يبدو أن تجارة المخدرات لا تكف عن ابتكار وسائلها في الانتشار غير الشرعي، بهدف الوصول إلى مريديها. إذ لوحِظ أن شبكة الانترنت باتت من الدروب «الخفيّة» لتلك التجارة المسمومة. ولا يقتصر الأمر على استخدام الشبكة في عمليتي البيع والعرض، بل يشمل شراء المهربين التقنية الإلكترونية لتسخيرها في أعمال التهريب. وأقدمت بعض عصابات الكوكايين في كولومبيا في غير مرّة، على شراء مواقع إلكترونية رائجة، خصوصاً تلك التي تعمل في التجارة الإلكترونية. ففي تلك الأحوال، يصنع رواج الأعمال المشروعة ما يشبه سحابة دخان تُسهّل عمليات بيع المُخدّرات عبر ال «ويب». وينطبق وصف مماثل على شراء تلك العصابات عناوين معيّنة في البريد الإلكتروني، خصوصاً عندما يكون صاحبه من الأسماء الشائعة في «غرف الدردشة» والمنتديات الإلكترونية، بسبب صلاحيتها في البحث عن زبائن محتملين للسموم المُخدّرة. وفي نفسٍ مُشابه، يعمد محترفو التهريب إلى إضافة وصلات إلكترونية خفيّة تُدسّ في عناوين مواقع لها جمهور واسع وتحظى بإعلانات كثيرة. وتمكّن هذه الطُرُق من إيصال زبائن السموم المُخدّرة الى مواقع عصابات التهريب، من دون إثارة الشكوك حول هذا النوع من النشاط الإلكتروني. كما تُسهل نسج شبكة من التجار والعملاء عبر الانترنت، من دون لفت الأنظار إلى طبيعة نشاطاتها غير المشروعة. وفي أحيان كثيرة، استطاعت عصابات الكوكايين في كولومبيا مثلاً، تأسيس مواقع تتخذ شكل مقدّم لخدمة الانترنت «إنترتنت سيرفس بروفايدر» Internet Service Provider، فيجرى الترويج والاتصال بمشتري المخدرات ومتعاطيها، بصورة «سلسة» لا تثير شكوكاً حولها. تشريع أميركي وتساهل أوروبي منذ مدة ليست بالقصيرة، لاحظ المجتمع الدولي دخول المُخدّرات عالم الإنترنت، كما انطلقت جهود لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية. إذ أشارت «لجنة البلدان الأميركية لمكافحة تعاطي المُخدّرات»، وهي تابعة ل «منظمة الدول الأميركية»، في أحد تقاريرها الاستراتيجية، إلى أن شبكة الإنترنت باتت مستخدمة أكثر من الوسائط الأخرى في زيادة إنتاج المُخدّرات المُصنّعة واتساع رقعتها، وأن الجماعات الإجرامية المنظّمة تستخدم العولمة والاتصالات الفوريّة والتحويلات الماليّة الالكترونيّة في تحسين كفاءة نشاطات الإتجار بالمُخدّرات. وفي الاتجاه عينه، أشار تقرير صدر عن ال «إنتربول» في الآونة الأخيرة، إلى وجود قرابة 900 مليون متعاطٍ للمُخدّرات، معظمهم في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية، يستخدمون شبكة الانترنت في الحصول على المُخدّرات. وأشار أحد التقارير الدوريّة التي يصدرها «المجلس الدولي لمكافحة المُخدّرات» إلى أن تعاطي مُخدّر القنّب (يسمى «الحشيشة» و «الماريجوانا» أيضاً) سجّل ارتفاعاً كبيراً بسبب نشر مجموعة كبيرة من المواقع الالكترونية معلومات تتعلق بكيفية زراعته في المنازل. وأورد التقرير عينه أن بذور هذا المُخدّر واللوازم المستخدمة في زراعته منزلياً، تُباع بكثافة عبر شبكة من مواقع إلكترونية متخصّصة. ماذا يكون موقف هذه الجهات بعد أن أعلنت ولايات أميركية جديدة أنها تسمح بتداول الماريجوانا، إضافة الى ما هو معروف عن الموقف المتساهل للدول الإسكندينافية في هذا الخصوص؟ مجرد سؤال.