بين نظرية «المؤامرة الخارجية» لإسقاط «نظام وطني» والمخاوف من وقوع البلاد في قبضة متطرفين إسلاميين، تراوحت تغطيات القنوات التلفزيونية الروسية للأحداث الدموية في ليبيا وقبلها «ثورة الشباب» في مصر أو في تونس. وكعادتها عند التعامل مع ملفات الشرق الأوسط، كثفت المحطات التي تسيطر الدولة على غالبيتها من استضافة «خبراء» و «محللين» ينظرون إلى كل تطور في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر منظار المصالح الإسرائيلية وحدها، فاتجهت التحليلات في أكثر الأحيان لتجيب على أسئلة في شأن كيف يؤثر كل ما يجري على الأمن الإسرائيلي، حتى أن إحدى المحطات البارزة قدمت تغطية خاصة تتحسر فيها لأن «دورة العنف في الشرق الأوسط تضع مستقبل الدولة العبرية في مهب الريح بسبب انتقال المتشددين والإرهابيين لممارسة نشاطهم ليس في أوروبا، بل في المنطقة المجاورة لإسرائيل». والغريب أن بين «الخبراء» الذين يغدون في مثل هذه الأحوال نجوم شبكات التلفزة الروسية عدداً لا يستهان به من «المستشرقين» الذين يدينون بغالبيتهم الساحقة بولاء أعمى لتل أبيب. هكذا سقطت التغطية التلفزيونية في روسيا بين مطبين، أحدهما يقوم على الحرص الزائد لإبراز الخطر المحدق بإسرائيل، والثاني على ضرورات نقل وجهة النظر الرسمية الروسية التي قامت منذ اليوم الأول للثورة في تونس على فكرة «التدخل الأجنبي»، واستمرت بترديد تلك الأسطوانة مع انتصار الثورة المصرية وانتقال حراك الشباب الى بلدان عربية أخرى. وتبدو نظرية «السيناريو الأميركي» الذي يحرك كل هذه التطورات محببة بالنسبة للتحليلات التي تبرزها شبكات التلفزة، التي لم يتردد بعضها في الإشارة إلى «هجمة أميركية للإطاحة بنظم وطنية». وأفرد بعض المحطات مساحات تعكس حال «الهمجية والفوضى» التي تحملها «الثورات»، خصوصاً مع عقد مقارنات أحياناً مع أحداث شهدتها روسيا في مطلع القرن مثل الثورة البولشفية التي تلتها حرب أهلية في مسعى لتوجيه أنظار المتلقي نحو «أمر بغيض»، كما قال مقدم إحدى النشرات على شبكة مهمة. كما لم تتردد غالبية القنوات التلفزيونية في تقديم توصيفات للمتظاهرين تحمل مضامين سلبية مثل نعتهم ب «المتمردين»، وتحول العنف الزائد من جانب الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد ذلك إلى «مواجهات بين أنصار الرئيس ومعارضيه»، وهي النغمة التي ما زالت تتردد بقوة على رغم الانتقادات الدولية الحازمة لاستخدام الجيش ضد المتظاهرين في ليبيا مثلاً. في هذه الأجواء كانت التغطية المهنية هي الغائب الأول الذي سقط في الامتحان، وفي حالات كثيرة لم تتحر المحطات الدقة في نقل أخبارها، فمثلاً ركزت إحدى المحطات المهمة على مدار يومين على خبر مفاده أن سيف الإسلام القذافي انتقل الى صفوف التمرد ضد والده! وفي حالة ثانية قالت إن أعمال الفوضى وصلت الى منشآت نووية ليبية! كما أكدت أن «المتمردين استولوا على مخازن الأسلحة». أما في أحسن الأحوال، فكان التركيز منصباً ليس على تطورات الوضع الميداني وأهمية الحدث الدائر، بل على آليات نقل الروس العالقين في «تلك الفوضى». وعلى مدار أربعة أيام خلال أعنف الأحداث في ليبيا، مثلاً، نقلت إحدى كبريات وكالات الأنباء التي تمتلك تغطية تلفزيونية أيضا، 44 خبراً عن ليبيا منها 42 عن آلية نقل بضع مئات من الروس من هذا البلد! والأمر ذاته كان حدث في مصر، فعلى رغم أن السياح الروس، وعددهم لا يستهان به، كانوا في منطقة شرم الشيخ الآمنة تماماً، لكن التغطيات الأساسية لم تتركز في «ميدان التحرير» بل في مسار طائرات وزارة الطوارئ التي كانت تهبط في شرم الشيخ لنقل الروس. واعتبر خبير تحدثت إليه «الحياة» أن سبب «الارتباك» في تغطية أحداث الشرق الأوسط يعود بالدرجة الأولى إلى ارتباك الموقف الروسي الرسمي ذاته في التعامل مع الحدث الكبير، واعتبر أن «الإعلام الموجه سقط مرة ثانية في اختبار المهنية».