«مقاطعة كل ما هو مصري» و «مقاطعة كل ما هو جزائري» شعاران رسما العلاقة بين شباب البلدين بعد التداعيات المأسوية للأزمة الكروية التي خلفتها التصفيات المؤهلة لكأس العالم الأخيرة في كرة القدم. وما كان أحد ليتصور قبل اليوم ان يعود الدفء الى العلاقات بين الشعبين الجزائري والمصري بهذه السرعة. اذ كانت ال18 يوماً من الثورة المصرية وإسقاط النظام كفيلة بإذابة جبل الجليد وتحويل الشارع الجزائري بين عشية وضحاها الى احد اكثر الشوارع العربية مساندة لشباب ميدان التحرير، معبّراً بكل الوسائل عن الأخوة التي تجمع بين الشعبين. القنوات التلفزيونية التي كانت كاميراتها منصبّة على ميدان التحرير يوم إعلان تنحي حسني مبارك التقطت مشهد رفع العلم الجزائري، كرسالة من شباب الثورة المصرية بأن الجزائر في القلب وما يجمع الشعبين أكثر مما يفرقهما، هذه الصورة كان لها مفعولها السحري في الجزائر وكانت لسان كل شاب في اليوم التالي. وما إن رفع العلم الجزائري وسط ميدان التحرير، حتى رفع علم مصر ايضاً في الجزائر طيلة أيام الثورة. وتعددت أشكال التعبير عن التضامن الشعبي من خلال وسائل مختلفة فاحتلت أخبار الثورة أحاديث الشارع والمقاهي ومواقع الانترنت، خصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي حيث امتدح الجميع شجاعة المصريين وحيوا صمودهم. وبعدما كانت وسائل الإعلام في البلدين عمقت الشرخ في العلاقات، تحولت فجأة إلى جسر للتواصل وإعادة اللحمة بين الشعبين. وأفردت الصحافة الجزائرية مساحات لرسائل القراء الداعمة ل «الإخوة المصريين». ولم يقتصر عمل الصحافيين الجزائريين على التعبير عن تضامنهم مع زملائهم في مصر بمواكبتهم بالتغطية، بل نظموا حملة توقيعات شارك فيها حوالى 300 صحافي من مختلف الوسائل الإعلامية الخاصة وحتى الحكومية. ويقول صاحب المبادرة الصحافي حسان واعلي من جريدة «الوطن» الناطقة بالفرنسة ل «الحياة»، ان المبادرة أتت «انطلاقاً من تعبيرنا عن تضامننا مع الزملاء المصريين وكل الصحافيين الذين تعرضوا للتحرشات والتضييق والقمع خلال تأدية مهماتهم في تغطية احداث الثورة، كما كانت ايضاً رسالة دعم لكل مصري ناضل من أجل نظام ديموقراطي». وأشار إلى ان المبادرة لاقت استحساناً كبيراً من فعاليات سياسية ومنظمات المجتمع المدني. وعبر واعلي عن قوة العلاقات التي تجمع الشعبين ووصفها ب «التاريخية ولا يمكن ان تهزها حسابات سياسية ضيقة»، مضيفاً انه لا يمكن ان يكون «شعب ضد شعب لأن الشعوب تتضامن بعضها مع بعض في شكل عفوي وهذا ما عشناه هنا في الجزائر». ولم تقتصر التحركات على الإعلاميين من اجل مساندة الشعب المصري بل تعدتهم إلى مبادرات من نوع آخر وتحمل دلالات كثيرة ومنها حملة تبرع بالدم لمصلحة الجرحى المصريين الذين سقطوا خلال المواجهات مع «البلطجية»، خصوصاً بعدما أوردت قنوات التلفزيون نداءات استغاثة من اطباء مصريين أعلنوا فيها عن حاجتهم للدم. كما تجند رواد الانترنت الجزائريون في الاسابيع الماضية للتعبير عن مساندتهم لانتفاضة الشعب المصري. وخلال ايام الثورة تحولت بروفايلات المسجلين في موقع «فايسبوك» الى رسائل دعم، وصور العلم المصري، ومنهم من اجتهد أكثر فدمج العلمين الجزائري والمصري ووضعهما على بروفيله. ولعل اكثر ما يعكس عودة الدفء الى العلاقات، المنتديات التي تم انشاؤها خصيصاً للتعبير عن المساندة والدعم لشباب ثورة 25 يناير ومنها «دعم الشعب المصري من الشعب الجزائري»، و «الجزائر وتونس ومصر بلد واحد». وبلغت الحماسة بشابة جزائرية حد الدعوة الى الصيام تضامناً مع المعتصمين في ميدان التحرير. وجاء في دعوتها: «لنتحد معاً على قلب واحد من المحيط الى الخليج ونساند إخواننا المصريين بالاعتصام بطريقتنا وهو صيامنا معهم لحد ما تفرج ازمتهم». أما أحد المدوّنين الشباب الذي كان أطلق على مدونته شعار «مقاطعة كل ما هو مصري» فسارع إلى الكتابة على صفحتها «لقد تم إغلاق هذه المدونة» ونشر في المقابل «أخبار الثورة الشعبية في مصر».