في مواجهة إصرار السلطة الفرنسية على المضي في خطة إصلاح نظام التقاعد، أبدى الفرنسيون أمس إصراراً مماثلاً على رفض هذه الخطة ونزلوا مجدداً الى الشارع، في يوم الاحتجاج الخامس الذي تدعو اليه الاتحادات النقابية منذ أيلول (سبتمبر) الماضي. وفرضت الاحتجاجات وتيرتها على 230 مدينة فرنسية، إضافة الى العاصمة باريس، حيث اتخذت إجراءات أمنية مشددة، تحسباً لأي تجاوزات، وذلك نظراً الى انضمام طلاب جامعيين وثانويين الى المسيرات. وقدرت وزارة الداخلية عدد المتظاهرين عند منتصف نهار أمس بحوالى 340 ألف متظاهر، مسجلة «تراجعاً» بالمقارنة مع التظاهرات السابقة، وهو رقم يأتي دائماً أدنى بكثير من الرقم الذي تؤكده النقابات. وبمعزل عن حرب الأرقام التي أصبحت تلي التظاهرات دوماً ، بات واضحاً أن فرنسا دخلت مرحلة من المواجهة بين إرادة السلطة التي تتمسك بخطتها وإرادة الاتحادات النقابية التي تستند إلى التجاوب الواسع معها من قبل الفرنسيين، للمطالبة بإعادة التفاوض على مضمون الخطة. وراهنت السلطة على تلاشٍ تدريجي للتعبئة ضد الخطة، خصوصاً أنها أُقرت في البرلمان، لكن وقائع أمس أشارت إلى العكس. وهذا دفع رئيس اتحاد نقابات «سي أف دي تي» فرانسوا شيريك، الذي يُعدّ من النقابيين الأكثر اعتدالاً، إلى القول إن المخرج الممكن هو معاودة التفاوض على خطة إصلاح نظام التقاعد، منتقداً التصلّب الحكومي، وعدم الإصغاء الى ما يقوله المواطنون، ما ينذر بشل البلاد. الى ذلك، باتت فرنسا مهددة بأزمة محروقات، نظراً الى توقف المصافي البالغ عددها 12 عن العمل، كما إن حركة الملاحة في المطارات الباريسية قد تتعرض للتوقف، بعدما أعلن أن مخزونها من وقود الطائرات لم يعد يكفي لما بعد الثلثاء المقبل، موعد الاحتجاجات الجديدة التي تحشد لها الاتحادات النقابية في أنحاء فرنسا. ودعت وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد أمس المواطنين إلى «عدم الهلع»، نافية «انقطاع إمدادات» الوقود. وأقرت شركة «توتال» بأن مئات من محطات البنزين معطلة، وحركة الاحتجاج «تثير مخاوف»، فيما أخلت قوات الأمن مجدداً مستودعات وقود من عمالها المضربين. وواصل مجلس الشيوخ مناقشة الخطة، ويتوقع أن يصوّت عليها الأربعاء المقبل. لكن القادة النقابيين لا يرون في إقرار المجلس للخطة، بعد البرلمان، أمراً واقعاً عليهم الانصياع له، والعدول عن تحركاتهم واحتجاجاتهم. بل أنهم يستحضرون التحركات الكثيفة التي تلت إقرار المجلسين التشريعيين، قانون عقد الوظيفة الأولى الذي اعتمِد عندما كان دومينيك دوفيلبان رئيساً للحكومة، ثم سُحِب من منطلق الحرص على السلم الاجتماعي.