يُنهي عدد من التلامذة دوامهم المدرسي ويتوجهون برفقة ذويهم إلى مركز «التربية الخاصة والخدمات المساندة» المخصص لذوي الصعوبات التعلّمية في مدينة جونية (شمال بيروت)، حيث يساعدهم اختصاصيون في تخطّي الصعوبات التي يواجهونها تمهيداً لإعادة دمجهم في الصفوف العادية ومتابعة المناهج الدراسية كزملائهم. ويعاني حوالى 15 في المئة من تلامذة لبنان، البالغ عددهم حوالى مليون تلميذ، من صعوبات تعلّمية، وفق ما تشير إحصاءات لجمعيات لبنانية تعنى بهؤلاء. ولا يعني وجود هذه الصعوبات التي تتضمّن صعوبات النطق، الحفظ، الحساب، إمساك القلم...، أنهم غير قادرين على متابعة تحصيلهم العلمي، إذ إن كثراً منهم يتمتعون بنسبة عالية من الذكاء وقدرة على إكمال المراحل الدراسية كلها، إذا ما توافرت لهم البيئة التعليمية المناسبة. هذا الأمر دفع لميس حيدر مع أعضاء من دار المعلمين التابع لوزارة التربية والتعليم العالي في جونية إلى افتتاح قسم «التربية الخاصة والخدمات المساندة» المجاني لاستقبال تلامذة المدارس الرسمية من أجل مساعدتهم في «تخطّي صعوباتهم والحصول على حقهم في التعليم والوصول إلى المراكز العالية، وبالتالي العمل والاندماج في المجتمع في شكل طبيعي لاحقاً». واستغلّت حيدر وجودها كمديرة لدار الرياضة في دار المعلمين في عام 2014 لإنشاء هذا القسم التابع للمركز التربوي للبحوث والإنماء، بدعم من «أصحاب الخير» الذين تبرّعوا لتجهيزه بأحدث الوسائل التقنية اللازمة لاستقبال التلامذة الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و18 سنة. ويخضع التلميذ بداية عند وصوله إلى تقويم من جانب فريق من اختصاصيين في علم النفس، التقويم التربوي، تقويم النطق والعلاج الحسي- الحركي، للتأكّد من أن الصعوبات التعلّمية التي يعاني منها لا تعود إلى مشكلات تتطلّب تحويله إلى مؤسسات أخرى خاصة لمعالجته، كالأطفال الذين يعانون من التوحّد مثلاً أو ضعف السمع أو البصر(...)، وعند تشخيص الصعوبة يتلقّى التلميذ متابعة فرديّة في المركز عبر برامج خاصة بالتنسيق مع أهله وأساتذته ومدرسته. واستقبل هذا المركز منذ افتتاحه أكثر من 500 تلميذ من مناطق لبنانية مختلفة، كما أن الاختصاصيين فيه يجرون دورات لأساتذة المدارس لتوجيههم على كيفية كشف حالات الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلّم وطريقة التعامل معهم. ازدياد الوعي يُلاحظ في لبنان أخيراً ازدياد نسبة المراكز التي تُعنى بالتلامذة الذين يعانون من صعوبات تعلّمية، إضافة إلى أن مدارس خاصة ورسمية عدة افتتحت صفوف دعم خاصة بهذه الحالات، إن كان بالتعاون مع وزارة التربية أو في شكل مستقل. ثانوية «خالد بن الوليد» التابعة لجمعية المقاصد الإسلامية واحدة من هذه المؤسسات التعليمية التي قررت قبل 6 أعوام افتتاح صفوف خاصة بهذه الفئة ضمن الدوام المدرسي، بعدما لاحظت أن لديها تلامذة كثراً يعانون من صعوبات معينة، فخصصت بداية الصفوف للتلامذة المنتسبين إليها، وبدأت لاحقاً تستقبل تلامذة جدداً يعانون من هذه المشكلة. وتقول منسّقة قسم التلامذة ذوي صعوبات التعلّم في المدرسة منال بنات إن «المدرّسين يولون عناية خاصة بهؤلاء إن كان داخل الصف ذاته أو في الصفوف المخصصة لهم»، موضحة أن هناك صفوفاً لمختلف الفئات العمرية من الروضات حتى الثالث ثانوي. وتلفت بنات إلى أن الوعي والاهتمام بهؤلاء نتيجة طبيعية للانفتاح الكبير على مختلف المستويات في العالم وازدياد الاهتمام بالمجال التعليمي، فضلاً عن المؤتمرات والإعلانات التوعوية التي تلعب دوراً كبيراً في هذا المجال. «كانوا يقولون إن هذا الطفل كسول وغير قادر على الاستيعاب، كانت هناك قلّة إدراك إن كان من جانب الأهل أو المدرّسين. أما اليوم، فاختلف الوضع كثيراً». بدورها، تعتبر حيدر أن «تلامذة كثراً خسروا مستقبلهم التعليمي سابقاً وتركوا المدارس بسبب معاناتهم من صعوبات تعلّمية لم يشخّصها أحد. اليوم أصبح الأهل أكثر تفهّماً لمشكلة طفلهم وأصبحوا يتعاملون معها بعقلانية وبعيداً من التوتر والضغط». وتضيف: «سنة تلو أخرى يزداد حرص الأهالي على تعليم أبنائهم وإيصالهم إلى أعلى المستويات مهما كانت حالتهم. كثر كانوا يخجلون من الاعتراف بأن ابنهم يعاني من مشكلة تعلّمية، أما اليوم فلا يترددون أبداً في إحضاره إلى مركز متخصص، ونلاحظ ذلك من خلال ازدياد الإقبال على مركزنا»، موضحة أن «الوعي زاد عند الأهالي كما عند الأساتذة والمدارس، فهناك مدارس كثيرة تحيل إلينا تلامذة يعانون من صعوبات تعلّم بمجرّد ملاحظتهم المشكلة». كذلك زاد اهتمام الدولة في شكل ملحوظ بهؤلاء، فهناك جمعيات كثيرة تعمل بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم العالي لمساعدة الأطفال المتأخرين في دروسهم ودعمهم، كما تعطى دورات تدريبية للأساتذة في المدارس الرسمية والخاصة في المواد المتخصصة بالتعامل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلّم. وقد خصص يوم 22 نيسان (أبريل) من كل عام يوماً وطنياً للتلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية في لبنان لتسليط الضوء على هذه الفئة. عوائق مرهقة على رغم أن غالبية النتائج تكون جيّدة ومعظم التلاميذ يحققون تقدّماً كبيراً وبعضهم يتجاوب مع العلاج ويتغلّب على مشكلته، إلّا أنّ الكلفة الباهظة لا تزال عائقاً أمام كثيرين وأهاليهم. فقد تصل كلفة الساعة في بعض المراكز الخاصة إلى 80 دولاراً، وفق حيدر، وبعض التلاميذ يحتاجون إلى أكثر من ساعة في الأسبوع «فماذا يفعل الوالدان في هذه الحالة؟ بالتأكيد الكلفة العالية تحدّ من مساعدة هؤلاء الأطفال وتساهم في تهميشهم». وتوضح بنات أن «الأقساط للتلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية تتضاعف في المدارس الخاصة، ذلك لأن هؤلاء يخضعون لبرنامج تعليمي خاص، وهذا بالتأكيد عائق أمام عدد كبير من الأهالي»، لكنها تلفت إلى أن «المدارس الرسمية بدأت تخصص مساحات في برنامجها الدراسي لهؤلاء الأطفال، وهناك تقدّم ملحوظ في هذا الأمر». وعلى رغم أن هؤلاء التلاميذ يدرسون المنهاج عينه وإن كانت موادهم مخففة، ويخضعون لامتحانات رسمية خاصة، فلا يزالون يعاملون ضمن مرسوم المعوّقين. وتطالب جهات تربوية عدة بأن يكون هناك مرسوم يعنى بالتلامذة ذوي الصعوبات التعلّمية من أجل تطوير المناهج لتتناسب مع حالاتهم التي تختلف عن نظرائهم المعوّقين.