تبدو «العتمة» غالبة على الصورة العامة لوضع ذوي الحاجات الخاصة في السعودية، من تهميش حقوقهم، وتناسي وجودهم، على رغم أنهم يمثّلون رقماً لا يستهان به، ونسبة ليست بالبسيطة في المجتمع، إذ تصل نسبتهم إلى 7 في المئة من إجمالي السعوديين، وفق المدير العام لمركز الملك عبدالله للأطفال المعوقين في جدة الدكتور عثمان عبده هاشم الذي يقدر عددهم في السعودية بمليون شخص على الأقل. وتعد هذه النسبة «عالية جداً» بالنسبة إلى مجتمع صغير كالسعودية، كما يقول هاشم، الذي يشير إلى أن أهم عوامل زيادة عدد المعوقين في السعودية تتمثل في «زواج الأقارب» و «الحوادث المرورية» و «الأخطاء الطبية»، مشدداً على ضرورة محاولة تلافي تلك المسببات، وعلى ضرورة رعاية المعوقين «في ظل غياب الوعي الكامل من أفراد المجتمع». وكشفت وزارة الصحة في وقت سابق أن عدد المواليد في السعودية سنوياً يراوح بين 400 و500 ألف منهم ما بين 400 و500 معوق، وهو ما يعني أن مولوداً من كل ألف يخرج إلى الدنيا معوقاً. ووفق خبراء في مجال الحاجات الخاصة، فإن الحوادث المرورية وأمراض الضغط والسكري وما يترتب عليها من مخاطر تعتبر المسببات الأكبر للإعاقة الحركية الحاصلة بعد الولادة. وتعتبر النسبة الأكبر ممن يعانون من إعاقات سمعية وبصرية، عائدة لأسباب وراثية وجينية (ما قبل الولادة)، بسبب «زواج الأقارب» وتعرض الحامل لظروف خطيرة، كإشعاع أو فيروس ضار. ولا يزال ذوو الحاجات الخاصة يعانون من عدم إقامة الوزن المناسب لهم في الحياة العامة، فالخدمات الخاصة بهم غير منتشرة، أو «غير محترمة» من شريحة كبيرة من المجتمع. وتطالب مجموعة من الاختصاصيين بإعادة النظر في العقوبات المستحقة على المتهاونين في تأمين حقوق المعوقين الأساسية، سواء كانوا أفراداً أم مؤسسات. وعند المناداة بالحقوق والمطالبة بها، تظهر مأساة المعوق اليتيم أو الفقير، ككارثة مضاعفة، خصوصاً في ظل ضعف المعونات التي تقدم من وزارة الشؤون الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي، والتي لا يكفي ما يخصص منها في عام لذوي الحاجات الخاصة شهراً. ويرى مهتمون وباحثون اختصاصيون في مجال الإعاقة داخل السعودية، أن المؤسسات التربوية والاجتماعية التي لا تتعامل جيداً مع فئات الإعاقة المختلفة، وتتهاون في توفير الخدمات الخاصة لهم، تحتاج إلى إعادة تقويم وتغيير جذري، مشيرين إلى ضرورة إيجاد بيئة متكاملة تعي أهمية الدور المناط بها تجاه هذه الفئة. وتشدّد الاختصاصية النفسية في مجال الإعاقة الحركية العاملة في جمعية الأطفال المعوقين في مكةالمكرمة تهاني العمودي على أهمية وجود مراكز مؤهلة ومختصة في التأهيل النفسي للأطفال ذوي الحاجات الخاصة من طريق الأسرة من جهة، والمجتمع من جهة ثانية. وتؤكد أهمية الحرص على بناء بيئة مدرسية تربوية مناسبة للأطفال ذوي الحاجات الخاصة، ابتداء بتأهيل المعلمين للتعامل الجيد مع هذه الفئة، مروراً بتوفير مرافق خاصة لهم تسهل من عملية انتقالهم، ووصولاً إلى تأهيل الطلبة الأصحاء للتعامل مع هذه الفئة، وانتهاء بتطوير المناهج الأكاديمية والاجتماعية في شكل يتناسب مع القدرات العقلية. وتلفت إلى أهمية أن يأخذ الطفل من ذوي الحاجات الخاصة حقه في الظهور في كل النشاطات الحياتية، خصوصاً من الناحية الإعلامية، كأن تظهر شخصية الطفل المعوق في فيلم كرتوني، كي تعمم فكرة إعاقته عند جميع شرائح المجتمع بمستوياته العمرية، وبالتالي تزداد ثقته بنفسه، ولا يحاط بنظرات الاستغراب من البعض. ما دام الإصرار راجحاً على اليأس في معادلة الحياة، فلا شيء يقف في طريق الإرادة إن صدقت. تجارب كثيرة انتصر فيها ذوو الحاجات الخاصة على ظروفهم، بمساعدة مقربين أو متطوعين، وبفضل فطرة «حب الحياة». مبارك الهودي الخالدي (40 سنة) أحد المتطوعين لخدمة المعوقين، مزج بين عمله كسائق سيارة أجرة، وتطوعه لإيصال ذوي الحاجات الخاصة والأيتام «مجاناً»، كمبادرة منه في مد يد العون لهذه الفئة. وشرع الخالدي في عمله «الخدمي» قبل تسعة أشهر، حين استبدل سيارته الصغيرة بأخرى أكبر حجماً، إلا أن الفكرة كانت مترسخة لديه قبل سنوات، وتعود إلى حادثة وقعت لأخيه، حوّلته إلى «معوق حركي». ويجمع مبارك بين قيادة سيارته والأعمال الحرة، ما جعله يملك الوقت الكافي للقيام بمهام أخرى، ومن بينها التكفل بإيصال سبعة أطفال يسكنون دار إيواء، إضافة إلى شاب وزوجته، قبل أن يرتفع العدد بعد شرائه السيارة الأكبر حجماً إلى 30 شخصاً من مختلف الفئات العمرية والجنسيات. وقلبت الحادثة، التي وقعت لأخيه قبل 20 سنةً، حياة الخالدي، ويوضح أن أخاه «تعرض لحادثة حين كان في ال22 من عمره، وأصيب بكسر في الظهر والحوض، وظل سنة كاملة في المستشفى، ولزم الأمر أن أكون معه، ما أدى بي إلى ترك الدراسة، وكنت أدرس في المرحلة الابتدائية مساءً»، مضيفاً: «توجهنا إلى الخارج لإكمال العلاج، وتحسنت حاله، إذ بدأ يشعر في جزئه السفلي وأطرافه العلوية».