شكل يوم أمس، بداية العمل الجدي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء إدوار فيليب، إذ عرض ماكرون في مقابلة فضفاضة مع مجلة «لوبوان» تفاصيل نهجه، فيما كشف فيليب في مؤتمر صحافي مراسيم إصلاح قانون العمل التي تعتبر إحدى الإصلاحات الأكثر صعوبة ودقة في فرنسا. وقال ماكرون الذي انهارت شعبيته إلى مستوى 40 في المئة بتراجع نحو 14 نقطة، بعد 3 أشهر فقط على توليه الحكم: «أدرك نفاد صبر الفرنسيين، لكن أطالبهم بأن يمهلوني بعد الوقت لإصدار حكمهم علي». وأضاف في المقابلة التي تضمنتها 22 صفحة وعبرت عن التحول والانفتاح في علاقته مع الإعلام بعدما أرادها في البداية محصورة ومقننة: «أطمح إلى تحويل فرنسا إلى قوة عظمى على كل الأصعدة، وإبعادها من ذهنية الهزيمة عبر إصلاحات متعددة في كل المجالات. أدرك أنه يجب أن أتعايش لشهور مع استياء الفرنسيين، ولم أنسَ الحرقة والغضب والترقب التي جعلت بعضهم يميل إلى الشعوبية خلال الفترة التي سبقت انتخابي». وأكد التزامه تطبيق الإصلاحات التي تعهد بها خلال حملته الانتخابية، وعدم عدوله عن أي منها في مجال التعليم والسكن والمساعدات الاجتماعية، وأهمها إصلاح قانون العمل الذي يرى أنه يشكل «حجر الزاوية في النهوض الاقتصادي وكسر دوامة البطالة». وفي مؤتمر صحافي شاركت فيه وزيرة العمل مورييل بنيكو، كشف فيليب خمسة مراسيم لإصلاح قانون العمل والذي وصفه بأنه «طموح ومتوازن وعادل هدفه حماية العمال وإعادة العاطلين منهم عن العمل إلى السوق والنشاط عبر قرارات تندرج في صلب النموذج الاجتماعي الفرنسي». وتقضي هذه المراسيم التي ستعرض على الحكومة في 22 الجاري بإدخال مزيد من المرونة على إجراءات التوظيف والصرف من العمل، من دون هدر حقوق العاملين في مجال التعويضات والتقديمات الاجتماعية. وشدد على أن الإصلاحات تحاول تشجيع التوظيف والاستثمار بلا التضحية بمكاسب العمال التي وصفها بأنها «تقدم إنساني عظيم»، لافتاً إلى أن القضاء على البطالة التي تشمل حوالى 11 في المئة من الفرنسيين يجب أن يُستكمل بإصلاحات أخرى، في مقدمها خفض كلفة التوظيف لدى المؤسسات. وتابع: «فرنسا لم تعد قادرة على الحركة، وتكاد تكون مكبلة وجامدة، ما يحتم إجراء تغيير متوازن ومتجانس». وبإعلان مضمون الإصلاحات، دخل ماكرون وفريقه مرحلة بالغة الدقة تترتب عليها نتائج حاسمة للفرنسيين الذين يطالبون بالتغيير والتحسين، ورفض الكلفة التي لا بد أن تواكب هذا التغيير. ويذكر الجميع في فرنسا الشلل الذي أصاب البلاد حين أراد رئيس الوزراء السابق آلان جوبيه إصلاح نظام التقاعد، والاستياء الذي ساد الشارع لدى طرح رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان عقد الوظيفة الأولى. لكن قدراً من التغيير طرأ ربما على ذهنية الفرنسيين، وهو ما يشير إليه رد الفعل المتزن الذي أبدته الاتحادات النقابية الكبيرة. وانفرد اتحاد «سي جي تي» الشيوعي برفض الاصلاحات والدعوة إلى التظاهر ضدها في 12 الجاري. لكن اتحاد «أف أو» اليساري واتحاد «سي أف دي تي» رفضا الانضمام إلى هذه الدعوة على رغم تحفظهما على بعض مراسيمها. وصرح رئيس «أف أو» جان كلود ميي: «الإصلاحات أبعد من أن تكون ممتازة، إذ هناك نقاط متقدمة وأخرى تنطوي على تراجع. كما هناك نقاط مثيرة للخلاف.» أما رئيس «سي أف دي تي» لوران بيرجيه فقال: «ليست الإصلاحات بالمستوى المطلوب، وتتضمن ما يثير القلق في شأن حقوق العمال خصوصاً في المؤسسات الصغيرة.» ويتضح بالتالي ميل النقابيين إلى التروي وتغليب الحوار على اختبار القوى في الشارع، ما لم يطرأ ما يدفع المترددين إلى المشاركة في استعراض القوة الذي يعد له الاتحاد العمالي الشيوعي.