كتب هيثم سرحان يوم 8 - 1 - 2011 مقالاً في صحيفة «الحياة»، بعنوان «مسالك النقاش وعنف التأويل... صورة المرأة من الخطاب إلى الحجاب». قال فيه إن مقاله يُعدّ مقاربة بين رؤيتي الجاحظ والإمام السيوطي للمرأة، وبالتحديد بين سفورها وحجابها. وعدّ موقف الجاحظ العقلاني أنه يمثل سفور المرأة في كتاباته، بينما في المقابل مثَّل الإمام السيوطي متشدداً تجاه التزام المرأة بحجابها. ونقل عن السيوطي قوله: «إن الرق يزول بالموت، وأما الأنوثة المقتضية للستر فمستمرة». واستدرك الكاتب بقوله: وهذا يعني أن استبعاد المرأة من خطاب رؤية الله يندرج في إطار تنزيهه تعالى وتعظيمه عن أن يرى من النساء، ذلك أن الأنوثة تقترن بالحجاب. حين قرأت مقاله لم أجد ارتباطاً بين قضيتي سفور المرأة وحجابها، وبين رؤية الله النساء يوم القيامة، فجلّ مقاله كان حول حقيقة رؤية الله النساء يوم القيامة من عدمها. إلا إذا عدّ الكاتب الدار الآخرة دار تكليف أيضاً، يُحرّم فيها سفور المرأة واختلاطها بالرجال. قال الكاتب: إن السيوطي أورد الآراء التي تقول إن الله، عز وجل، لا يرى النساء يوم الحساب، وإن هذا الموضوع كان سبباً في تأليف الإمام السيوطي كتابه «إسبال الكساء على النساء»، ومن ثم كتابه «البعث»، ونقل قول السيوطي في هذا الأخير: «إنه لم يجد تصريحاً بأنهن يرين ربهم». إن القول بأن الإمام السيوطي يُحسب على المتشددين في آرائهم حول قضايا المرأة المسلمة، قول قاصر، ويحتاج إلى إعادة نظر. والقول بأن السيوطي ينفي رؤية الله للنساء، يدحضه رسالته المخطوطة، التي ألّفها خصيصاً عن هذا الموضوع بعنوان «تحفة الجلساء برؤية الله النساء»، إذ يقول فيها: «مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة في الموقف حاصلة لكل أحد، الرجال والنساء، بلا نزاع. وذهب قوم من أهل السنة أنها تحصل فيه للمنافقين أيضاً. وذهب آخرون منهم إلى أنها تحصل للكافرين أيضاً، ثم يحجبون بعد ذلك ليكون عليهم حسرة. أما الرؤية في الجنة، فأجمع أهل السنة على أنه حاصل للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة، ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة. واختلف بعد ذلك في صور إحداها النساء من هذه الأمة. وفيهن ثلاثة مذاهب للعلماء، حكاها جماعة، منهم الحافظ عماد الدين بن كثير في أواخر تاريخه : إحداها أنهن لا يرين، لأنهن مقصورات في الخيام؛ ولأنه لم يرد تصريح برؤيتهن. والثاني أنهن يرين، آخذاً من عموم النصوص الواردة في الرؤية، والثالث أنهن يرين في مثل أيام الأعياد، فإنه تعالى يتجلى في مثل أيام الأعياد لأهل الجنة تجلياً عاماً، فيرينه في مثل هذه الحال من دون غيرها. هذا القول يحتاج إلى دليل خاص عليه، فالحافظ ابن رجب في «اللطايف» يقول: كل يوم كان للمسلمين عيد في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة، يجتمعون فيه على زيارة ربهم، ويتجلى لهم فيه، ويوم الجمعة يُدعى في الجنة يوم المزيد. ويوما الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة، ويشارك النساء الرجال فيهما، كما كنَّ يشهدن العيدين مع الرجال من دون الجمعة. هذا لعموم أهل الجنة، فأما خواصها فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم بكرة وعشياً. عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل، فأحدثهم عهداً بالنظر إليه، عز وجل، في كل جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر، ويوم النحر. قال الدارقطني: أخبرنا الحسن بن إسماعيل، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبدة، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي ذيب، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن الله يتجلى للناس عامة، ويتجلى لأبي بكر خاصة. وورد في «المغني» أن علي بن عبدة وضّاع، وقلتم في تأليفكم «النكت البديعات على الموضوعات» إن للحديث طريقاً على شرط الشيخين الحسن، وأخرجه الحاكم في «المستدرك» بلفظ يتجلى للخلايق، فلم لم يستدلوا به على رؤية الملائكة يوم القيامة على ذينك الحدثين؟ واللفظ الأول يستدل به على الرؤية لبني آدم مطلقاً، الرجال والنساء، في العيد وغيره، وأنه ليس مقيداً بوقت معلوم، وهو حسن الاستدلال. والتجلي شامل للخلق بأسرهم، الجن والأنس والملائكة والذكور والإناث». يقول تعالى في محكم كتابه: (وَالْمُؤْمِنُونَ، وَالْمُؤْمِنَاتُ،بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ). فهل الخطاب الشرعي بوصفه تكاليف (أحكام شرعية) تمت إناطته بالرجل من دون المرأة؟ وفق بنية خطاب تُنحي المرأة جراءة عن الاضطلاع بمهام تلقيه، بحسبان الرجل في النص القرآني؟ وهل الرجل وحده هو المخاطب ب «النَّاسُ» المكررة 190 مرة. و«عِبَادِيَ» المكررة 17 مرة، في الأثناء التي تبقى فيها المرأة غائبة تكليفاً؟ وهل المرأة، وهي تأتي تبعاً للرجل في إنابته عنها بالخطاب التكليفي، ستنأى بنفسها عن المحاسبة في الدنيا والآخرة، إذ سيضطلع الرجل من دون غيره بتلقي المحاسبة والثواب بالإنابة عن المرأة؟ إن قضية زعم بعض الجهلة بأن الله، جلّ وعلا، قد انتقص من حقوق النساء المسلمات في الحياة الدنيا لا يقبلها عاقل؛ لأن الله تعالى منزه عن الظلم، وعادل في خلقه أجمعين، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ)، فكيف به، عز وجل، أن ينتقص من حقوقها في الآخرة، يوم الجزاء والثواب؟ أخرج سعيد بن منصور، وعبد الرزاق، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، عن أم سلمة قالت: «يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). قالت الأنصار: هي أول ظعينة قدمت علينا». وأخرج ابن مردويه، عن أم سلمة قالت: «آخر آية نزلت هذه الآية (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). المرأة تندرج في الخطاب الإلهي تحت اسمي «عبادي» و«الناس»، وبالتالي فثوابها مثل ثواب الرجل، ورؤيتها للذات الإلهية يوم القيامة حق لها. فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: «ما من عبد يقول: يا رب، يا رب، يا رب، ثلاث مرات إلا نظر الله إليه». * باحث في الشؤون الإسلامية.