مع بداية كل صيف، يتألق مهرجان «أورينتاليس» في مونتريال كلقاء جامع لثقافات وفنون الشرق والغرب الوافدة من بلدان شمال افريقيا والصين واسبانيا وتركيا ولبنان وسورية وايران وصولاً الى كمبوديا والهند واليابان. وعلى مدى اربعة أيام متواصلة (بين 10 و14 آب) كانت اصداء الغناء والرقص والموسيقى بتلاوينها العالمية تتردد في ساحة المهرجان وإرجاء المرفأ القديم لمونتريال. المهرجان كما تقول مديرته الفنية غنوة نخلة ل «الحياة»: «هو من تصميم وانتاج شركة الشيمي. ويتميز بمجانية نشاطاته ومصداقيته وديمومته وصيرورته حاجة اغترابية ترفيهية. ويعتبر واحداً من اهم مهرجانات مونتريال الصيفية في الشمال الاميركي. وتقاطر عليه هذه السنة آلاف الزائرين من الكنديين والسياح وابناء الجاليات العربية والمجموعات الإتنو- ثقافية». وتوزعت فعاليات المهرجان الى ثلاثة أقسام. المشهد الفني الذي تميز هذا العام بحضور غني للفرق والفنانين المشاركين في نشاطاته المتنوعة. ففي الجانب الغنائي تألقت المغنية الكيبيكية التركية برغا الياس المعروفة باسم بريجيت دجار، وهي مؤلفة وملحنة وعازفة كمان، في تأدية الوان غنائية غنية بطابعها الصوفي المتناغم مع الايقاعات المشرقية والتركية. وفي السياق الروحي، قدمت الفرقة المغربية بقيادة المعلم رشيد «ايقاعات النشوة» المستوحاة من موسيقى الغناوى المقدسة وفقاً للتقاليد العيساوية السائدة في بلدان الشمال الافريقي. أما «فرقة الفنون السنسكريتية» فقدمت لوحات من الرقص الشعبي الكلاسيكي بطريقة مبتكرة ومحترفة جمعت بين الهيب هوب والروك والايقاعات الهندية المشبعة بحوارات الحب الثنائية بين الجنسين. ومن جهتها، نقلت «الفرقة التايلاندية» جماهير المهرجان الى رحاب «مملكة سيام» في المقلب الآخر من العالم الآسيوي على أنغام فرقة ضمت 20 عازفاً وعازفة من الموهوبين والمشهورين على الساحات الفنية العالمية. وقدمت لوحات موسيقية تحكي تاريخ المملكة القديم بقيمها الروحية والفلسفية. وتعاقبت على المشهد الموسيقي الراقص في الهواء الطلق، فرقة «لازاراتي النسائية الاندونيسية» المزدانة بألوانها المزركشة الفضفاضة، فقدمت رقصة الفرح المليئة بالحماس والعواطف والاثارة. وتلتها استعراضات لفرقتي «سايتا دانس» الكيبيكية بأنماطها الراقصة على وقع موسيقى تراثي معاصر من الالوان الهندية والافريقية والفلامنكو والباليه، والفرقة الكيبيكية المغربية المتميزة بعزفها على آلة الغمبري التقليدية وألحانها المثيرة للنشوة. وانتهى المشهد الموسيقي بمشاركة أولى للشاب أنور الجزائري الملقب ب «الطفل المعجزة» حيث قدم باقة من اجمل الوان الراي الجزائري الذي يمجد القيم والاخلاق والحب. وتلاه زميله المغربي سامي رابي من أصل بلجيكي وهو مؤلف ومغن وملحن، فأبهر الجمهور بوصلاته الغنائية التي سلطت الاضواء على قضايا الهجرة وعمالة الاطفال وحرية المرأة. وفي الجانب الفني، شهدت ايام «اورينتاليس» أربع نماذج من الرقصات الشرقية استقطبت العديد من المعجبين من مختلف الفئات العمرية من الجنسين. فالدبكة المشرقية السائدة في بلدان لبنان وسورية وفلسطين والاردن، تعبر عن التعاضد والعنفوان، وتقام في مناسبات الافراح والاعراس والاعياد الوطنية. وشارك فيها الرجال والنساء وتشابكت فيها الايدي وتلاصق الكتف بالكتف وتناغمت خبطات الاقدام على الارض مع ايقاعات المجوز التي رافقتها بهدوئها وثورتها. المدينة المشرقية وتمحورت نشاطاتها التراثية حول نموذج شبيه بسوق شعبي انتصبت فيه عشرات الخيم البيض، وأقيمت في داخلها ورش حرف يدوية ومطرزات وطرابيش وخزفيات وفخاريات، وأنماط من الخطوط العربية، وبرامج ترفيهية للصغار والكبار ومسرحيات ورسوم بالوشم والحنة وأجنحة المأكولات والحلويات الشرقية والغربية والآسيوية والافريقية. صالون الكتاب العربي للمرة الأولى هذا العام، عرض مهرجان «أورينتاليس» كتاباً عن الهوية العربية والبربرية في الشتات الكيبيكي ليكون اللبنة الاولى في بناء معرض دائم للكتاب العربي- البربري. وتؤكد الكاتبة فيروز فوزي الحائزة على دكتواره في علم الاجتماع، أن الهدف من هذا المشروع الادبي الذي شارك في تأليفه 40 كاتباً عربياً وبربرياً، هو ايضاح مفاهيم المنفى والحنين والهجرة والاندماج والتعددية الثقافية للجاليات العربية والمغاربية في كيبك». اما يارا شرم الغضبان، احدى المشاركات في تأليف الكتاب، فتشير الى «انها محاولة لتوحيد جميع المؤلفين الكيبيكيين من اصول عربية وبربرية وايصال اصواتهم الى المجتمع الكيبيكي من خلال اطلاق مشروع حواري هادف، هادئ ومنفتح يتناول القضايا المقفلة والخلافية بين الكيبيكيين ومواطنيهم من اصول عربية ومغاربية». وواكب اطلاق الكتاب سلسلة من المحاضرات والندوات والامسيات الشعرية التي شارك فيها الشاعران السوريان بهيج وردة ونادين باخوس تحت عنوان «شعر الشتات العربي والامازيغي».