بدأت المؤسسات والمصارف السويسرية الكبرى بالابتعاد من مؤسسات الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أسوة بالمؤسسات الأميركية التي ابتعدت بعد العقوبات التي فرضتها سلطاتها على فنزويلا، وازدياد وتيرة التهديدات التي كان آخرها التلويح بالتدخل العسكري الأميركي. وباشر «كريدي سويس»، ثاني أكبر مصرف سويسري لجهة الأصول بعد مصرف «يو بي أس»، إجراءات تستهدف حكومة كاراكاس اعتماداً على اعتبارات غير سياسية ظاهرياً، إنما ذات علاقة بسمعة المصرف السويسري الدولية. وتأتي هذه الخطوة المصرفية السويسرية بعدما قررت حكومة واشنطن منع كلّ رجال الأعمال الأميركيين من إقامة علاقات تجارية مع حكومة كاراكاس. ويدرس الخبراء المصرفيون السويسريون حالياً، وأولهم أولئك التابعون لمصرف «كريدي سويس»، إعادة تقويم العلاقات التجارية مع حكومة مادورو والمؤسسات التابعة لها. وأوقف المشغلون التابعون للمصرف المعاملات الخاصة بنوعين من السندات: الصادر مباشرة عن حكومة كاراكاس، والصادر عن شركة «بترولويس دي فنزويلا» الحكومية. ويبدو أن مصرف «كريدي سويس» ينوي الابتعاد من موقف محرج جداً تعرض له مصرف «غولدمان ساكس» الأميركي، الذي اشترى في نهاية أيار (مايو) الماضي، سندات حكومية فنزويلية بقيمة 2.8 بليون دولار مع خصم شرائي رسا على 70 في المئة. ويفيد الخبراء في العاصمة برن، بأن مصارف سويسرا الكبرى الأخرى، على غرار «يو بي أس» و «يوليوس بير» ستمنع مشغليها خلال الشهر الجاري من التداول بمنتجات المال الفنزويلية الصادرة بعد حزيران (يونيو). ويتوقع المحللون أن تتوسع الإجراءات السويسرية أمام فنزويلا لتشمل الشركات السويسرية الخاصة أيضاً. وتأتي هذه الإجراءات في محاولة من المؤسسات السويسرية لتجنب مواجهة أخرى مع الولاياتالمتحدة، إذ دفع مصرف «كريدي سويس» عام 2009، مبلغاً وصل إلى 536 مليون دولار لتسوية قضية قانونية مع حكومة واشنطن ناجمة من تعامله مع دول فرضت أميركا عليها عقوبات اقتصادية على رأسها إيران. ولافت أن المستثمرين السويسريين في قطاع المواد الأولية كالذهب مثلاً، يخشون انعكاس العقوبات الدولية بحق فنزويلا على نشاطاتهم هناك، خصوصاً أن احتياطات فنزويلا من الذهب تتخطى سبعة آلاف طن. وتخطط تسع شركات متعددة الجنسية، يضم بعضها رؤوس أموال سويسرية، لمباشرة نشاطات التنقيب والإنتاج داخل 14 منطقة معروفة باسم «أركو مينييرو»، حددتها لهم حكومة كاراكا، مع الإشارة إلى أن الأخيرة لديها 65 في المئة من حصص الأسهم في مشاريع استخراج الذهب وإنتاجه، وفقاً للقوانين المحلية. وسيشكل منع حكومة برن المستثمرين السويسريين من التعامل مع فنزويلا، ضربة قاسية لهم، خصوصاً أن فنزويلا تُعتبر حالياً من الأسواق الواعدة جداً في مجال استخراج الذهب، إذ تحتل المرتبة الأولى في أميركا اللاتينية في هذا المجال، كما من المتوقع أن يرتفع الإنتاج خلال السنة الجارية في فنزويلا 20 في المئة وصولاً إلى 100 طن سنوياً وهو مستوى لم تصل إليه أي دولة بعد باستثناء جنوب أفريقيا المنتجة الأولى للذهب عالمياً. يُذكر أن الخلاف اشتد بين الولاياتالمتحدةوفنزويلا بعد انتخاب «جمعية تأسيسية» احتكرت السلطات في فنزويلا، وتحظى بصلاحيات واسعة بينها صوغ دستور جديد وحلّ البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة. وتعيش فنزويلا اليوم على وقع احتجاجات متصاعدة منذ نيسان (أبريل) الماضي أوقعت أكثر من 235 قتيلاً.