أظهر واحد من كبار أساقفة الكنيسة القبطية في مصر غضباً عارماً بسبب إغلاق كنيسة في قرية في محافظة المنيا، جنوبالقاهرة، محملاً الأجهزة الأمنية مسؤولية غلق الكنيسة، في انتقاد علني نادر للأمن على لسان مسؤول كنسي. وقال أنبا مكاريوس أسقف عام المنيا وأبوقرقاص في تصريح نشره على حسابه على موقع «فايسبوك» إن «الأجهزة الأمنية مستمرة في غلق كنيسة قبطية في قرية «كدوان» في المنيا. بعد مرور شهر كامل على واقعة الغلق، بذلنا كل المحاولات ولم نفلح، فبنفس المنطق والمبررات تمنع أجهزة الأمن الأقباط من ممارسة الشعائر بقرية كدوان في المنيا، بدعوى اعتراض بعض المعترضين في القرية، وأنه من الواجب أن تراعي مشاعرهم، في حين لا قيمة لمشاعر الأقباط، الذين لا يطلبون سوى أن يصلوا، وكأن القرار صار للمعترضين، وليس لدولة عظيمة مثل مصر ذات سيادة وقانون». وأضاف الأنبا مكاريوس: «نحاول إيجاد أية أماكن لإقامة الشعائر الدينية، حتى لا نخرق حظر تنقل الأقباط، وتلافياً لأخطار محتملة... قد تكون تلك الأماكن قاعة أو منزلاً أو حتى حجرة بسيطة رديئة التهوية، لكن حتى هذا ممنوع أيضاً، مع أن الدستور يكفل حق العبادة، إلا أنه ممنوع على أرض الواقع، وذلك بإرادة شخصية لبعض المسؤولين المحليين، بل إن الأمر في أكثر الأوقات صار أشبه بتتبع الأقباط لمنعهم من الصلاة، بل قد يصل الأمر إلى استخدام القوة ضد الشعب ورجال الدين». وقال: «مع أن دستور الدولة يؤكد حرية العبادة، ومع أن توجهات وتوجيهات الرئيس هي تحقيق العدل والمساواة وتوطين السلم والاستقرار في أركان البلاد، إلا أنه وللأسف الشديد لا تزال المعاناة كما هي، المنهج هو المنهج، والآلية هي ذات الآلية، وفي كل مرة نواجه نفس السيناريوات والمبررات البغيضة، من قبيل أن الوضع محتقن أو الحالة الأمنية لا تسمح، وربما كان ضمير بعض المسؤولين هو الذي لا يسمح». وقال المسؤول الكنسي: «العادة هي ألا تسمح لنا الأجهزة بالطرق الرسمية بفتح ما هو مغلق، وممنوع كذلك إقامة مبنى جديد أو كنيسة، ولم نعد من سنين نبني كنيسة كاملة (بالقباب والمنائر والصلبان والأجراس)، والأماكن التي يدعي بعض المسؤولين أنهم قاموا بتوفيق الأوضاع لها، هي في الواقع أماكن تمارس فيها الشعائر من سنوات وهي أيضاً أماكن يرثى لها كثيراً بسبب ضيقها وموقعها الجغرافي. لدينا ما يزيد على 15 مكاناً مغلقاً بأمر أجهزة الأمن، على رغم وجود طلبات رسمية حبيسة الأدراج، وكذلك نحو 70 قرية بلا أماكن للصلاة»، مضيفاً: «بالعودة إلى قرية كدوان موضوع الأزمة، فإن الأقباط والمسلمين هناك لا خلاف بينهم، والمعترض منهم إن وجد يتعلل بضرورة الحصول على تصريح أمني، وبغض الطرف عن كونه محقاً في اعتراضه أم لا، فإن الأجهزة بدلاً من الرد بأن هذا شأن مؤسسات الدولة، أو التصريح بالصلاة كحق شرعي، فإنها تؤكد منع الصلاة، وفيما تفعل ذلك تؤكد في الوقت ذاته أن المعترض على حق في ما ذهب إليه. وفي الحقيقة فإن الإذعان لإرادة المعترضين مع شأنه تأجيج الفتنة بين المسلمين والأقباط وزرع الخصومات، وتعميق الخلاف، وليس منعها كما يتخيل البعض». والأنبا مكاريوس يتولى أسقفية المنيا وهو رأس الكنيسة في تلك المحافظة التي تشهد من حين لآخر نزاعات طائفية تخرج في كثير من الأحيان عن السيطرة. وفي أعقاب فض اعتصامات جماعة «الإخوان المسلمين» في آب (أغسطس) من عام 2013، نال المنشآت الكنسية في المنيا خصوصاً أكبر قدر من التدمير والتخريب، وطاولت الاعتداءات بيوت وممتلكات خاصة للمسيحيين هناك. وانتقاد مسؤول كنسي بحجم أسقف المنيا أجهزة الأمن في تصريح علني أمر نادر، إذ غالباً ما تكتفي البيانات الرسمية بسرد وقائع المشكلة وطلب حلها، من دون التطرق إلى مثل تلك الانتقادات الحادة. وحدة التصريح والاتهامات الصريحة الموجهة من الأسقف للأمن تُرجح أن بابا الأقباط تواضروس الثاني على علم بالأمر. وقال محامي الكنيسة إيهاب رمزي ل «الحياة»، إن الأنباء مكاريوس سرد تفاصيل غلق كنيسة قرية «كدوان» للبابا تواضروس الثاني، وهو مستاء من تلك التصرفات. واعتبر أن حدة البيان تعبر عن حجم الغضب الذي يعتري الكنيسة بسبب الظلم الواقع على الأقباط، خصوصاً في المنيا التي تترعرع فيها التيارات المتطرفة، والتي «تعاني أيضاً من سوء اختيار القيادات الأمنية، حيث دائماً ما يأتي إليها من يحمل في داخله ضغينة للأقباط وهو ما يأزم دائماً العلاقة بين المسيحيين والمسلمين». وأوضح رمزي أن قانون بناء الكنائس الذي أقر العام الماضي لم يفعل حتى الآن ولم تصدر لائحته التنفيذية، وكان يفترض أن تنظر لجنة أقر القانون تشكيلها مشكلات مقرات دور العبادة التي لا تحمل تراخيص. وأشار إلى أن قرية كدوان التي تضم ونجوعها 1200 مسيحي فيها كنيسة تم اقتحامها في عام 2012 من قبل متطرفين، وبعدها لجأ المسيحيون إلى الصلاة في كنائس قرى مجاورة، بمساعدة الأسقفية التي كانت تُرسل حافلات لنقل المسيحيين إلى تلك الكنائس، لكن بعد الأخطار المحدقة بالأقباط بسبب تهديدات «داعش» وطلب الأمن عدم تنقل المسيحيين في مجموعات، في أعقاب قتل عشرات منهم خلال رحلة لدير في صحراء المنيا قبل شهور، اضطر المسيحيون في قرية «كدوان» إلى الصلاة في منازلهم، حتى تبرع أحدهم بمقر مساحته 32 متراً فقط، عبارة عن غرفة، كي يتجمع فيها المسيحيون ويقيمون شعائرهم الدينية، لكن المفاجأة أن أجهزة الأمن منعتهم من الصلاة في هذا المكان، وأخلته من المصلين وطلبت من الكاهن عدم الصلاة فيه مجدداً، ما أثار استياء أسقف المنيا لهذا التصرف. وأضاف رمزي: «الأمر الآن أن مسيحيي كدوان غير مسموح لهم بالانتقال للصلاة في كنيسة مجاورة ولا فتح كنيسة قريتهم، ولا التجمع في غرفة في القرية للصلاة، وحجة الأمن دائماً أن بعض أهالي القرية معترضون على فتح كنيسة في قريتهم، وأن السلطات تخشى من رد فعل المتشددين، وكأن الأجهزة تُخوف الأقباط بالتطرف... هذه التصرفات في الحقيقة تغذي التطرف والتشدد ما يتسبب ذلك في تفاقم المشكلات الطائفية وزرع الفتنة ويُعطي رخصة وشرعية للمتشددين في التصدي للأقباط. في الحقيقة العذر أقبح من الذنب، ومن المخزي أن يتحجج الأمن بالمتطرفين لغلق الكنائس».