أسفرت جولة المفاوضات السورية السادسة في آستانة عن اتفاق روسيا وتركيا وإيران على استكمال إقامة مناطق خفض التوتر في سورية بعد تجاوز الخلافات حول «عقدة» إدلب، واعتبرت موسكو التطور «إنجازاً مهماً لدفع التسوية السياسية»، ولمحت إلى احتمال توسيع دائرة الأطراف المراقبة لوقف النار بضم فرق من الصين وأربعة بلدان عربية هي مصر والإمارات والعراق ولبنان. وتوجت النقاشات المكثفة التي أجريت خلال اليومين الماضيين، في الجلسات المفتوحة وعلى مستوى اللقاءات الثنائية بإعلان اتفاق على إقامة أربع مناطق لخفض التوتر في سورية، اشتمل على ترسيم حدود المناطق ووضع آليات للمراقبة والتفتيش ورصد الانتهاكات فيها. وكانت الأطراف الضامنة وقف النار أجلت في جولات آستانة السابقة الإعلان عن اتفاق شامل في هذا الشأن بهدف استكمال المناقشات حول المنطقة الرابعة في إدلب التي شكلت عقدة الحوار وأجلت أكثر من مرة في السابق إعلاناً رسمياً عن الاتفاق. وقادت جولات الحوار المكثفة التي أجراها الوفد الروسي مع الطرفين التركي والإيراني كل على حدة، ثم في إطار ثلاثي، إلى تذليل الخلافات العالقة، والاتفاق على آليات مراقبة مشتركة لوقف النار في إدلب. وقال المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرنتيف، إن الاتفاق يضمن تشكيل لجنة ثلاثية مشتركة. لافتاً إلى أن عدد المراقبين من روسيا وتركيا وإيران في منطقة ريف إدلب، قد يبلغ 1500 شخص، أي 500 مراقب من كل دولة. ووصف الديبلوماسي الروسي عدد المراقبين، بأنه «غير كبير»، متوقعاً أن ترسل روسيا إلى إدلب وحدات غير قتالية من الشرطة العسكرية. وأكد أن المناقشات حول توزيع قوات المراقبين في منطقة إدلب لخفض التصعيد، ما زالت مستمرة. وأضاف: «أما الآلية نفسها والأماكن المعينة لنشر المراقبين، فسيتم تحديدها بتوافق بين الدول الضامنة للهدنة في سياق تنفيذ الاتفاقات على الأرض». وكانت مصادر في المفاوضات قالت في وقت سابق، إن الجانب التركي سيتولى الإشراف على مناطق المعارضة بينما ستتولى إيرانوروسيا الإشراف على مناطق تحت سيطرة الحكومة. واعتبرت أن موسكو سعت إلى إقامة هذا التوازن بهدف تقليص اعتراضات المعارضة السورية وأطراف إقليمية على مشاركة إيران في عمليات المراقبة والرصد. وأشارت المصادر إلى أن منطقة وقف القتال في تل رفعت أقيمت على أساس اتفاق روسي- تركي، ولا تدخل في إطار مناطق خفض التوتر. وفي إيجاز صحافي في اختتام جولة المفاوضات اعتبر لافرينتيف، إن استكمال إقامة مناطق خفض التوتر، «يفتح الطريق للتوصل إلى وقف شامل للنار في سورية وبدء مرحلة جديدة لا سفك للدماء فيها». ووصف المفاوضات بأنها شكّلت «إنجازاً مهماً في جهود البحث عن صيغة للتسوية السورية». وشدد على أن الهدف المقبل «تعزيز وقف النار والسعي لاستعادة الاستقرار في سورية، والانتقال إلى مناقشة موضوعية حول تكثيف إجراءات بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، وعودة الجمهورية إلى الحياة السلمية». وقال إن موسكو وطهران وأنقرة بحثت مسألة إنشاء لجان للمصالحة الوطنية في سورية. وقال الديبلوماسي الروسي إن بلاده طرحت خلال المفاوضات مسألة مشاركة أطراف جديدة في عمليات مراقبة وقف النار في سورية، لافتاً إلى أن اللائحة المقترحة تضم الصين ولبنان ومصر والإمارات والعراق. لكنه استدرك بأن موسكو لم تتوصل مع إيران وتركيا إلى «قرار نهائي» في هذا الشأن، مشيراً إلى أنه في حال التوافق على توسيع لائحة البلدان المشاركة في العملية فإن الدعوات سوف توجه إليها عبر القنوات الديبلوماسية الكازاخية، باعتبار أن كازاخستان تستضيف جولات التفاوض في آستانة. وحول الخطوات الميدانية المقبلة قال لافرينتيف، إن موسكو تأمل في استكمال تحرير الرقة خلال شهور، وأعرب عن أمل في «انضمام المعارضة إلى هذا الجهد». ولفت المبعوث الروسي إلى أن جولة المفاوضات المقبلة في آستانة سوف تقوم عمل مناطق خفض التوتر، وإدخال التعديلات اللازمة على الاتفاق. وزاد أنها سوف تركز على ملفي نزع الألغام وإطلاق سراح المعتقلين. وكان ملف المعتقلين شكل نقطة خلافية قوية خلال المفاوضات، ما دفع إلى إعلان ترحيله إلى الجولة المقبلة. ورفضت موسكو في شكل غير مباشر عرضاً قدمته المعارضة، التي أعلنت أن معلوماتها تدل إلى وجود 250 ألف شخص في معتقلات النظام. وتضمن العرض تشكيل لجنة لفحص أوضاع السجون وتقديم تقرير إلى مفاوضات آستانة. لكن لافرينتيف دعا المعارضة إلى «عدم تقديم اقتراحات لا يمكن تنفيذها»، داعياً في الوقت ذاته، إلى «مواصلة جهود تسوية ملف المعتقلين». في تلك الأثناء، أشار رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري إلى أن «أهم نتيجة لمحادثات آستانة هي الاتفاق حول منطقة خفض التصعيد في إدلب». وزاد أن «الحكومة السورية تؤيد أي مبادرة من شأنها وقف الدماء في سورية». وشدد الجعفري على أنه «لا يوجد مكان في سورية لأحد، لكي يقيم قواعد عسكرية من دون موافقة وطلب من الحكومة السورية الشرعية». وقال أن حكومات الدول الضامنة هي الضامن لتنفيذ اتفاق مناطق تخفيف التوتر والبيان الختامي يؤكد التزام هذه الحكومات بوحدة أراضي سورية وسيادتها واستقلالها السياسي، لافتاً إلى أن البيان الختامي «يشكل امتحاناً لكل الجهات التي ما زالت تراهن على استخدام الإرهاب كسلاح سياسي للضغط على الحكومة السورية». وكان البيان الختامي لجولة المفاوضات نص على «الالتزام القوي باستقلال وسيادة ووحدة أراضي سورية»، وشدد على أن اتفاق مناطق تخفيف التوتر بما فيها إدلب سوف يستمر 6 أشهر قابلة للتمديد». وأشار البيان إلى تشكيل مركز تنسيق ثلاثي إيراني- روسي- تركي لتجنب وقوع حوادث في مناطق تخفيف التوتر. في المقابل، شدد المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات للمعارضة السورية يحيى العريضي على أن مسألة المعتقلين السوريين ما زالت من دون حل. وقال إنه «تمت مناقشة أمرين أساسيين في مفاوضات آستانة أولهما ضم إدلب لمناطق خفض التوتر، وثانيهما قضية المعتقلين الموجودين بعشرات الآلاف في سجون الحكومة السورية والتي تأتي على رأس الأولويات وهي مسألة تهم كل سوري». وشدد على أن عملية الفصل بين الإرهابيين والمعارضة السورية «أنجزت» و «لا مكان للحديث عن علاقة بين المسلحين في إدلب والجهات التي تندرج تحت مظلة الإرهابيين الذين باتوا هدفاً يجب محاربتهم، ولا يمكن أن نقيم منطقة خفض التوتر قبل إزالة أي إرهاب يهدد السوريين». وكانت الخارجية الكازاخية أشارت صباح أمس، إلى أن المشاركين في المفاوضات ناقشوا بالتفصيل الوثائق المتعلقة بمناطق خفض التوتر الأربع في سورية وعدد من الوثائق ذات الصلة. وأوضح حيدربك توماتوف مدير دائرة آسيا وأفريقيا في الخارجية أن محادثات معقدة ومكثفة جرت خلال اليومين الماضيين. وزاد أن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أكد أهمية عملية آستانة، ودعا إلى ضرورة مواصلتها. في غضون ذلك، أفاد بيان أصدرته الخارجية الروسية بأن الوزير سيرغي لافروف بحث مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون في اتصال هاتفي أمس آفاق تعاون البلدين في تسوية الأزمة السورية، مع التركيز على تثبيت مناطق خفض التوتر. وعلى رغم أن البيان لم يوضح تفاصيل الملفات التي ناقشها الوزيران في الشأن السوري، لكن مصادر في آستانة رجحت أن يعقد خبراء من الجانبين الروسي والأميركي اجتماعاً الأسبوع المقبل لبحث الوضع في دير الزور والتنف، وسط أنباء عن استعداد واشنطن لتسليم منطقة التنف للقوات السورية والروسية. وفي موسكو، أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين عقد اجتماعاً لمجلس الأمن القومي الروسي خُصِص جانب منه لمناقشة الوضع في سورية ونتائج جولة مفاوضات آستانة. وأعرب الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن ارتياح القيادة الروسية للاتفاق الذي تم التوصل إليه في آستانة. ولفت بيسكوف إلى أن الملف السوري كان محور بحث خلال اتصال هاتفي أجراه الرئيس الروسي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقال إن الرئيسين على تأييدهما لتقدم التسوية السياسية للأزمة السورية. وأفاد بيان أصدره الكرملين بأن الطرفين «أجريا تقويماً للوضع وتبادلا الآراء حول الوضع في سورية وشددا على ضرورة مواصلة الدعم المشترك للجهود المبذولة». وأعرب الرئيسان عن استعدادهما لتعزيز «التنسيق الروسي– الفرنسي»، بما في ذلك في إطار اتفاقيات جنيف برعاية الأممالمتحدة. وجدد ماكرون اقتراحه إنشاء مجموعة اتصال حول سورية بمشاركة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والدول الأخرى التي بإمكانها التأثير في تسوية الوضع. النقاط ال10 في البيان وفي ما يأتي النقاط العشر التي تضمنها البيان الصادر في اختتام المفاوضات: 1. إعلان إقامة مناطق خفض التوتر، وفقاً للمذكرة المؤرخة في 4 أيار (مايو) 2017، في الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سورية. 2. التأكيد على أن إقامة مناطق خفض التوتر إجراء موقت، ستكون مدة سريانه 6 أشهر في البداية، قابلة للتمديد تلقائياً بإجماع الدول الضامنة. 3. إقامة مناطق خفض التوتر لا تمس سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها. 4. نشر قوات لمراقبة خفض التوتر وفقاً للخرائط المتفق عليها في أنقرة في 8 أيلول (سبتمبر)، وبموجب شروط نشر هذه القوات التي وضعتها لجنة العمل المشتركة، في المنطقة الآمنة بإدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة لمنع وقوع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة. 5. تشكيل لجنة إيرانية- روسية- تركية مشتركة لتنسيق عمل قوات المراقبة. 6. العزم على مواصلة الحرب ضد «داعش» و «جبهة النصرة «وجماعات وكيانات أخرى مرتبطة ب «داعش» و «القاعدة» داخل مناطق خفض التوتر وخارجها. 7. ضرورة الاستفادة من مناطق خفض التوتر لتأمين إيصال سريع وآمن ومن دون إعاقة للمساعدات الإنسانية. 8. حض الأطراف ذات صفة المراقبين في عملية آستانة وغيرهم من أعضاء المجتمع الدولي على دعم عملية خفض التوتر وبسط الاستقرار في سورية، بما في ذلك عبر إرسال مساعدات إضافية للشعب السوري والمشاركة في عملية إعادة إعمار البلاد. 9. دعوة الأطراف المتنازعة، وممثلين عن المعارضة السورية والمجتمع المدني لاستغلال الظروف الملائمة الناشئة لتفعيل الحوار بين السوريين والدفع إلى الأمام بالعملية السياسية تحت الرعاية الأممية في جنيف وغيرها من المبادرات. 10. عقد الجولة المقبلة للمفاوضات حول سورية في آستانة أواخر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.