أكد رئيس المحكمة الخاصة بلبنان القاضي أنطونيو كاسيزي ان المحكمة تدرك ادراكاً تاماً أن «تصديق قرارات الاتهام ونشرها قد تترتب عليهما آثار جسام في لبنان. وهذا أمر متوقع»، فيما اعتبر رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية (حزب الله) محمد رعد ان المحكمة «صنيعة مصالح دولية تجاوزت ارادة مصالح اللبنانيين ومؤسساتهم الدستورية»، مشدداً على أنها «مسيّسة ولا تلتزم بأعلى معايير العدالة». ولمّح كاسيزي الى ان قرار الاتهام الذي تقدم به بلمار قبل أسابيع سيستغرق المزيد من الوقت لدراسته وبالتالي سيتأخر التصديق عليه. وجاء كلام كاسيزي في التقرير السنوي الذي سلمه قبل أيام الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن السنة الثانية (الماضية) من عمل المحكمة عرض فيه لانجازاتها، وعما لم تتمكن من تحقيقه وما تأمله خلال العام الثالث من عمرها، في وقت يتصاعد السجال في بيروت حول الأنباء عن عدم تعاون 4 وزراء مع طلبات مكتب المدعي العام فيها القاضي دانيال بلمار. وإذ اعتبر كاسيزي ان تقديم بلمار أول قرار اتهام الى قاضي الإجراءات التمهيدية «أمر في غاية الأهمية إذ يعد ايذاناً ببدء المرحلة القضائية من حياة المحكمة»، أعرب عن رغبته في «انجاز عمليات التحقيق وتقديم جميع قرارات الاتهام الى قاضي الاجراءات التمهيدية قبل نهاية شباط (فبراير) عام 2012». ومما جاء في تقرير كاسيزي الذي يقع في 42 صفحة، انه «على خلاف توقعاتنا وآمالنا العميقة، لم نتمكن من الشروع في المحاكمة بعد، إذ لم يتسلّم قاضي الإجراءات التمهيدية أي قرار اتهام حتى تاريخ 17 كانون الثاني (يناير) 2011، (يقصد القرار الاتهامي الأول الذي قدمه بلمار) أي 22 شهراً بعد بداية المحكمة. والى تاريخ تقديم هذا التقرير، لم يقم قاضي الإجراءات التمهيدية بتصديق القرار أو بردّه بعد، إذ انه في صدد دراسة دقيقة للمسائل القانونية التي يطرحها قرار الاتهام، اضافةً الى كمٍّ هائلٍ من المواد المؤيدة التي قدمها المدعي العام. وهي مهمة هائلة تتطلب من فريق صغير أن ينظر بعناية في قرار الاتهام وفي المواد المؤيدة له المكونة من آلاف الصفحات. وكان على الغرفة التمهيدية أيضاً أن تنظر في القرار الذي أصدرته غرفة الاستئناف مؤخراً. ويعني هذا الأمر من الناحية العملية ان النظر في قرار الاتهام قد يستغرق وقتاً أطول من الوقت الذي كنا نأمل أن يستغرقه في البداية، غير أن قاضي الإجراءات التمهيدية يعمل هو وفريقه بأسرع طريقة ممكنة مع الحرص على ضمان نزاهة وعدالة هذه العملية». وإذ أسهب كاسيزي في تعداد ما تحقق خلال السنة المنصرمة، على صعيد تعديل قواعد الإجراءات والإثبات وتعزيز دور مكتب الدفاع، اعتبر أن العناصر الجديدة في المحكمة من «شأنها أن تكون قدوة للمجتمع الدولي في مجال الإجراءات العادلة والسريعة». وتحدث كاسيزي عن سعيه الى «التعاون مع مختلف دول المنطقة، عبر اتفاق دولي بشأن التعاون القضائي، ولكن هذه الخطوة لم تحمل الثمار المرجوّة منها». وقال: «وأعربت دول عدة عن عدم استطاعتها ابرام اتفاقات رسمية لمواجهتها صعوبات محلية في المصادقة على أي معاهدة دولية وتنفيذها على وجه السرعة. عوضاً عن ذلك، عرضت هذه الدول أن تتعاون مع المحكمة بصورةٍ غير رسمية في كل قضيةٍ على حدة. وفي غياب قرارات ملزمة صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (بسبب الوضع القانوني الفريد للمحكمة)، لم يوضع أي إطار قانوني متين للتعاون مع الدول، إلا مع الدولة اللبنانية». وإذ أشار الى عدم التمكن من خفض كلفة المحكمة المالية قال إن «نتائج الاستثمار الذي قام به المجتمع الدولي ولبنان بدأت بالظهور ولا يمكن التخلي عنها على رغم الضغوط الممارسة في غير محلها». وتوقع دعوة جميع القضاة في المحكمة الى مقرها بصورة دائمة منتصف أيلول (سبتمبر) المقبل. وأضاف: «ليس سراً ان نقاشاً كبيراً ما زال موجوداً في لبنان وسواه بشأن جدوى المحكمة. ويجب علينا مع ذلك، باعتبارنا في مؤسسة قضائية دولية، وباعتبارنا قضاة مستقلين، الامتناع عن أخذ الاعتبارات السياسية في الحسبان. أما أولئك الذين ما زال يساورهم الكثير من الشكوك والمخاوف بشأن المحكمة، فإنهم لا يلتفتون الى الواقع الذي يشهد ان المحكمة قد قدمت حتى الآن دليلاً وافراً على روحها المهنية ونزاهتها واستقلاليتها. وقد يكفي التذكير بالاستقلالية التي أبدتها المحكمة إذ أمرت فوراً بإخلاء سبيل الضباط اللبنانيين الأربعة الذين كانوا محتجزين في سجن لبناني، نظراً لعدم كفاية الأدلة ضدهم، وأيدت سعي السيد جميل السيد الرامي الى أن يضع بين يدي المحكمة طلبه الخاص بالمستندات التي يود الاطلاع عليها». وأوضح أن «اتخاذ التدابير اللازمة لإعمال حقوق الإنسان على الصعيد الوطني هي مهمة النظام الدولي عندما تتعذر ممارسة حقوق الإنسان على الصعيد الوطني... وتم اللجوء الى المجتمع الدولي عندما تبينت استحالة المناداة بمبدأ المساءلة القضائية داخل المجتمع اللبناني رداً على تلك الجرائم البالغة القسوة والخسة التي ارتكبت في العامين 2004 و2005، من أجل اعادة الطمأنينة الى مجتمع ممزّق». ورد على منتقدي المحكمة بالقول ان المشكلات «تظل تتفاقم إذا ارتكبت جرائم عنيفة وخيمة العواقب على المجتمع برمته، ولم تتحرك العدالة لتثبت أن وجود مؤسسة عامة نزيهة يمكن أن يؤدي الى معاقبة المجرمين واستعادة الاحترام لمقتضيات القانون. وفي هذه الحالة، سيطلّ العنف من جديد عاجلاً أو آجلاً، ما يجعل ثنائية «السلام مقابل العدالة» الشائعة ثنائية باطلة. ويترتب على ذلك أن نشوب أي أعمال عنف بسبب اتخاذ اجراءات قضائية، لن يكون على أيدي أفراد حريصين كل الحرص على ترسيخ العدالة، بل على أيدي أفراد هم ضد العدالة والسلام». وكان «حزب الله» جدد أمس دعوته المسؤولين كافة الى عدم التعاون مع طلبات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمولجة ملاحقة الضالعين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري و22 آخرين، وطالب رعد بتجميد العمل بمذكرات التفاهم بين كل أجهزة المحكمة ولبنان الى حين تشكيل حكومة جديدة تبت بكل هذه الصيغ وتتخذ القرار المناسب في شأنها. (راجع ص 6 و7) وكان رعد يتحدث خلال مؤتمر صحافي أمس تناول فيه ردود الفعل على طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري من وزراء الداخلية زياد بارود، الأشغال غازي العريضي، الاتصالات شربل نحاس والطاقة جبران باسيل، التعاون مع المحكمة بعد أن رفضوا الاستجابة لطلبات مكتب المدعي العام القاضي دانيال بلمار. وفند رعد ما اعتبره مخالفات تنطوي عليها طلبات التحقيق الدولي لأنها «تتعارض مع قواعد الإجراءات والإثبات ومذكرة التفاهم بين لبنان والمحكمة، والتي تنص على التعاون في القضايا المتصلة بتفويض المحكمة أي بالأشخاص المسؤولين عن هجوم 14 شباط (فبراير) 2005». وفيما كانت مصادر مطلعة قالت إن بلمار طلب الحصول على بصمات ألف شخص من وزارة الداخلية، جدد النائب رعد القول إنه «طلب بصمات 4 ملايين لبناني بمن فيهم رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة والنواب والوزراء والنواب والوزراء والمراجع الدينية والعسكرية»، معتبراً ان هذه الطلبات «مشبوهة». وسأل رعد: «لماذا يصر مكتب المدعي العام على طلب بيانات البصمات وأسماء مالكي السيارات... بعد أن تقدم بقراره الاتهامي الى قاضي الإجراءات الاتهامية؟». وقال: «نعرف مدى ارتباط بعض فريق المدعي العام بأجهزة استخبارية دولية معادية للمقاومة... ومن يضمن عدم وصول هذه المعلومات الى أجهزة الأمن الإسرائيلية؟». وفي وقت ما زال الوسط السياسي اللبناني منشغلاً بتذليل العقد من أمام تشكيل الحكومة الجديدة التي أوضحت مصادر مواكبة انها تجري ببطء ومن دون استعجال، أعلن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز بعد لقائه الوزير بارود أمس ان أي حكومة «يجب أن تلاقي تطلعات جميع اللبنانيين وتحترم التزامات لبنان الدولية». وعلم أن وليامز أبلغ من التقاهم أن لا صحة للكلام عن نية اصدار قرار جديد من مجلس الأمن حول لبنان تحت الفصل السابع، وأن لا وجود لمحاولة من هذا النوع.