يتوجه الأكراد في إقليم كردستان إلى صناديق الاقتراع اليوم للاستفتاء على الانفصال عن العراق، وسط مخاوف من اضطرابات أمنية في أعقاب تحذيرات متتالية من دول الجوار التي تعارض ذلك بشدة، ولقاء قائد الحرس الثوري الإيراني قادة «الحشد الشعبي» في سهل نينوى، وتحذير واشنطن رعاياها من «اضطرابات محتملة»، ووسط انقسام داخلي بين السليمانية التي يسيطر عليها حزب «الاتحاد الوطني» بزعامة الرئيس السابق جلال طالباني، والحزب «الديموقراطي» بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني. وسادت حالة من الترقب والحذر من نشوب نزاع في محافظة كركوك، بعد دعوات من قادة في حزب طالباني إلى عدم شمول المحافظة بالتصويت وصدور بيانات متضاربة حول اتفاق مع حزب بارزاني إلى التراجع عن هذه الخطوة الانفصالية تحت الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي، في موازاة فشل وفد كردي إجراء جولة جديدة من المشاورات في بغداد، وعدم لقائه رئيس الوزراء حيدر العبادي، فيما تمسك «التحالف الوطني» بدعوته إلى تأجيل الاستفتاء شرطاً للدخول في مفاوضات. واتفق قادة الحزبين الكرديين «الاتحاد الإسلامي» وحزب بارزاني، خلال اجتماع عقد في أربيل أمس، على إجراء الاستفتاء في كركوك، وقال القيادي في «الديموقراطي» هيمن هورامي، عقب الاجتماع: «سنمضي في الاستفتاء غداً (اليوم) في كل مناطق الإقليم بما فيها كركوك»، وفي رد فعل جديد أعلنت إيران «وقف رحلات الطيران من وإلى الإقليم بناء على طلب عراقي». وأعلنت الحكومة الكردية الاثنين (اليوم) عطلة رسمية مع بدء مفوضية الانتخابات إجراءاتها العملية لتوزيع صناديق الاقتراع على المراكز الانتخابية في المدن والبلدات، وفي محافظة كركوك ومناطق متنازع عليها مع بغداد. وشهدت محافظة ديالى تظاهرة شارك فيها المئات من سكانها العرب احتجاجاً على شمول المحافظة بالتصويت، وذكرت المفوضية أن عملية الاستفتاء في الخارج منذ يومين «شهدت إقبالاً كبيراً، وأدى الضغط الحاصل على الرابط الإلكتروني إلى مشكلات فنية». وقال مصدر كردي أن «قوات البيشمركة أغلقت الطريق بين أربيل والموصل أمام المارة باستثناء المخولين بكتاب رسمي، كإجراء وقائي لتأمين عملية التصويت». وأعلن أعضاء «المجلس الأعلى للاستفتاء» في مؤتمر صحافي أمس، «مشروع ضمانة حقوق القوميات والأقليات والطوائف في دولة كردستان المستقبلية». وأكدوا أنها «ستكون دولة مدنية فيديرالية تحفظ حقوق الجميع، وستعتمد اللغات الكردية والعربية والتركمانية والسريانية والأرمنية، في إطار نظام فيديرالي تتمكن فيه الأقليات من إدارة مناطقها فضلاً عن إشراكها في المناصب الحكومية وقوات البيشمركة، وسيتم تنظيم العلم الكردي بقانون ليمثل الجميع، على أن تقدم هذه الوثيقة إلى البرلمان للمصادقة عليها». وشهدت كركوك توتراً ومخاوف من اندلاع مواجهات مسلحة، إثر تدخل قوة أمنية تابعة لحزب طالباني لمنع توزيع صناديق الاقتراع على مراكز التصويت. وأكدت مصادر محلية وقوع اشتباك بين قوتين مسلحتين تابعتين للحزب، وأفادت بوصول مسلحين إلى مركز المدينة يتبعون لجناحين في الحزب. جاء ذلك عقب إعلان مركز تنظيمات الحزب في المحافظة أن «الوقت غير مناسب لإجراء الاستفتاء، إلا أن المحافظ القيادي في الحزب نجم الدين كريم رفض القرار وأكد تمسكه بعملية التصويت. وخاطبت القيادية في «الاتحاد» آلا طالباني سكان كركوك وقضاء طوز خورماتو، فقالت إن «قرار تأجيل الاستفتاء جاء بسبب مخاوف من تعرضكم للخطر، وفي حال أي تطور أمني وسياسي سنكون مستعدين للدفاع عن هذه المناطق». ونقلت وسائل إعلام محلية عن «مصادر مطلعة» قولها، إن «قائد فيلق القدسالإيراني قاسم سليماني عقد أمس اجتماعاً في سهل نينوى مع قادة في الحشد الشعبي، بعد اجتماعه مع قادة في حزب طالباني في كركوك، وأخرى أجراها في أربيل للحيلولة دون إجراء الاستفتاء». وفي مؤشر إلى خطورة الموقف، حذرت السفارة الأميركية في بغداد رعاياها من «اضطرابات محتملة في حال إجراء الاستفتاء». وأضافت أنها «ستحد تحركات الأفراد كإجراء وقائي»، ودعت مواطنيها إلى «تجنب السفر إلى الأقاليم المتنازع عليها». وجدد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء حيدر العبادي رفض بلاده الاستفتاء ومواصلة «دعمها الكامل للحكومة وكل خطواتها الرامية إلى حفظ وحدة العراق»، فيما شدد العبادي على «رفضه الاستفتاء واتخاذ كل الخطوات القانونية اللازمة لمنع تعرض الأمن والسلم المجتمعيين ووحدة البلاد للخطر». وصعّدت بغداد لهجتها ضد الإصرار الكردي، وأعلن وزير الخارجية إبراهيم الجعفري في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن «التجارب التاريخية أثبتت أن مرحلة ما بعد الحرب تشكل تحدياً يحتم علينا إعادة الاستقرار، والعراق يقف على أعتاب مرحلة جديدة»، مؤكداً «عدم إخضاع الإرادة العراقية للإرادة الأجنبية، كما لا يمكن قبول القرارات اللادستورية من حكومة إقليم كردستان». وحذرت وزارة النفط العراقية في بيان، «كل الأطراف والجهات التي تحاول استغلال الظروف الاستثنائية في الإقليم، والانجرار للسيطرة على مقدرات وثروة الشعب العراقي والعبث بها أو التدخل في شؤون الشركات النفطية، خصوصاً في كركوك». وأكدت رفضها «التدخل في عملها أو وضع اليد على أي مرفق من مرافقها، وإبعاد القطاع النفطي عن الصراعات السياسية أو استخدام الثروة الوطنية كإحدى وسائل الضغط والمساومة على حساب الثوابت الوطنية». وتعالت في بغداد الأصوات المطالبة بإقالة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم وأصحاب المناصب الحكومية والعسكرية الأكراد في حال المضي في عملية الاستفتاء. ودعا النائب عن محافظة نينوى أحمد الجربا «أبناء المناطق المتنازع عليها إلى المكوث في منازلهم ومقاطعة الاستفتاء الباطل». ووصف نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، خلال لقائه السفير المصري علاء موسى، الاستفتاء بأنه «مؤامرة أعقبت ما حصل في جنوب السودان»، وحذر من «خطوات مستقبلية تهدد دولاً عربية أخرى». وأعلن رئيس هيئة قوات «الحشد الشعبي» مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، أن «الاستفتاء عمل استفزازي وكسر للأطر التاريخية بين العرب والأكراد، والحكومة الاتحادية ستؤدي مسؤوليتها التي كفلها الدستور لحماية الأراضي العراقية وعدم تقسيمها». وحذر من أن «ذلك سيكلف الجهات الراعية ثمناً باهظاً، وعليه يجب الحوار قبل الاستفتاء وليس بعد التنفيذ». واعتبرت حركة «عصائب أهل الحق» المنضوية في الحشد، أن المشروع الكردي «خطير لا تدعمه سوى إسرائيل، ويهدف إلى تقسيم البلاد، ما يهدد الأمن الوطني وينذر بتصعيد قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه».