تساءلت الأوساط السياسية عن غرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من وراء مطالبته السلطات المختصة بالتحقيق في أحداث عرسال عام 2014 وما تبعها في شأن التدابير حول خطف العسكريين على أيدي مسلحي «جبهة النصرة» و «داعش»، وإلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا التحقيق في ظل الحملات المتبادلة بين الفرقاء حول المسؤولية عن احتلال المجموعات الإرهابية البلدة وقتلها ضباطاً وجنوداً وخطفها عسكريين ثبت قتلهم. وفيما يخشى بعض الأوساط من أن يذهب هذا التحقيق إلى محاكمة سياسية لمرحلة من الخلافات بين فريقين عريضين، لكل منهما روايته ورؤيته ومقاربتها واتهاماته للآخر، بدلاً من أن تحدَّد المسؤوليات الفعلية، طرح أكثر من مصدر سياسي السؤال عما إذا كان هدف التحقيق الانتقام من قيادة الجيش السابقة لأسباب سياسية أيضاً. وترى مصادر سياسية أن التحقيق في ظروف جريمة قتل «داعش» للعسكريين خطوة مبدئية مهمة ليعرف أهاليهم الحقيقة ولإدانة القتلة، لكن الخشية هي من إدخال القضية في غياهب السياسة، فيجدد فريق اتهام آخر بأنه حال دون الهجوم على عرسال لتحرير العسكريين، فيرد فريق آخر بأن الخصم حال دون التفاوض مع الخاطفين لتحرير العسكريين، وفق محاضر مجلس الوزراء وخلية الأزمة الوزارية في حينها، في وقت كانت الأثمان أقل مما دفعه لبنان حالياً ومن تلك التي وافق عليها بإخلاء عناصر متهمة بالإرهاب من سجن رومية حين فاوض «حزب الله» الشهر الماضي على تحرير مقاتلين له لدى «النصرة» ثم على توفير القتال ومزيد من الخسائر في اتفاقه مع «داعش». ويعتبر مصدر نيابي مراقب أن مطالبة عون بالتحقيق جاءت بمثابة رد على دفاع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الضمني في كلمته الأربعاء الماضي، عن قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي (والرئيس تمام سلام) حين قال: «كفى مزايدة والحكومة الماضية هي نفسها الحكومة الماضية، وهل نسيتم الخوف من حصول فتنة مذهبية في عرسال؟». ويقول مصدر وزاري مقرب من الرئاسة اللبنانية ل «الحياة» إن الغرض الأول لعون من مطالبته بالتحقيق، ليس المساءلة السياسية للمسؤولين في تلك المرحلة، بل البحث عما إذا كانت هناك عوامل جرمية يعاقب عليها قانون العقوبات إذا تبين أن هناك عناصر كهذه، ولهذا السبب قال وزير العدل سليم جريصاتي إن هذه الخطوة انتشلت القضية من التراشق السياسي. ودعا المصدر إلى فهم خطوة عون في سياق إعلانه انتصار لبنان على الإرهاب، الذي أعاد الهيبة إلى الدولة ومؤسساتها وخصوصاً الجيش الذي يخضع للمساءلة والمحاسبة اللتين تتمان حتى لا يخفت وهج الانتصار الذي تحقق. وأضاف المصدر المعني بالخطوة: «كاد التراشق يمس بالاستقرار السياسي، من دون أن يهدد التسوية الكبرى القائمة بين الرئيس عون والرئيس سعد الحريري و «حزب الله». وخطوة عون بهذا المعنى أقفلت الطريق على المس بالاستقرار، كأنه قال للسياسيين إنه ليست مهمتهم اتهام بريء وتبرئة متهم»، فاستوعب بذلك غضب أهالي العسكريين وكذلك الوضع السياسي ووضع الأمور في نصابها». ورأى أن عون بذلك يلعب دوره كحكم وفق نص اتفاق الطائف. وإذا لم يقم به في هذه الحالة متى يقوم به؟ وذكّر المصدر بأن عون طالب منذ آب (أغسطس) 2014 بعد حصول موقعة عرسال بإجراء التحقيق في القضية، لمعرفة الحقيقة. وأوضح المصدر الوزاري ذاته أنه كانت هناك أفكار عدة للتحقيق. الأولى تشكيل لجنة برلمانية، أقفل بري الطريق عليها بما قاله الأربعاء، ثم إن العهد لا يحتمل تجربة لجنة برلمانية لا تنتهي إلى توضيح النتائج كما حصل في لجنة التحقيق في صفقة شراء طائرات «البوما» في التسعينات. والثانية إحالة الأمر على المجلس العدلي، الأمر الذي ينقل الخلاف إلى مجلس الوزراء، فضلاً عن أنه إذا كان من موجب لمساءلة ضباط أو محاكمتهم أمامه فإن الأمر لا يستقيم. كما أن خيار تشكيل لجنة مختلطة برلمانية قضائية استبعد لعدم جواز دمج القضاء والسياسة، فلم يكن بد من اللجوء إلى القضاء العسكري وهذا يسمح بإخراج الموضوع من السياسة، وتحصين القضاء من السياسة، خصوصا أن الضحايا هم من العسكريين». وأشار المصدر إلى أن «القضاء العسكري سريع في تحركه وأن الذي حاكم الوزير السابق ميشال سماحة يستطيع أن يقوم بهذه المهمة التي تطاول حياة عسكريين لبنانيين». ويقول المصدر الوزاري إنه حين يضع القضاء العسكري يده يستمع إلى جميع المعنيين، وإذا ظن بأحد أو أراد توقيف أحد وهناك حصانات يطلب رفع الحصانة، وإذا لا حصانة يظن ويحكم إذا اقتضى الأمر، وهنا من الطبيعي التمييز بين مخالفة الأنظمة التي تستدعي تدابير مسلكية تتخذها قيادة الجيش كما سبق أن حصل، وبين وجود عناصر جرمية، بمعنى تورط وتآمر وتدخل في الجريمة، وهناك فرق بين الاستماع إلى معنيين وبين الاستدعاء. وتكبير الحجر لا يوصل إلى نتيجة وتصغيره يطيح وهج الانتصار. فلا يمكن مساءلة رئيس حكومة سياسياً لماذا لم يخض حربا إذا أراد منع سقوط ضحايا وتوريط البلد في مواجهات، ولا يمكن مساءلة سياسي سعى إلى التفاوض لتحرير العسكريين. وتابع: «بعد أن تحررت عرسال وعادت إلى الدولة والشرعية لم يعد مبرَّراً عدم الدخول إليها لتوقيف من يشك بهم في ما حصل. وأهالي الشهداء العسكريين الذين قتلوا أثناء المعركة فيها والذين خطفوا واستشهدوا يريدون أن يتحرك القضاء. وهناك تحركات مستمرة لهذا الغرض». وكان النائب في «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ألان عون قال في تصريح إن «الرئيس عون يحاول وضع الأمور في نصابها بعد كل التراشق والاتهامات في البلد، وخطوته هي الطريقة الصائبة التي تعيد الموضوع إلى طريقه السليم، والتحقيق الذي دعا إليه يحدد المسؤوليات، وحينها يدان من يجب أن يدان». وعن تحرير الجرود اللبنانية من الإرهابيين، شدد عون على أننا «معنيون رسمياً بكل الشق الحاصل على الأراضي اللبنانية، أي بعملية الجيش اللبناني التي انتهت بتحرير الأراضي ومعرفة مصير العسكريين». أهالي العسكريين: نطالب بإعدام الموقوف عمر ميقاتي لم يذق أهالي العسكريين اللبنانيين الشهداء طعم النوم، منذ الأحد الماضي، يوم حضر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى خيمة اعتصامهم في ساحة رياض الصلح في قلب بيروت ليبلغهم الخبر القاسي عن العثور على مكان دفن 8 جثث تعود للعسكريين المخطوفين لدى «داعش». وتمرّ الساعات ثقيلة عليهم في انتظار النتائج النهائية لفحص الحمض النووي «دي ان أي»، التي يتوقّعون صدورها بعد غد الثلثاء كما أكّدوا ل «الحياة». ولفتوا إلى «أنها أخذت وقتاً لأسباب علمية وطبيّة». وقال مصدر وزاري ل «الحياة» أنه تبلّغ أن فحوص ال «دي.ان.ايه» أدّت حتى الأمس، إلى التعرّف الى جثامين 7 من العسكريين اللبنانيين ال9 الذين خطفهم مسلحو «داعش». وعلى رغم أن المعطيات تؤكد خبر استشهادهم، فإن الأهالي يرفضون أن يتخلّوا عن قبسٍ من نور، علَّ البحوث المخبرية تحمل إلى بعضهم «معجزة». خيمة الاعتصام التي نُصبت بعد نحو 70 يوماً على خطفهم في 2 آب (أغسطس) 2014، والشاهدة على معاناة الأهالي، ستكون على موعد مع يوم وداعهم. يؤكد حسين يوسف والد العسكري الشهيد محمد ابن مدوخا (قضاء راشيا) أن «من حق أبنائنا أن يمروا إلى الخيمة التي باتت ملجأنا الوحيد بعد خطفهم، ويعرفوا أننا كنا نطالب الحكومة عن قرب بإنقاذهم من المجرمين في الجرود وأننا أمضينا ثلاث سنوات هنا». ولفت إلى أنه «سيتم تكريمهم في بلداتهم تكريماً يليق بشهادتهم بعد أن نودّعهم في خيمة الاعتصام». ودعا «اللبنانيين الذين أبدوا تعاطفهم معنا إلى المشاركة في هذا اليوم الوطني». وأكد أن «العسكريين ظُلموا وقُتلوا بدل المرة ألفاً»، لافتاً إلى أن «تعامل الرئيس ميشال عون مع قضيتنا كان بمثابة تعامل والد مع أبنائه». وشدد على أنه «أثبت هذا الأمر من خلال متابعته الدائمة لهذه القضية ومطالبته بإجراء تحقيق في ما حصل خلال أحداث عرسال عام 2014 التي أدت إلى خطف العسكريين وهذا الأمر يشعرني بالثقة أن حقهم لن يضيع». وأضاف أن «الرئيس عون هو رجل عسكري ويعرف معنى الظلم». وقال: «المرحلة المقبلة تفرض علينا متابعة التحقيقات»، مشدداً على «ضرورة محاسبة كل شخص شارك في عملية الخطف وفي قرار عدم استرجاع أبنائنا لحظة خطفهم أو بعد أيام قليلة». وطالب ب «إعدام الموقوف عمر ميقاتي الذي صوّر جريمة ذبح العسكري الشهيد علي السيد وعملية ذبح الشهيد عباس مدلج». وعن توقيف ابن الشيخ مصطفى الحجيري، قال: «هذا شأن الجيش. ونحن ننأى بأنفسنا عن هذا الموضوع».