تواصل إسرائيل جهودها لاستئناف ضخ الغاز المصري إليها، في محاولة لتسوية الخلافات التجارية بين الشركات المعنية، إلا أنها قررت في الوقت ذاته البحث عن مصادر أخرى وعدم انتظار تسوية القضية وفق الأجندة المصرية، إذ ترى ان القاهرة تفضل عدم استئناف الضخ على رغم الخسائر المادية الفادحة. وباشرت إسرائيل العمل على تأمين بدائل أخرى تسد لها حاجتها من الغاز، وبات الإسرائيليون يتحدثون عن تصدير الغاز خلال خمس سنوات إلى مصر والسلطة الفلسطينية والأردن ودول أخرى. ومع ان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اعتبر قرار مصر تجميد اتفاق تصدير الغاز إلى إسرائيل نتيجة لخلاف تجاري بين شركتين، وتوقع ان تقتصر تداعياته على المجال الاقتصادي، يرى معظم الإسرائيليين الذين يتعاطون الموضوع، أنه قرار ذو أبعاد سياسية وإستراتيجية أيضاً. ورأى خبراء ان لا مجال لتقدير الخسائر الاقتصادية التي ستلحق بإسرائيل، على الأقل خلال سنة، إلا ان حسابات أولية تُظهر أنها ستتجاوز 10 بلايين شيكل (2.6 بليون دولار)، في حين أعلن المدير التنفيذي لوزارة المال دورين كوهين، أن الأضرار لا تقتصر على تكاليف الغاز فحسب، إنما تشمل الأضرار البيئية المتوقع ان تلحق بإسرائيل والناجمة عن استخدام الديزل والبنزين بدلاً من الغاز، مقدراً الخسائر الإجمالية بثلاثة بلايين دولار. قفزة في أسعار الكهرباء ويتوقّع خبراء ان يؤدي القرار إلى تغيير استراتيجيات توليد الطاقة خلال عقود، إذ تلقي الحكومة بأعباء ارتفاع التكاليف على كاهل المستهلكين. ويُتوقَّع ان تكون الخسائر فادحة، وأن تعقبها موجة احتجاجات كبيرة، في حين رفعت شركة الكهرباء أسعارها ويتوقَّع استمرار ذلك. وأعلنت الشركة أنها ستكون مضطرة إلى تخصيص ستة بلايين شيكل لتسديد تكاليف بدائل الغاز المصري، ما سيرفع ديونها إلى أكثر من 70 بليون شيكل، ما سيضطرها إلى رفع أسعارها 25 في المئة، وذلك سيستمر حتى نيسان (أبريل) 2013، أي الموعد الأقرب لبدء تفعيل آبار الغاز الإسرائيلية. وتأثرت سوق أوراق المال أيضاً بالقرار، وتراجعت البورصة نحو 1.5 في المئة، إلى جانب تأثيرات أزمة الديون الأوروبية والانتخابات الفرنسية على الوضع في إسرائيل، إذ إن أوروبا تُعتبر أكبر سوق لإسرائيل في الاستيراد والتصدير، ما قد يسبب أزمة حقيقية للبورصة خلال الأيام المقبلة، كما توقع خبراء. ويخشى الإسرائيليون من ان يكون قرار وقف تصدير الغاز خطوة تمهيدية تنتهي بضرب اتفاق السلام بين البلدين، على رغم ان السبب المعلن لوقف التصدير كان عدم الإيفاء بالمبالغ المطلوبة وتراكم الديون المستحقة للجانب المصري، إلا ان إسرائيل ومنذ عزل الرئيس حسني مبارك العام الماضي، بدأت البحث عن بدائل، فالغاز المصري يسد نحو 40 في المئة من حاجة الدولة العبرية إلى الغاز الطبيعي، ومع غياب هذه الكمية قد تجد إسرائيل ذاتها في أزمة حقيقية في مجالات الغاز والكهرباء والصناعات الثقيلة. بدائل ولا إجماع ولاستدراك الوضع، يعمل الإسرائيليون على تأمين البديل في اقرب وقت ممكن، والذي يتمثل في حقل الغاز «تامار» في البحر المتوسط والذي يبدأ الإنتاج في نيسان 2013، بينما لن يبدأ الحقل الثاني «ليفاياثان»، الذي اكتشف أخيراً، الإنتاج قبل عام 2017. وعلى رغم تأكيد إسرائيل أنها لن تقبل بالتنازل عن حقلي الغاز «ليفاياثان» و «تامار»، في أعقاب اعتراض لبنان لتقاطعهما مع مياهه الاقتصادية، فإنها لا تكتفي بهذين البديلين، بل اتخذت إجراءات فورية، منها الإسراع في أعمال بناء مرفأ لاستيراد الغاز الطبيعي، كما طلبت من شركات التنقيب تسريع أعمال الحفر في حقول اصغر يمكن استغلالها بسهولة. وتعتزم إسرائيل اللجوء إلى «الحل اللبناني» المتمثل باستيراد أسطول مولدات للكهرباء متنقلة لتفادي انقطاع الكهرباء. ولم تتضمن السيناريوهات التي طُرحت في إسرائيل في التقديرات المالية لهذه السنة في ما خص أسعار الكهرباء والمواد الخام التي تنتج منها، إمكان استيراد الغاز من مصر، ورأى مسؤولون في وزارة المال ان هناك مشكلات كبيرة مع الغاز المصري وأن الحديث يدور عن مصدر بعيد من المصداقية، و»عليه لم يُشمل الغاز المصري»، كما أعلن مسؤول في وزارة المال. أما نتنياهو ووزير المال يوفال شتاينيتس، فيضعان ملف تأمين الغاز الطبيعي على رأس أولوياتهما، واتفقا مع رئيس شركة «نوفل إنرجي» تشاك دافيدسون على العمل بوتيرة عالية لضمان ضخ الغاز من الآبار الإسرائيلية حتى نهاية السنة. خسائر صناديق التقاعد وسيؤثر قرار وقف الغاز المصري على المستثمرين في الشركة التي تزوّد إسرائيل بالغاز، وستتكبد شركة «أمبال» الخسارة الأكبر، فهي مشاركة باسهم قيمتها 300 مليون دولار، كما ستتضرّر كل من «منورا» و «هرئيل» المساهمتان ب 100 مليون دولار، ما سينعكس على صناديق التقاعد التي تقدَّر خسائرها المتوقعة ب 150 مليون دولار. وفي محاولة للتخفيف من هذه الأضرار، اتخذت شركة «أمبال» وغيرها من الشركات المستثمرة إجراءات قضائية دولية ضد الشركة المزودة للحصول على تعويضات من «الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية» (إيغاز)، كما اتخذت إجراءات قضائية ضد الحكومة المصرية في أعقاب التفجيرات التي وقعت في سيناء وأدت إلى انقطاع الغاز عن إسرائيل. وكان المساهمون الإسرائيليون في «شركة غاز شرق المتوسط» قرروا طلب تعويض من الحكومة المصرية يصل إلى ثمانية ملايين دولار عن أضرار وقف إمدادات الغاز الطبيعي بسبب تفجير خط أنابيب النقل في سيناء. وفي أيلول (سبتمبر) الماضي توجهت شركة «أمبال» إلى مكتب التجارة الدولية للتحكيم مع طلب تعويضات كبيرة من الحكومة المصرية وشركة «إي إم جي»، ومع القرار الأخير بوقف تزويد إسرائيل بالغاز، أعلنت شركة «أمبال» ان شركة «إي إم جي» تحتجز 12.5 في المئة من نسبة الشركة في الغاز، وأنها بصدد التخطيط لإجراءات قانونية ضد الحكومة والمؤسسات المصرية. وأعلن مدير عام شركة «أمبال» يوسي ميمان، ان شركته تسعى إلى الحفاظ على استثماراتها المباشرة التي ساهمت بها في شركة «إي إم جي»، وستبدأ وشركة الكهرباء الإسرائيلية إجراءاتها القانونية لدى غرفة التجارة الدولية ضد «الهيئة العامة المصرية للبترول» و «إيغاز». وشركة «إي إم جي» مدينة ب 56 مليون دولار لتوفير كميات من الغاز خلال العام الماضي، في الوقت الذي كانت تتعطل فيه إمدادات الغاز بسبب الانفجارات في سيناء. ويُعد الغاز الطبيعي المصدر الأفضل لتوليد الطاقة في إسرائيل، فهو الأرخص بين المصادر والأفضل في الطاقة الحرارية المنتجة. وأظهرت حسابات إسرائيلية أولية ان تحويل إنتاج الطاقة إلى الفحم سيكلف ضعف الكمية من الفحم أو 20 في المئة زيادة في الكمية المطلوبة من البترول، ما يبرر التخطيط المستقبلي الإسرائيلي لزيادة الاعتماد على الغاز، إذ تشير التوقعات الصادرة عن الهيئة القومية للغاز ووزارة البنية التحتية إلى زيادة الاعتماد على الغاز في العقدين المقبلين 400 في المئة إلى 16.8 بليون متر مكعب سنوياً عام 2030، في مقابل 5.3 بليون عام 2010، مع ثبات الاعتماد على الفحم وانخفاض أو الاعتماد على الديزل والبترول كمصادر لتوليد الكهرباء.