على رغم الإنجاز العسكري بسرعة إنهاء الوجود الداعشي في جرود القاع ورأس بعلبك، فإن الفرحة لم تمر من دون غصة عميقة خلّفها خبر استشهاد العسكريين الثمانية الذين اختطفهم «داعش» عام 2014. وإذا كان الجميع يلتقي على تهنئة الجيش بنصره على الإرهاب، فإن استشهاد العسكريين لا يزال موضع أخذ ورد في الأوساط السياسية حيث يدعو كثيرون إلى تبيان حقيقة ما حدث. وفي هذا الإطار أعلن المكتب الإعلامي للرئيس ميشال سليمان أنه «توضيحاً للحملة المبرمجة التي تديرها جهة معروفة سعياً للاستغلال الرخيص وبهدف التعمية على حقائق موجعة ورغبة دفينة آتية من خارج الحدود تعمل على تصفية الحسابات، فإن حادثة اختطاف العسكريين حصلت بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان بثلاثة أشهر، بالتالي، إن كان هناك من مسؤولية سياسية، فيتحملها حصراً الفريق السياسي الذي عطل الانتخابات الرئاسية وجعل من حكومة تمام سلام، حكومة ال «24 رئيساً»، بالتالي لا بد من فتح تحقيق رسمي لضمان تبيان الحقائق وتحديد المسؤوليات بدلاً من رميها جزافاً بحسب الأهواء أو المصالح السياسية». وأضاف: «نسأل الذين يغالون في فبركة الاتهامات وتلفيق الأكاذيب عن قرار سياسي لبناني عام 2014 منع الجيش من حسم المعركة، إن كان منع أيضاً حزب الله من القيام بتطهير الجرود كما فعل اليوم في عرسال، في حين ذهب حزب الله إلى سورية وغيرها ضارباً بعرض الحائط توقيعه على «إعلان بعبدا» الذي كان أول من طالب به». وسأل: «كيف للدولة أن تقف متفرجة للمرة الثانية بعد خروج الإرهابي أبو مالك التلي وعصابته، على عملية السماح للإرهابيين الدواعش بمغادرة لبنان إلى حيث يختارون من دون أسرهم ومحاكمتهم أو القضاء عليهم، بعد التثبت من خبر استشهاد الأسرى العسكريين، تنفيذاً لاتفاق ثنائي حصل بين حزب الله والنظام السوري؟». ونوه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري بانتصار الجيش في معركته لدحر الإرهابيين، معزّياً أهالي الشهداء الذين افتدوا لبنان بدمائهم. وقال: «الأهم بعد استكمال تحرير الجرود هو حماية الحدود، بحيث تكون كلها في عهدة الجيش اللبناني، فلا تعود سائبة لا ذهاباً ولا إياباً، ويمنع الجيش دخول أي مسلحين إلى لبنان وكذلك خروج المسلحين منها إلى سورية». واعتبر مكاري أن «أداء الجيش وانتصاره من دون التنسيق مع أي طرف داخلي أو خارجي، أثبتا قدرته على القيام بمهمات الدفاع عن لبنان وحفظ أمنه ومنع أي كان من الاعتداء عليه». وشدد على أن «الشرط الأول لبناء الدولة هو إقرار الجميع بضرورة أن تكون وحدها صاحبة القرار السيادي في الحرب والسلم والسياسة الخارجية». وأضاف أن «مسألة كيفية وضع سلاح حزب الله في خدمة بناء الدولة أمر تُبحَث تفاصيله وآلياته بالتحاور بين اللبنانيين، لكنّ الخطوة الأولى ينبغي أن تكون عودة حزب الله من سورية، وامتناعه طوعاً عن اتخاذ القرارات المتفردة التي تورط لبنان في حروب ونزاعات، وركونه إلى الدولة حصراً كمرجعية في هذا المجال». وأثنى على «الدور البناء الذي يتولاه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في كل المهمات الصعبة». ودان وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده «الجريمة الإرهابية التي ارتكبتها وحوش داعش في حق الشهداء العسكريين»، معتبراً أن «تحرير الجرود بدأ في اليوم الذي اغتيلوا فيه، يوم تكونت من معاناتهم ومعاناة أهلهم، الإرادة والتصميم اللبنانيين لدحر الإرهاب وتحرير أراض لبنانية عزيزة». وإذ شجب «المناورات السياسية التي تسببت في إحباط عدد من الوساطات، ومنعت عملية تبادل محتملة كان من شأنها أن تنقذ حياة العسكريين»، شدد على ضرورة «إبقاء قضية الشهداء العسكريين فوق كل اعتبار، ومنع استغلالها من جانب أحزاب وأنظمة ليست بريئة من ما وصل إليه لبنان». وقال وزير الخارجية جبران باسيل عبر «تويتر»: «لا الحزن ولا الأسف يعفياننا من مسؤولية كشف الحقيقة ومساءلة من أزهق حياة شهدائنا العسكريين. وحدها العدالة كفيلة بجلب الراحة والسلام لأرواحهم». ورأى وزير الزراعة غازي زعيتر أن «من الضروري إخراج انتصارات الجيش من بازار المزايدات السياسية والحرتقات. فدماء الشهداء العسكريين والجرحى أعظم وأكبر من كل الحسابات الضيقة. وعليه، فإن هذه الانتصارات تحتم المزيد من الالتفاف حول المؤسسة العسكرية، وأن لا نكتفي بالشعارات والكلام وأن نقدم للجيش كل ما يلزم لمواجهة المشروع الإرهابي». وغرد رئيس تيار«المردة» سليمان فرنجية قائلاً: «كم كنا نتمنى لو ان الانتصار اكتمل بعودة أسرى الجيش سالمين انما عزاؤنا اننا انتصرنا، مبروك للجيش والمقاومة وللوطن التحرير الثاني اكتمل». وتمنى النائب بطرس حرب «لو اكتملت الفرحة بعودة جنودنا المخطوفين بخير. تعزيتنا أنهم استشهدوا فدى لبنان وتحولوا أوسمة على صدره»، مشدداً على أن «من واجبنا احتضان عائلات جنودنا الشهداء لأنهم أمانة في أعناقنا والحرقة تبقى كيف نفاوض من هدروا دماءهم لينجوا وأيديهم ملطخة بهذه الدماء»، متمنياً أن «يخرج الجيش عن صمته وتحفظه وأن ينشر صور معاركه المشرّفة وصور القتلى في صفوف الإرهابيين لعلّ ذلك يهدئ قلوب أهل الشهداء». وأكد عضو كتلة «المستقبل» النائب عمار حوري «أننا كنا نتمنى لو نال المرتكبون من تنظيم داعش عقابهم العادل ولم يتمكنوا من الإفلات من العقاب»، مشيراً إلى «أن الدولة فقط هي التي تحمي الجميع، لا سيما أن الجيش أثبت أنه قادر على الدفاع عن لبنان». ورداً على ما قاله باسيل من أن المقاومة لا تتناقض مع الدولة، اعتبر حوري «أن سلطة الدولة يجب أن تكون حصرية، ولن نقبل أن نقايض عليها وبأي شراكة بين منطق الدولة وحصرية السلاح بيد الدولة». وأكد رئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أن «المعادلة التي تصنع الانتصار دائماً في بلد صغير على مستوى القدرات والجغرافية مثل لبنان، هي المعادلة الذهبية التي تتضمن الجيش والشعب والمقاومة». واعتبر «أن أي خلل في الاعتماد على مثل هذه المعادلة يجعل النصر متعسراً ويربك المجتمع، ويهزل موقف الوطن تجاه العدو الطامع والمعتدي». ورأى عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب ياسين جابر أن «إقدام الإرهابيين في داعش على إعدام العسكريين اللبنانيين المختطفين، يؤكد أن هذه المجموعات لا تقيم وزناً للقيم وشرعة حقوق الأسرى». وقال: «معركة فجر الجرود كتبت النصر للبنان وانتصر الوطن على الإرهاب وتقهقرت منظمة داعش إلى غير رجعة، وهذا النصر الثاني الذي سجله لبنان يعادل النصر الأول على العدو الإسرائيلي في آب (أغسطس) من عام 2006، وهما تعمدا بالدم والتضحيات، وعلينا أن نحافظ على الانتصارين من خلال الوحدة الوطنية والالتفاف حول الدولة وجيشها وقواها الأمنية للتصدي للأذى والإرهاب والاحتلال». وأسف النائب محمد الصفدي، في بيان، ل «كون الانتصار على داعش اتشح بالسواد إثر خبر استشهاد العسكريين على يد عناصر التنظيم الإرهابي». ورأى أن «اليوم وقد أنهى الجيش وجود داعش في الجرود اللبنانية يبقى السؤال عن توضيح الصورة الختامية لرحيل مسلحي التنظيم إلى دير الزور وكيف تمّ الاتفاق على ترحيلهم». وغرد عضو «القوات اللبنانية» النائب فادي كرم بالقول: «من حق أهالي الشهداء والشعب اللبناني كشف خبايا إرهاب داعش كي لا تنتهي هذه القضية كما انتهت قضية شاكر العبسي وفتح الإسلام، مبهمة على اللبنانيين ومعروفة تماماً لدى النظام السوري وأعوانه». وقال عضو «تكتل التغيير والإصلاح» النائب ناجي غاريوس: «بدلاً من التساؤل عن ظروف استسلام داعش، يجب التساؤل عمن سمح باختطاف العسكريين». وسأل: «خُطف العسكريون في 2 آب 2014، لماذا لم يصدر قرار بإنقاذهم، فيما الجيش كان قادراً على ذلك؟». ورأى «لقاء سيدة الجبل « أن « حزب الله يحاول كسر صورة وهيبة الدولة والجيش من خلال إيهام الرأي العام بأنه يملك القدرة على القتال والتفاوض وإيجاد حلول لأزمات وطنية في مقابل عجز المؤسسات الرسمية. إنها محاولات فاشلة لأن الجيش برهن، أنه قادر على حماية لبنان». ولفت إلى أن «حزب الله استخدم الخديعة عندما طلب من الدولة التفاوض مع نظام الأسد في شأن العسكريين، وسارع إلى كشف مصيرهم من خلال التنسيق مع داعش وتأمين الطريق لقتلة العسكريين من الحدود السورية حتى الحدود العراقية».