلية تمتلك عشرات مصانع النسيج وهذه تشكل مصدر ربح كبير للاسرائيليين بسبب الايدي العاملة العربية الرخيصة في القاهرة وإربد. ومراجعة سريعة لحجم الصادرات الاسرائيلية للدولتين تعكس دوافع القلق الاسرائيلي في اعقاب التطورات التي تشهدها المنطقة. فبحسب معطيات معهد التصدير في اسرائيل بلغت قيمة الصادرات الى مصر، السنة الماضية، من مواد كيماوية وبلاستيك ومنتجات نسيج وآلات ومعدات تكنولوجية حوالى 147 مليون دولار، مرتفعة بنسبة 10 في المئة عن عام 2009. اما معطيات اتحاد رجال الصناعة فتشير الى ان قيمة الاستيراد من مصر لحجارة الكسارات وأقمشة وزجاج ومواد غذائية قد بلغت السنة الماضية حوالى 355 مليون دولار، أي بارتفاع 31 في المئة مقارنة مع العام 2009. والاهم بالنسبة لاسرائيل، لدى اي حديث عن علاقات اقتصادية، هو الغاز الطبيعي الذي تشتريه من مصر فهذا وحده تصل قيمته الى نصف بليون دولار سنوياً. أما بالنسبة للاردن فإن الوضع يختلف في ما يتعلق بالصادرات. فقد شهدت السنة الماضية انخفاضاً بنسبة عشرين في المئة حيث لم تتجاوز قيمة الصادرات الى الاردن 184 مليون دولار. وبحسب ابحاث اسرائيلية فإن الاردنيين الذين اعتادوا على اقتناء الألماس والمجوهرات من اسرائيل بملايين الدولارات انتقلوا عام 2010 الى دبي لشراء الاسهم في بورصة المجوهرات. اما الاستيراد من الاردن، وبخاصة الفوسفور ومنتجات البلاستيك، فقد بلغت قيمته حوالى 94 مليون دولار، أي بارتفاع بلغت نسبته 34 في المئة. الغاز الطبيعي خسارة كبيرة ان الحفاظ على الجسر الاقتصادي مع مصر هو هدف ثمين. وقد أعرب الكثير من رجال الاعمال في إسرائيل عن قلقهم من تطورات قد تضر في المصالح الاقتصادية الثنائية والتي توفر الفرصة للجهتين المصرية والاسرائيلية للمعيشة والعمل الازدهار. وفي اسرائيل ثمة خلافات حول مستقبل اتفاقية الغاز مع مصر، ما بين متخوف من صعود قوى سياسية واسلامية ترفض الالتزام بالاتفاقية وتقرر وقف مد اسرائيل بالغاز الطبيعي، وبين مقتنعين بأن ما تجبيه مصر من هذه الاتفاقية سيدفعها الى التمسك بها. ويقدر خبراء اسرائيليون ان قيمة الخسارة التي ستلحق بمصر في حال توقف الغاز ستصل إلى 4 بلايين دولار، بخاصة أنه يوجد اتفاق تجارة حرة مشترك بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة. وبيَّن الخبراء أن هذا الأمر سيمس سلباً بالمساعدات الأميركية لمصر، لذلك فإن احتمال توقف إمداد إسرائيل بالغاز يبقى غير وارد لأنه يضر بمصالح البلدين. وعلى رغم الاعلان المصري عن اعادة ضخ الغاز الى اسرائيل من جديد، فإن الاسرائيليين غير مطمئنين وباشروا في انجاز بدائل عن الغاز المصري. وأول الاقتراحات استخدام الغاز الفلسطيني. فقد كانت اسرائيل اكتشفت الغاز الطبيعي بكميات تجارية في عمق البحر المتوسط مقابل شواطئ غزة. ولكنها أوقفت العمل منذ سيطرة حركة حماس على الحكم في قطاع غزة. وقد طلبت الرباعية الدولية من اسرائيل اعادة العمل هناك، في اطار تشجيع منظمة التحرير الفلسطينية على العودة الى المفاوضات. وفتحت بذلك آفاق استخراج الغاز الفلسطيني وطلب بيعه لاسرائيل بديلاً عن الغاز المصري. وفي موازاة الجهود لاستخدام الغاز الفلسطيني تكثف جهات حكومية اسرائيلية جهودها لسن قانون يضمن التعجيل في تجهيز بئري الغاز، «لفيتان» و «تمار» لما توفره البئران من ارباح تصل قيمتها الى ستمئة بليون دولار. ومن جهة اخرى تستبق اسرائيل بقانونها هذا اي قرار دولي يتجاوب مع المطلب اللبناني بمنع اسرائيل من استخدام بئر الغاز «لفيتان» لوجودها خارج مياهها الاقليمية. والمعروف ان هذه البئر تقع على بعد مئة وأربعين كيلومتراً شمال غربي مدينة حيفا وفيها أربعمئة وثلاثة وخمسون متراً مكعباً من الغاز. وتدعي اسرائيل ان البئر تقع داخل مياهها الاقليمية وتؤكد على حقها في استخدام ثرواتها. يشار الى ان اتفاقية الغاز بين مصر واسرائيل وقعت عام 2005 عبر شركة غاز شرق المتوسط المصرية EMG وشركة الكهرباء الإسرائيلية. وتنظم هذه الاتفاقية شراء الغاز المصري من قبل شركة الكهرباء الإسرائيلية بقيمة 2.5 بليون دولار مدة 25 سنة. وكانت مصر قد أوقفت ضخ الغاز لاسرائيل في أعقاب الانفجار الذي وقع في أنبوب الغاز في العريش في بداية اعمال الاحتجاج والتظاهرات التي شهدتها القاهرة. وفي حينه اعتبر الاسرائيليون القرار غير موجه ضدهم اذ تبين لهم من خلال اتصالاتهم مع المصريين ان الانفجار وقع في الأنبوب الذي يوصل الغاز المصري الى الأردن، وليس اسرائيل وان مصر أوقفت ضخ الغاز ليس فقط الى اسرائيل بل الى الأردن وسورية ولبنان وان هذا الاجراء طبيعي جداً.