في الوقت الذي تدور معركة حامية داخل اسرائيل حول ملف التنقيب عن الغاز في عرض البحر الأبيض المتوسط، تدور معركة أخرى على نار هادئة بين إسرائيل ولبنان، وبين اسرائيل ودول عدة أخرى في المنطقة مثل سورية وتركيا واليونان وقبرص حول حدود وحقوق استخراج الغاز الطبيعي والنفط، وذلك في أعقاب الإعلان عن اكتشاف حوضين كبيرين في البحر الأبيض المتوسط، تدعي اسرائيل انهما يقعان داخل مياهها الاقتصادية. فلبنان يطرح قضية الحقوق في هذه الحقول في مختلف المحافل الدولية، وتوجه الى الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مطالباً بالتدخل لمنع اسرائيل من التصرف بالثروات الطبيعية التابعة له. وإضافة الى لبنان هناك اعتراض تركي، بدعوى ان لدى تركيا مصالح في «قبرص التركية» وأن لهذه «الدولة الصغيرة ولكن المستقلة، حقوقاً في حقول الغاز والنفط». وتتهم اليونان واسرائيل بالتفاهم في ما بينهما من وراء ظهرها. وسورية ترى ان لها هي أيضاً حصة في الآبار، لأنها تمتد في عمق البحر الى الشمال. وكانت مصر قد أعربت عن انزعاجها من الاتفاق الإسرائيلي - القبرصي حول الموضوع. وتحدثت أوساط عدة في اسرائيل عن خطر نشوب حرب كبيرة في المنطقة على خلفية الموقف المعادي لإسرائيل من الأصل. ولكن جهات أخرى فيها تبحث في كيفية ان يتحول هذا الملف الى جسر تفاهم مع لبنان بالترويج الى ان قضية كهذه لا يمكن حلها الا بالتفاهم بين البلدين، على رغم أن الأصوات التي تحذّر من ان يؤدي هذا الملف الى توتر جديد يزيد من سرعة إشعال بقية جبهات الخلاف والتهديدات التي سبق وأطلقها وزير البنى التحتية، عوزي لانداو، باستخدام القوة للسيطرة على حقول الغاز، شرق البحر المتوسط، في حال حاولت جهات دولية اخرى في المنطقة الحصول عليها بتأكيده أن المطالب اللبنانية عارية من الصحة وبأن اسرائيل تدرك كيف تدافع عن مصالحها. اما الوزير يوسي بيلد، الذي يتولى ملف لبنان في الحكومة الإسرائيلية، فقد سبق وحذّر من ان يتحول احتدام الخلاف بين لبنان واسرائيل حول الموضوع الى صراع حقيقي مع لبنان حول آبار الغاز المكتشفة. بيلد في حينه قال بكل وضوح ان على اسرائيل التسريع في استخراج الغاز الطبيعي، وإلا «ستتدفق الأموال الطائلة الى لبنان وسيتحول قسم منها الى العمليات الإرهابية ضد اسرائيل». في مقابل هذه الأصوات تنطلق اصوات اكثر هدوءاً تجد في هذه القضية فرصة لتحقيق مكسب سياسي، وان يكون الغاز الطبيعي نافذة لبدء حوار سياسي بين اسرائيل ودول المنطقة، خصوصاً لبنان. ويرفض هؤلاء اعتبار حفرياتهم في عرض البحر سرقة للغاز اللبناني ويقولون انه لو كان هناك اتفاق سلام مع لبنان لكان هناك وضوح في تقاسم الحدود ولكانت المشكلة محلولة. فهكذا فعلت اسرائيل وقبرص في الشهر الماضي عندما وقّعتا على اتفاق لتقاسم المياه الاقتصادية، وهكذا حصل في اتفاقيتي السلام بين اسرائيل ومصر والأردن. روبي سيفل، المحاضر في القانون الدولي يقول ان التفاهم حول موضوع كهذا لا يتم الا بجلوس ممثلي الدول التي تربطها حدود بحرية إلى طاولة واحدة وإجراء مفاوضات بينهم. ويضيف: «لكل دولة، وفق القانون الدولي، الحق في استغلال النفط في عمق البحر داخل حدودها الإقليمية وكذلك ما يتعداها من قضايا اقتصادية. لكن السؤال الى اي عمق وما هي الحدود؟ القاعدة تقول، وفق سيفل، انه يمكن استغلال مخزون النفط على بعد مئتي ميل عن الشاطئ. ولكن اذا وجدت دولة محاذية تشاركها الحدود، وفي حالة اسرائيل تدخل قبرص ولبنان في هذا الإطار، يؤخذ خط الوسط بينهما. السؤال كيف يمكن مواصلة الخط الحدودي من الساحل الى داخل البحر؟ بحسب سيفل فإن الرد على هذا السؤال لا يكون إلّا بأن تجد اسرائيل ولبنان الطرق لتسوية الأمر بطرق سلمية. ويقول إن اسرائيل رتّبت حدودها البحرية مع الأردن في خليج العقبة ولن تكون مشكلة كبرى في التغييرات التي يمكن ان تنتج عن هذا التغيير. ولكن في أعقاب التوجه الى الأممالمتحدة، لا يستبعد اسرائيليون ان ينتقل النزاع بين لبنان واسرائيل الى التحكيم الدولي او حتى الى محكمة دولية. ويقول سيفل: «دول كثيرة توجهت بمثل هذا النزاع الى تحكيم دولي او الى محاكم دولية. والمشكلة هنا ان لبنان يعتبر نفسه في حالة حرب مع اسرائيل ولا يعترف بها، ولن يكون أمامه سوى إيجاد طريقة للتوصل الى تسوية معها. فحتى التحكيم الدولي يحتاج الى اتفاق بين الطرفين. اسرائيل تؤجل المعركة وكانت اسرائيل قد اكتشفت خلال السنة الماضية بئرين ضخمين للغاز الطبيعي، أصغرهما وأسمته «تمار» يقع على بعد 100 كيلومتر من مياهها الإقليمية، وهو في اطار ما يعرف بالمياه الاقتصادية التي يحق للدول استغلال ثرواتها. ويقع على خط عرض يصل الى شاطئ مدينة الخضيرة جنوب حيفا وفيه حوالى 250 مليار متر مكعب والثاني وهو الأكبر وأسمته «لفتيان» وتعني الحوت، ويقع على بعد مئة وأربعين كيلومتراً شمال غربي مدينة حيفا. وفيه أربعمئة وثلاثة وخمسون متراً مكعباً من الغاز. اسرائيل حاولت ضمان مكسب لأرباح آبار الغاز الطبيعي بتوصلها الى اتفاق مع قبرص حول ترسيم حدودها المائية ما يعني تقاسم الغاز الموجود في المنطقة البحرية لحدود الدولتين وترفض ما أسمته «الادعاءات اللبنانية» في حقوق لبنانية في آبار الغاز في المنطقة البحرية. وتدافع عن موقفها بالزعم ان الحسابات الدولية الجديدة للمياه الاقتصادية لم تعد تعتمد الخط المستقيم بل الخط المائل ووفق هذه الحسابات وقّعت اتفاقيات السلام بين اسرائيل ومصر وبين اسرائيل والأردن وكذلك اتفاقية السلام التركية - السورية اذ رسمت الحدود بين كل دولتين وفق طريقة الخط المائل. وحديث اسرائيل عن الخط المائل يأتي ضمن محاولاتها لإحباط الجهود اللبنانية وغيرها من الدول المحيطة التي ترى ان لها الحق في الحصول على الغاز الطبيعي والأهم بالنسبة لإسرائيل ضمان السيطرة على بئر لفتيان والحصول على ثرواته المالية التي يتوقع الإسرائيليون أن تنعش الاقتصاد الإسرائيلي سنوات طويلة. وبموجب مسار الخط المائل فإن ليفتيان يقع في تخوم المياه الاقتصادية الإسرائيلية. اما في حسابات رسم الحدود وفق الخط المستقيم في عرض البحر فيكون الغاز الطبيعي عند نقطة تقع بين مدينتي صور وصيدا اللبنانيتين... اي انه ضمن الحدود اللبنانية ولا يحق لإسرائيل التصرف به. هذه المعارك تؤجلها اسرائيل اليوم لانشغالها في نقاشات داخلية صاخبة حول قانون الضرائب على أرباح شركات الغاز والنفط. فالحكومة تنوي رفع الضرائب بعد اكتشاف بئري الغاز في عرض البحر والشركات تعترض وتقول انها صرفت مئات ملايين الدولارات حتى الآن لكي تستخرج الغاز ولن تقبل ان تنهب الحكومة أرباحها. وفي هذا الجانب هناك من يتهم أطرافاً اسرائيلية بمحاولة عرقلة جهود حفر الآبار لمواصلة كسب الأرباح من صفقة الغاز الموقعة بين مصر واسرائيل. وكان نير جلعاد، الرئيس التنفيذى لشركة «اسرائيل مسخيت»، قد أعلن ان الشركة اتفقت على شراء شحنة غاز طبيعي مصري ضخمة من شركة غاز شرق المتوسط المصرية بقيمة تصل الى حوالى 460 مليون دولار حتى شهر آذار ( مارس) عام 2030. ويضاف هذا الاتفاق الى اتفاق تم توقيعه في عام 2008 مع مجموعة شركات «كونسورتيوم يام تاتيس» الإسرائيلية - الأميركية لشراء 2 مليار متر مكعب من الغاز المصري حتى عام 2015، لافتة إلى أنه تم ربط مصانع كيماويات إسرائيل بشبكة توزيع الغاز في عام 2009. وتعتبر هذه الصفقة الأكبر بين الجانبين المصري والإسرائيلي وبموجبها ستشتري اسرائيل 1.8 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي الذي تنتجه شركة شرق المتوسط المصرية لمدة 20 سنة بقيمة 4.3 مليار دولار، ليتم استخدامه لتشغيل محطة كهرباء كبيرة ستبنى في مستوطنة «سدوم» بجنوب إسرائيل في صحراء النقب.