قال المخرج السينمائي السعودي الشاب توفيق الزايدي، أن العالم أصبح بصرياً، مشيراً إلى أن هناك دولاً كبيرة تعتمد كلياً على الأفلام التي تعرضها في السينما لنشر صورتها عالمياً. وقال الزايدي في حوار مع «الحياة» أن صناعة فيلم سعودي طويل يتحدث بإيجابية عن السعودية باتت أمراً مهمّاً. وذكّر صاحب «الآخر»، الفيلم الذي حصد اهتماماً واسعاً، بأن أساسيات صناعة الأفلام لا تزال غير متوافرة في السعودية، كما أن التمويل غائب. ولفت الزايدي إلى أنه متعصب للفيلم وليس للمخرج... وهنا الحوار: * لقيت أفلامك حفاوة وعُرضت في أكثر من مكان، حدثنا عن رهانك السينمائي، وما التحديات التي تواجهك كمخرج. - في البداية أود الحديث عن عرض أفلامي، في السابق قبل عام 2011، كانت الأفلام التي عملت عليها، مثل «الصمت» و «خروج» قد عُرضت خارج السعودية أكثر مما داخلها. أما أفلامي الحديثة مثل فيلم «الآخر» و «أربع ألوان» فكانت عروضها الداخلية أكثر. فيلم «الآخر» عرض أكثر من 20 مرة في خمس مُدن سعودية مختلفة. مهم جداً أن يرى الجمهور السعودي قصصاً تتحدث عنه. العرض الأول في ملتقى «شوف»، إحدى مُبادرات تظاهرة «مسك» في جدة كان مبهراً، وخلق لديّ شعوراً لم أجده في الخارج. العالم أصبح بصرياً، هناك دول كبيرة تعتمد كلياً على الأفلام التي تعرضها في السينما لنشر صورتها عالمياً. صناعة فيلم سعودي طويل يتحدث بإيجابية عن السعودية شيء مهم، لا أقول خلق قصص غير موجودة، بل هناك فعلاً قصص إيجابية، قصص حقيقة، هذا لا بد أن يظهر على شكل أفلام سينمائية طويلة، لأن الفيلم السينمائي يُقنع أكثر، إذ يقوم المشاهد بتقمص شخصيات القصة بالفيلم ويعيشها، من هنا تبدأ تجربة المُشاهد وتأثير الأفلام فيه. وعندما نتحدث عن التحديات، فإننا من الممكن تلخيصها في سببين: الأول، أساسيات بيئة صناعة الأفلام غير موجودة كما أن الفريق الاحترافي والأدوات وشركات الإنتاج وما بعد الإنتاج وسواها أيضاً غير موجودة داخل السعودية. والسبب الثاني، المال وأقصد التمويل، فبسبب عدم وجود صالات عرض لا يريد أي مستثمر أن يدفع مالاً لا يعود عليه بالربح السريع. التحديات ليست فقط لي، بل لكل شخص يريد أن يصنع فيلماً في السعودية. في نظري لا بد من وجود جهات شبه حكومية تمول أفلاماً وتصنعها داخل السعودية، باستقطاب شركات احترافية مختصّة في إنتاج الأفلام وخلق بيئة لهذه الصناعة، قبل أن تكون هناك أماكن للعرض وصالات سينما. عن التجريب * تحاول في أفلامك تجريب تقنيات وأساليب متنوعة يسهل معها سرد القصة وأيضاً تقديمها في شكل مغاير، كيف توصلت إلى مثل هذه الأساليب؟ - هناك من أعجب بأفلامي وهناك من انتقدها، هذا الأمر لا يستوقفني كثيراً لأني أتفهم أن الفن مسألة خاضعة للذوق والمزاج في النهاية، إضافة إلى أن النقد الفني للفيلم السينمائي قليل لدينا في السعودية، كما أن مفهوم النقد الذي يخرج عن إطار العمل ويدخل في اتجاهاته وذوقه الفني، غائب أيضاً. أحب النقد العميق، وهذا أَجِده لدى بعض النقاد العرب. لذلك، ما يهمني في أفلامي هو ماذا تعلمت من كل فيلم صنعته، في كل فيلم أتعلم شيئاً جديداً، فأحاول في الفيلم الذي بعده أن أصنعه في شكل أفضل وهكذا. وأنا مقتنع بأنه في صناعة الأفلام مهما حاولت أن تقول شيئاً عبر الفيلم، فالفيلم نفسه في خاتمة الأمر سيقول شيئاً آخر بفعل علاقته الخاصة مع المُشاهد. أحب التركيز في صناعة أفلامي على الحكاية البصرية بكل جوانبها، ففي فيلم «الآخر» كمثل، كل شيء في الفيلم يروي القصة، حركة الممثلين، الألوان، الصوت، حركة الكاميرا، حتى في اختيار شكل إطار الصورة (سينما سكوب) من أجل أن أضع مسافة بين الممثلين، لأن في القصة سوء فهم عن الآخر. وكذلك فيلم «أربع ألوان» كانت الألوان تعبر عن الشخصيات وحركة الكاميرا لا تتحرك سوى مع الشخصية الأكثر حرية، المُشاهد قد لا يهمه كل هذه الأدوات، لكن هذه الأدوات هي التي تنقل له مشاعر القصة ويشعر بها. * أنت تؤمن بما يقوله ستانلي كوبريك في أن السينما صناعة، قبل أي شيء آخر. كيف يمكن الحديث عن صناعة في بلد يعاني المهتمون فيه بالسينما من صعوبات كثيرة؟ - بالنسبة لي ستانلي كوبريك هو المخرج الأقرب في فهم فلسفة الأفلام، لذلك أنا مؤمن به وبطريقته في صناعة الأفلام في أدق تفاصيلها. ذكرت سابقاً عندما نتحدث عن صناعة السينما فنحن نتحدث عن دائرة كاملة، نصفها بيئة صناعة الأفلام والنصف الآخر المال، فصناعة الأفلام مهنة صعبة وهي مختلفة عن مفهوم تصوير الفيديوات القصيرة المنتشرة. لذلك، فالصعوبات ستبقى، ربما تقل كثيراً إذا وجدت صالات سينما. هذا النوع من الدعم * ما الذي قدمته لك مؤسسة مسك الخيرية، غير إنتاج فيلم «الآخر» وكيف ترى اهتمامها بالشباب؟ - أود، أولاً، من خلال «الحياة» أن أشكر مؤسسة مسك الخيرية، أولاً، أشكرها على تشجيعها على الإبداع ونشر الإيمان بالشباب. وثانياً، على مبادرتها في فيلم «الآخر» لأن الأمر لم يكن فقط تمويل فيلم، بل كان مبادرة كاملة: كان نوعاً من تدريب عملي لعشرة من الشبان والشابات في مختلف مراحل صناعته، ولم تقف عند هذا الحد من المبادرة، بل أرسلت 20 شاباً وشابة مهتمين بصناعة الأفلام إلى مدينة لوس أنجليس لتعريفهم بالمبادئ الأساسية في صناعة الأفلام. «مسك» مؤسسة فريدة من نوعها في العالم العربي، تقدم كل شيء من أجل الشباب، ولم تقف عند المُبادرات بل أصبحت قائدة في الإبداع. * كيف ترى تجربة المخرج المؤلف، أليست الأنسب للسينمائيين في السعودية، أم إن ذلك صعب؟ - هي الأنسب لكل فيلم مستقل في أي مكان في العالم، أي مكان لا توجد فيه صناعة أفلام في شكل كبير تجد أن المخرج المؤلف هو الأنسب، بسبب أنه هو دائماً المُبادر ويصبح منتج الفيلم أحياناً، في الدول التي لديها صناعة أفلام ربما المُنْتج من يبادر ويبحث عن كاتب ثم مخرج، أو شركات تتعاقد مع كاتب ثم تفكر في إخراج الفيلم في وقت لاحق. بناء الأحداث في الفيلم لشاشة ليست كما البناء لتلفزيون، الوضع مختلف لذلك لدينا هنا كتاب لمسلسلات بغض النظر عن تقييمها وجودتها، ولكن على حد علمي لا يوجد كُتاب للأفلام وأقصد كاتباً مختصّاً بسيناريو الأفلام. عندما تكون لديك قصة، فالسيناريو هو الذي يحكي حكاية هذه القصة من كل جوانبها، في السيناريو كل شيء لا بد أن تكون له ضرورة في الوجود. * يبدو الممثل السعودي متحمساً لخوض تجربة السينما، كيف وجدت إمكانات هذا الممثل، والممثلة خصوصاً؟ - المسلسلات التلفزيونية أثرت في قدرة الممثل والممثلة السعوديين، لا تستطيع الحكم في شكل كامل عندما تشاهد الممثل والممثلة في فيلم قصير، لكن ما أود قوله أن التمثيل في الفيلم يختلف، ليس في تقمص الشخصية فقط بل حتى في طريقة التصوير ومدة التصوير، الحلقة مدتها نصف ساعة، يمكن تصويرها في يوم أو يومين بينما في الفيلم يمكن تصوير ثلاث دقائق في اليوم الوحد لأن التكنيك مختلف. بالنسبة إلي معاهد التمثيل مهمة لأنه توجد مواهب كثيرة، لكن هذه المواهب لا تعرف كيف تقوم بإظهار مشاعر الشخصية على حسب الطلب، وهذه شيء لا بد من أن يحصل في معهد، وليس شرطاً أن يكون دراسة طويلة، ربما تكون على شكل كورسات مستقلة. * يوجد جمهور أكثر من اللازم للسينما، ألا يشعرك بالحزن وجود هذا الكم من الجماهير المتعطشة للسينما ولا توجد حتى صالة واحدة؟ - يريد كل إنسان أن يغادر عالمه ويذهب إلى عالم آخر حتى لو كان العمر الزمني لهذا العالم ساعة ونصف الساعة، هذا ما يقدمه لك فيلم داخل صالة سينما. ما يشعرني بالحزن ليس وجود جمهور متعطش هنا ويريد سينما، ما يشعرني هو مشاهدة الجمهور العريض في دول الجوار وازدحامه أمام شباك التذاكر. أتذكر في إحدى مرات حضوري في سينما بدبي كان الصف الذي أمامي بالكامل لعائلة سعودية واحدة، هذا ما يشعرني بالحزن، صالات السينما ضرورة اقتصادية وترفيهية، تجربة ساحرة وعالم خيالي، لا يستطيع تلفزيون ولا غيره أن يعطيك إياه فقط صالة سينما تفعل ذلك. * من من المخرجين العالميين والعرب يشدك أكثر بمقترحاته البصرية وبرؤيته السينمائية؟ - أنا متعصب للفيلم ولست متعصباً للمخرج، صحيح أن هناك مخرجين تجد في معظم أفلامهم إحساساً مختلفاً يميزهم في مجال سرد الحكاية البصرية، لا أحب أن أذكر أسماء لأني متحيز للفيلم، يشدني المخرجون الذين يصنعون أفلامهم بطريقة تُحببك أكثر بالسينما. * سعودياً، أي الأفلام تعتبرها قريبة من السينما ويمكن الرهان على مخرجيها في المستقبل؟ - فيلم «الآخر»!