خلال الحرب الباردة كانوا يهتفون في الغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدة، «الحمر قادمون، الحمر قادمون». منذ الانتفاضة الشعبية في مصر أصبح الهتاف «الإخوان المسلمون قادمون، الإخوان المسلمون قادمون». أقول: إن شاء الله، حتى وأنا لا أريد حكماً دينياً من أي نوع، لأنني لا أريد أن أقع تحت وصاية الحزب الواحد، بل أفضل ديموقراطية تتسع للشيء وضده. غير أنه إذا كان الإخوان المسلمون يخيفون إسرائيل والليكوديين الأميركيين وبقية أعداء العرب والمسلمين فلا أقول سوى أهلاً بهم، ثم أرفض الحملات عليهم في الميديا الأميركية التي وصفها البروفسور جون كول بأنها هستيريا. الإخوان المسلمون تغيروا كثيراً عبر تاريخ يزيد على ثمانية عقود، فقد مارسوا العنف، واغتالوا قاضياً ورئيس وزراء، وكانوا ضحية العنف بدورهم فاغتيل المؤسس حسن البنا وأُعدم مفكرهم الأبرز سيد قطب، وهم منذ اتهامهم بمحاولة اغتيال جمال عبدالناصر ممنوعون كحزب سياسي، فكان اسم الجماعة في الانتخابات الأخيرة «المحظورة». نستطيع أن نقول إن جميع الحركات الراديكالية الإسلامية والإرهابية طلعت من تحت عباءة الإخوان المسلمين، وأعرف أنهم تأثروا بفكر آية الله الخميني في البداية، وكانت لهم علاقات معلنة وسرية مع إيران، انتكست في ولاية «المعتدل» محمد خاتمي وعادت مع محمود أحمدي نجاد. غير أن الجماعة تعلمت الدرس، وأعضاؤها فازوا كمستقلين بسبعة عشر مقعداً في الانتخابات البرلمانية سنة 2000، ورفعوا حصتهم الى 88 مقعداً سنة 2005، وكانوا سيفوزون بعدد أكبر من المقاعد لولا أن المرحلة الثالثة من تلك الانتخابات زُوِّرت، كما زُوِّرت انتخابات السنة الماضية فلم يفوزوا بأية مقاعد مع أنهم أكبر قوة معارضة في البلاد. شعار الجماعة «الإسلام هو الحل» غير أن قادتهم عمليون ويستطيعون أن يشدوا الحبل وأن يرخوه، ويفضلون تحالفاً في الحكم مع قوى أخرى، والأرجح أن هذا سياسة مرحلية، فهم لا يريدون أن يخيفوا الناس في الداخل والخارج، لذلك يميلون الى عدم تقديم مرشح عنهم في انتخابات الرئاسة المقبلة، وربما أيدوا الدكتور محمد البرادعي الذي رشحوه للتفاوض مع الحكومة قبل سقوط نظام حسني مبارك. الإخوان لم يطلقوا ثورة الشباب ضد النظام، ولعبوا فيها دوراً محدوداً، ولعل مبالغتهم في الحذر عكست مرارة تجاربهم في مواجهة السلطة، إلا أن الحذر ارتد عليهم هذه المرة، ولم يغب عن الثائرين أن الإخوان كانوا مستعدين للتفاوض مع النظام فيما مليون مصري يهتفون في ميدان التحرير مطالبين بسقوطه. كانت كبوة، والإخوان المسلمون على قدر من حسن التنظيم والتمويل، مع خبرة كافية، لاسترداد موقعهم، من دون أن يسعوا الى التفرد في الحكم فهم يعرفون أن الجيش لن يسمح لهم بحكم مصر، وهو يظل أقوى أجنحة الحكم، فقد بقي حسني مبارك يتحدى الشارع وميدان التحرير، وملايين المصريين، ما بقي الجيش الى جانبه، غير أن قيادة الجيش نصحته بالرحيل بعد خطابه السيّء يوم الخميس الماضي فرحل. الإخوان المسلمون لن يدخلوا مواجهة مع الجيش، وهم يعرفون أن العالم الخارجي لن يقبل بهم، فانتصارهم سيعني تشجيع الحركات الإسلامية في البلدان العربية الأخرى على طلب الحكم، ثم إن برنامجهم السياسي يثير قلق الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ويهدد معاهدة السلام، ما يعني فرض عزلة دولية على مصر إذا تسلموا الحكم. بنيامين نتانياهو أعلن صراحة قلقه من احتمال سيطرة الإسلاميين على الحكم في مصر، وتبعه لوبي إسرائيل والليكوديون والمتطرفون الآخرون في الولاياتالمتحدة بالتحذير من دور الإخوان المسلمين في مصر الانتفاضة، والخطر على إسرائيل من جماعة ترفض وجودها كله، لا مجرد الاحتلال. وهكذا أختصر فكر أعداء الإخوان بمقال من ألف، كتبه فرانك غافني، وهو من غلاة الليكوديين والمحافظين الجدد، عنوانه «الإخوان المسلمون هم العدو»، وهو يقصد «عدو أميركا» مع أن أمثاله عدو أميركا الحقيقي، وكلٌ منهم يقدم مصلحة إسرائيل على مصالح بلاده. والليكودي غافني ينقل عن مذكرة «سرية» للإخوان عن أهدافهم في أميركا الشمالية. في مقابل هؤلاء، أرحب بالإخوان المسلمين شركاء في الحكم، من دون أن أُخدع بتصريحاتهم الأخيرة، وكما قال الإمام علي «لست بخب والخب لا يخدعني». وكنت سجلت مثلاً يلخص رأيي في أسباب ثورة تونس هو «ما يهد العروش إلا النسوان والقروش». وقلت معرباً عن قلقي من المستقبل بعد نجاح الانتفاضة المصرية من دون قيادة «لا تفرحي بيوم عرسك والجهاز، ياما حتشوفي بهدلة بعد الجواز». وأقول في الإخوان المسلمين، وكلٌ من قادتهم يتكلم وبراءة الأطفال في عينيه «إتمسكن لما تتمكّن»، وهو مثل يفهمه كل مصري. [email protected]