يصنف الناقد الأكاديمي صلاح فضل المادة الشعرية في كتابه «شعرية التوهج الحسي» الصادر حديثاً في القاهرة عن دار العين، بحسب الحواس التي تستمتع بها والمحاور التي تعتمد عليها، لا طبقاً لموضوعاتها التقليدية من مدح وهجاء ووصف وغزل... إنه إذاً يعتد بالحواس ومعطياتها، ويتتبع أقصى ما تبلغه من توهج في الشعر وصوره، بحس فني، يحتفل بالحياة، وينجح في التمثيل الجمالي المتقن لمظاهرها، في أبيات أو مقطوعات، تحتفظ بشعريتها النابضة على رغم مرور قرون طويلة عليها، من دون ان تفقد نضارتها ولا قدرتها على إثارة الإعجاب لدى القراء في جميع العصور. وهذا ما طبقه فضل من قبل على أساليب مبدعي الشعر العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، كخلاصة نظريات الشعرية المعاصرة، في كتابه «أساليب الشعرية المعاصرة». وفي تقديره أن هذا الطابع يغلب على الذاكرة العربية التخيلية في تشكيلها للصور وحفاوتها الشبقية بملذات الحياة، من دون ان يضعف بقية مجالاته المعرفية والوجدانية والصوفية التي تتوسل كثيراً بالحس وتوظف مجازاته وصوره، وإن ظلت أبعد عن الإدراك العام وأرقى من متناول الخيال المتداول الشائع. لكن الثراء الإدراكي والتوهج الحسي يظلان منبعاً خصباً لأبدع أشكال الجمال الحي في الشعرية العربية. «صلاح فضل» ناقد وأستاذ جامعي وعضو مجمع اللغة العربية في مصر، وعضو مجلس أمناء ومستشار مجموعة من الجوائز المصرية والعربية، صدر له أكثر من ثلاثين كتاباً نقدياً، وثمانية كتب مترجمة. نال جائزة الدول التقديرية في الآداب عام 2000. يقول فضل في تقديم الكتاب: «تصادف في السنوات الأخيرة ان التفت الى كتاب تراثي مدهش، صدر عن المجمع اللغوي في دمشق في أربعة أجزاء بعنوان طريف هو: «المحب والمحبوب والمشموم والمشروب»، وهو مختارات شعرية رائقة، جمعها ونسقها، واقتطعها من رياضها النضرة الشاعر العباسي السري الرفاء، المعاصر للمتنبي والمتوفى عام 362ه، وقد ألّفها طبقاً لمنظور حسي طريف، يصنّف المادة الشعرية لا طبقاً لموضوعاتها التقليدية من مدح وهجاء ووصف وغزل، وإنما بحسب الحواس التي تستمتع بها والمحاور التي تعتمد عليها، فهو يتحدث في الجزء الخاص بالمحبوب عن الجمال الأنثوي من قمة الرأس الى أخمص القدم، وفي الجزء الخاص بالمحب عن عواطفه ولواعجه وأوصافه الحسية والمعنوية، أما المشموم فهو أريج الطبيعة وألوان الزهور والرياحين (...). ويرى فضل ان الغايات التي استطاع ان يحققها من خلال مطارحاته التي استوحاها من الكتاب هي تصويب صورة الحياة في هذه العصور الباكرة، حيث لم تكن مثالية مفرطة، ولا مادية غليظة بقدر ما كانت تحفل بالحياة النابضة في تناقضاتها والبديعة في تمثيلاتها الجمالية التي احتفظت بها الذواكر وخلدتها الأجيال، وتجسيد التقنيات الفنية التصويرية التي عبّر بها الشعراء عن تجاربهم الحيوية، واكتسبوا قيمتهم الفنية بقدر ما برعوا فيها وأتقنوا أساليبها، وممارسة حرية القراءة بأقصى قدر ممكن من الفهم وحسن التذوق، ودعوة القراء للانخراط بدورهم في هذه التجربة الممتعة ومعايشتها بشكل شخصي.