«للتذكرة فقط... سيادة الرئيس: الأقباط مصريون. المنيا محافظة مصرية»، كتب أسقف المنيا وأبو قرقاص الأنبا مكاريوس في تدوينة تعليقاً على مقتل شاب مسيحي في اشتباكات طائفية شهدتها قرية طهنا الجبل في محافظة المنيا (جنوبالقاهرة). الأسقف الذي ذرف الدموع خلال تشييع جثمان قتيل تلك الأحداث، تعهد أمام غضب المشيعين بألا تترك الكنيسة حقه، فيما كان مئات يُرددون من داخل كنيسة مار مينا في القرية الفقيرة هتاف الثورة: «يا نجيب حقهم، يا نموت زيهم». وشيع مئات من أهالي القرية الشاب المسيحي أول من أمس ورفعوا صليباً كبيراً وهتفوا: «بالروح بالدم نفديك يا صليب» و «افرحي يا أم الشهيد... النهاردة ليلة عيد»، وسط تواجد أمني كبير في القرية لمنع حدوث أي اشتباكات. وقُتل شاب مسيحي وجُرح 3 آخرون بينهم امرأة في اشتباكات طائفية شهدتها قرية طهنا الجبل في المنيا بسبب شجار أطفال، وفق محاضر الشرطة التي ذكرت أن طفلاً مسلماً كان يمر بعربة تقودها دابة في القرية، وطلب من أطفال مسيحيين يلهون أمام منازلهم إفساح الطريق، فحدث شجار بينهم، «استقوى فيه كل طرف بذويه، فاندلعت اشتباكات بين المسلمين والأقباط، قُتل خلالها شاب قبطي طعناً وجُرحت سيدة ورجلان». لكن أقباط القرية ليسوا مقتنعين بتلك الرواية. وقال رجل من سكان القرية اكتفى بذكر اسمه الأول إسحاق في اتصال هاتفي مع «الحياة»، إن «تعلية واجهة كنيسة القرية هي السبب الحقيقي في تلك الاعتداءات». وأضاف: «ليس شجار الأطفال السبب، لكن بداية تعلية المنارة وتوسعة الكنيسة وبناء مبنى للخدمات إلى جوارها». ويجاوز كنيسة القرية مبنى كبير تحت الإنشاء وفي مدخلها توجد معدات بناء. وقال إسحاق إن «شباب القرية من المسلمين غضبوا لبناء مبنى الخدمات ورفضوا تعلية المنارة... وقالوا: مش كفاية سايبين (تركنا) لكم الكنيسة». واعتبر أن الشجار أمام منزل القس متاؤس نجيب حنا راعي كنيسة مار مينا في القرية كان مفتعلاً للاعتداء عليه وعلى أسرته بسبب نشاطه في القرية. وبعدما انتهى الأنبا مكاريوس من تشييع قتيل قرية طهنا الجبل، التقى في المطرانية أهالي من قرية أبو يعقوب في المحافظة ذاتها دُمرت منازلهم في اعتداءات من مسلمين في القرية بسبب إشاعة عن تحويل منزل إلى كنيسة. وأبلغ الأسقف، وفق بيان للكنيسة، المتضررين باهتمام بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني بقضيتهم، وأن «هناك اتصالات مستمرة مع المسؤولين لتعويض المتضررين واتخاذ الإجراءات القانونية في تلك الأحداث». وتعاقبت الأحداث الطائفية في المنيا في شكل مضطرد في الأسابيع الماضية. وشهدت قرى في المحافظة اشتباكات طائفية بسبب إشاعات عن بناء كنائس، آخرها مساء الجمعة في قرية أبو يعقوب، ما أسفر عن تدمير منازل 5 أقباط، وتوقيف 15 مشتبهاً بهم. وظلت المحافظة في بؤرة الأحداث في أيار (مايو) الماضي إثر أحداث عنف على خلفية إشاعة عن علاقة بين مسيحي ومسلمة، قام على إثرها 300 شخص بإحراق منازل مسيحيين في قرية الكرم. ورصدت «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» في بيان، 77 واقعة توتر وعنف طائفي في محافظة المنيا وحدها منذ الثورة في العام 2011، لا تشمل الأحداث التي أعقبت فض اعتصامي أنصار الرئيس السابق محمد مرسي في آب (أغسطس) 2013. وقالت المبادرة في بيان: «يجب صدور تعليمات واضحة عن مؤسسات الدولة بتطبيق القانون في ما يخص الجرائم الجنائية، وأن تلتزم أجهزة الأمن والنيابة العامة القبض على المتورطين والمحرضين على العنف الطائفي والتحقيق معهم تمهيداً لتقديمهم إلى العدالة». وطالبت باتخاذ «إجراءات فورية لتقنين أوضاع الكنائس والمباني الكنسية القائمة، والتي تقام فيها الشعائر الدينية من دون تراخيص، وكذلك طرح قانون بناء الكنائس والمباني التابعة لها، المقرر طرحه في مجلس النواب للنقاش المجتمعي الجاد، وأن تتاح الفرصة للمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني للدخول في حوار فعال في شأن بنود القانون ولائحته التنفيذية لضمان صدور قانون يضم قواعد وشروطاً موضوعية وعادلة ومعبرة عن حاجات قطاعات من المواطنين». ويبدأ مجلس النواب خلال أيام مناقشة مشروع قانون بناء دور العبادة للمسيحيين الذي نوقش على مدى شهور بين الحكومة ومجلس كنائس مصر. ويعد بناء الكنائس من أبرز أسباب التوترات الطائفية، خصوصاً في الريف. ولا تملك نسبة كبيرة من الكنائس المشيدة في السنوات الماضية تراخيص بناء رسمية، لكنها بُنيت بموافقة السلطات المحلية وبعد موافقة الأمن الذي يملك اليد الطولي في هذا الملف، ومُخصصة لغالبيتها حراسات أمنية. وتُلزم المادة 235 من الدستور مجلس النواب في أول دور انعقاد له بإصدار قانون لتنظيم بناء الكنائس وترميمها بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين شعائرهم الدينية. وقال الباحث في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» إسحاق إبراهيم، إن «الاحتقان لدى المسيحيين يزيد بسبب تكرار الاعتداءات عليهم من دون رادع. وهناك تجاهل رسمي لتلك الاعتداءات وتعنت من الجهات الأمنية والتنفيذية خصوصاً في منح تراخيص ترميم وإنشاء الكنائس». وأضاف ل «الحياة» أن «السلطات فشلت في التعامل مع الملف بسبب غلبة وجهة النظر الأمنية». وقال الأزهر في بيان رسمي تعليقاً على أحداث قرية طهنا الجبل، إن «أبناء مصر نسيج واحد، وعلى طرفي المشاجرة تحكيم لغة العقل والاحتكام إلى القانون وعدم إعطاء فرصة لبعض النفوس المغرضة التي تحاول بث الفرقة وإشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد». لكن أسقف المنيا وأبو قرقاص الأنبا مكاريوس رفض وصف الأحداث بأنها «مشاجرة». وقال ل «الحياة» إن «ما حدث اعتداء وليس شجاراً. نقطة البداية يجب أن تكون معاقبة المعتدين والمقصرين... كل مرة يفلت فيها الجناة من العقاب يتشجع آخرون على ارتكاب مزيد من الجرائم». ودعا المفتي شوقي علام في بيان أهالي قرية طهنا الجبل إلى «ضبط النفس ومواجهة محاولات من يريدون الوقيعة وإثارة الفتن الطائفية بين أبناء الوطن الواحد». وقال في بيان: «ندعو جميع الأطراف من أهالي القرية سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين إلى ضبط النفس، حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه، وعليهم تغليب المصلحة الوطنية».