تحفّظ محللون ماليون على حديث وزير المالية السعودي عن استثماراته الشخصية في سوق الأسهم المحلية خلال تصريحات صحافية له قبل أيام، مؤكدين أنها قد تؤخذ على غير سياقها الذي أراده الوزير لها وهو تطمين المتداولين على أوضاع السوق المالية وجاذبية أسعار الشركات المدرجة فيها. وشدّدوا في حديث إلى «الحياة» على الآثار الإيجابية التي تركتها تصريحات العساف على سوق الأسهم، إذ ساعدت في إعادة الثقة للمتداولين في سوقهم، وأسهمت في ارتداد المؤشر وتقليص خسائره، مطالبين في الوقت ذاته بضرورة وجود «أب روحي» للسوق يخرجها من الأزمات مثلما فعل وزير المالية، ويفعل وزير النفط السعودي من حين إلى آخر في السوق النفطية. وكان وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف، أكد في تصريحات صحافية نشرت الأحد الماضي، أن رد فعل الأسواق في المنطقة وبخاصة السوق السعودية كانت لعوامل غير اقتصادية، لافتاً إلى أن السعودية مرّت في الماضي بمشكلات أكبر من المشكلات الحالية ومن ذلك حرب الخليج وخرجت منها بشكل أقوى، ما يدل على متانة الاقتصاد السعودي. وفي تعليق على هذه التصريحات، تحفّظ المحلل المالي فضل البوعينين على حديث وزير المالية عن استثماره الشخصي في السوق، وقال: «إذا كان من مأخذ على تصريح الوزير فهو حديثه الشخصي عندما ذكر أنه استثمر بجزء من مدخراته الشخصية في سوق الأسهم، هنا تأتي المشكلة، والتساؤل هنا هو هل كان تصريح الوزير في هذا الأمر مطلوباً أو غير مطلوب، بالنظر إلى أن المتداولين لا ينظرون إلى العساف على أنه شخص عادي، بل وزير يمثل الدولة في وزارة المالية، وبذلك شفافيته في ما يتعلّق باستثمارات صندوق معاشات التقاعد هو ما كان المتداولون في انتظاره، أما ما يتعلّق باستثماراته فلا شأن لهم به، بل على العكس من ذلك». وذكر البوعينين أن الهدف من تصريح العسّاف الشخصي هو التأكيد على استقرار الاقتصاد السعودي وجاذبية سوق الأسهم السعودية في هذه الفترة، الأمر الذي دفعه إلى استثمار جزء من أمواله الخاصة، غير أن مثل هذا التأكيد قد لا يدركه سوى المتعقلين، بينما هناك فئة قد تأخذه على محمل آخر، وقد يبدأ المتربصون تأويل مثل هذه التصريحات. وتابع: «يجب أن يفصل المسؤولون بين حق الدولة وبين ما هو من حقوقهم الشخصية، التي يفترض ألا تظهر في مثل هذه المواقف... لم أشاهد مسؤولاً في العالم يتحدث عن استثماراته ويحدد وقتها وموقعها، على رغم أن هدف وزيرنا هو طمأنة المتداولين وإعادة الاستقرار المفقود في السوق، وقصده إجمالاً الخير للجميع، إلا إذا أُخذ التصريح على غير سياقه، هنا تحدث الكارثة». ولفت إلى أن السوق السعودية تحتاج إلى «أب روحي» يكون مرجعاً للمستثمرين في حال حدوث أي أزمة، ولا بد من وجود مسؤولين معنيين من ضمنهم وزير المالية يخرجون في أوقات معيّنة لطمأنة المستثمرين، مستشهداً بتجربة وزارة البترول، إذ يخرج الوزير النعيمي في أوقات معيّنة لطمأنة الأسواق العالمية وتهدئتها وإعادة الاستقرار إليها. وأشار البوعينين إلى أن خروج الوزير كان موجهاً لدعم السوق في المقام الأول، وهو دعم رسمي تمّ من خلاله تطمين المجتمع على الأوضاع المالية للمملكة، وأن الاقتصاد السعودي متين ويستطيع مواجهة أي تداعيات مستشهداً بحرب الخليج، وركّز على الجانب النفسي وتطمين المتداولين، وهو دور يفترض أن تكون هناك جهة تقوم به كل ما حدث مكروه للسوق. وشدّد البوعينين على أنه في أوقات الظروف يظهر مروّجو الإشاعات في السوق، بغرض تحقيق مكاسب غير مشروعة، ولذا فإن ظهور مسؤول للتطمين ودحض هذه الإشاعات مهم بدرجة كبيرة في هذه الأوقات. وطالب باستمرار منهج الشفافية لدى صناديق الدولة المستثمرة في سوق الأسهم، وألا تنغلق هذه الصناديق الحكومية على نفسها، بل لا بد من خروج معلومات منها تفيد السوق وتعزز من استقرارها، نظراً إلى أن كل صندوق يعتمد على الشفافية والوضوح سيحقق أهدافه الوطنية والاستثمارية، وسيبني الثقة بينه وبين المجتمع. وزاد: «صندوق التوازن سيحمي المتداولين ويحمي في الوقت نفسه الاستثمارات الحكومية في السوق، خصوصاً إذا ما علمنا أن استثمارات الحكومة تشكّل نحو 60 في المئة من كل شركة قيادية في السوق». ووافقه الرأي المحلل المالي تركي فدعق، الذي أكد ضرورة تطبيق سياسة وزير البترول السعودي في تهدئته لأسواق النفط العالمية بين فينة وأخرى، بالنظر إلى أنه في هذه الأوقات من المهم خروج مسؤول حكومي معني بالسوق يطمئن المستثمرين ويعطي إشارات عن استقرار السوق وجاذبية الاستثمار فيها. وأضاف: «تصريح الوزير العساف كان لتطمين المتداولين خصوصاً أنه يترأس جهازاً حكومياً مهماً للاقتصاد، كما أن حديثه عن استثماراته الشخصية لم يتعارض بتاتاً مع أي لوائح أو أنظمة للسوق». على الصعيد ذاته، أكد الأكاديمي الاقتصادي بجامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة أن تصريحات الوزير كانت إيجابية للسوق وأعادت لها التوازن، إذ قامت الصناديق الحكومية أيضاً بالشراء، ولاحظ الجميع ارتفاعاً كبيراً في السيولة المالية، إذ وصل حجم التداول بعد تصريحاته إلى 6 بلايين ريال، مستبعداً أن يكون حديث الوزير عن استثماره الشخصي مخالفة لأي أنظمة في السوق.