أصبح مفهوم السياحة البيئية من أهم النشاطات الاقتصادية، ومن أكثر مفاهيم التنمية المستدامة نمواً وانتشاراً في العالم، والتي تعمل على توفير دخل ووظائف وعملة صعبة وخدمة المجتمعات المحلية، إضافة إلى المحافظة على عناصر البيئة الطبيعية. وقد أصبح هناك اعتماد على السياحة البيئية كمصدر رئيسي للدخل والتنمية في دول كثيرة. في الأردن، لا يختلف الوضع عن باقي الدول، إذ أصبحت السياحة البيئية أمراً مهماً. وقد أولت الحكومة والقطاع الخاص هذا الجانب اهتماماً واضحاً وأصبحت السياحة البيئية عنصراً رئيسياً في خطط السياحة الوطنية حيث تعتبر المحميات الطبيعية التي تديرها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة مركزاً للسياحة البيئية، باعتبارها نشاطاً تنموياً متعدد الفائدة يساهم في حماية الطبيعة ويوفر فرص عمل للمجتمع المحلي. محمية ضانا للمحيط الحيوي لا يمكن زائر محمية ضانا أن يقاوم سحر تلك المنطقة التي تحتوي تضاريس جبلية فريدة من نوعها، وقرية قديمة مبنية على هضبة تطل على واد سحيق من أجمل الأودية التي تمكن مشاهدتها. وقال مدير المحمية المهندس عامر الرفوع أن المحمية التي تأسست عام 1989، تعد أكبر محمية طبيعية تديرها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، حيث تبلغ مساحتها 292 كم مربعاً من المناظر الخلابة إلى التضاريس المتعرجة التي تواجه حفرة الانهدام. ولفت خلال جولة للإعلاميين دعت إليها الجمعية الملكية لحماية الطبيعة إلى أن المحمية تمتد على سفوح عدد من الجبال من منطقة القادسية التي ترتفع أكثر من 1500 متر عن سطح البحر وتنخفض إلى سهول ووديان كوادي عربة. ويتخلل جبال المحمية بعض الوديان المتميزة بطبيعتها الخلابة وتنوع التركيبة الجيولوجية ما بين الحجر الجيري والغرانيت. وذكر أن ضانا هي المحمية الوحيدة في الأردن التي تحتوي على الأقاليم الحيوية الجغرافية الأربعة: إقليم البحر الأبيض المتوسط، الإقليم الإيراني - الطوراني، إقليم الصحراء العربية والإقليم السوداني. لذلك، فهي أكثر المناطق تنوعاً في الأردن من ناحية الأنظمة البيئية والأنماط النباتية مثل نمط العرعر ونمط البلوط الدائم الخضرة ونمط نبت الكثبان الرملية ونمط النبت السوداني وغيرها كثير. كما تتميز المحمية بأنها موئل ما تبقى من غابات السرو الطبيعية المعمرة. وبيّن الرفوع أن هناك نحو 216 نوعاً من الطيور في المحمية، مشيراً إلى أن الأردن يعتبر ثاني أهم مسار للطيور في العالم. ومحمية ضانا تقع ضمن هذا المسار وهناك أنواع من الطيور لا توجد إلا في الأردن كالنعار السوري الموجود في المحمية، إضافة إلى وجود 38 نوعاً من الثدييات مسجلة في المحمية. إضافة إلى وجود 98 موقعاً أثرياً داخل حدود المحمية. وقال أن الجمعية الملكية لحماية الطبيعة اتخذت عام 1994 خطوات رائدة في محاولة للحفاظ على التنوع البيولوجي الثمين الموجود في ضانا، وبتمويل من صندوق البيئة العالمي، حيث إنها وضعت أول خطة لإدارة المناطق المحمية في الأردن، وجعل محيط محمية ضانا الحيوي نموذجاً متكاملاً للحفاظ على البيئة، إضافة إلى التنمية الاجتماعية الاقتصادية. وأشار إلى أن الخطة حددت الأهداف والاستراتيجيات والأولويات التي تسعى في نهاية المطاف إلى إيجاد توازن بين حماية عجائب ضانا الطبيعية وتلبية احتياجات السكان المحليين، مبيناً أن هذه الاستراتيجية تقوم غالباً على مفهوم تقسيم المناطق، وتحديد تلك التي يمكن أن تقام فيها النشاطات، الأمر الذي يتيح المجال للرعي ولإقامة الفاعليات الترفيهية على حد سواء. ومن خلال اتباع هذا النهج، أصبحت محمية ضانا الموقع السياحي الأول في مجال السياحة التي تتحمل المسؤولية البيئية، مشدداً على أن المحمية ليست منطقة مغلقة فهي مقسمة إلى ثلاثة أقسام: الأول ومساحته 28 في المئة من مساحة المحمية وهو مخصص للأبحاث والدراسات والتفتيش ولا يمكن أي شخص الوجود فيه. أما الثاني فيمكن القيام فيه بنشاطات عدة كالمخيم ويطلق عليه اسم منطقة استخدام شبه مكثف حيث يمكن القيام بالنشاطات السياحية، ويمكن الأهالي القيام بنشاط الرعي خلال فترات محددة من العام. وبالنسبة إلى الجزء الثالث فهو يستخدم على مدار العام ويسكنه المواطنون ويقومون بنشاطات مختلفة ويطلق عليه اسم منطقة الاستخدام المكثف. وأكد أن المحمية بأجزائها كافة تراقب من خلال مفتشين على مدار العام وعددهم 15، وجميعهم من الأهالي للمحافظة على طبيعة المنطقة وحمايتها من أي خطر. وحتى الآن، تلقت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة جوائز عالمية كثيرة لنجاحها في تخفيف حدة الفقر للمجتمعات المحلية وخلق فرص عمل، ولجهودها في المحافظة على الطبيعة التي تشمل التهديدات الرئيسية لبيئة المنطقة، والتي لا تزال تعاني من الرعي الجائر وقطع الأخشاب والصيد. ولفت إلى أنه قبل أن يتم إنشاء المحمية كان يزور المنطقة 500 زائر. أما الآن فيزور المحمية والقرية ما يقارب 120 ألفاً سنوياً. وأشار إلى أن المجتمع المحلي استفاد العام الماضي من وجود المحمية بنحو مليون وستمائة ألف دينار بطريقة مباشرة من خلال الرواتب أو غير مباشرة من طريق المشتريات وغيرها. ووفرت المحمية 85 فرصة عمل للمجتمع المحلي، إذ لا يتم توظيف أي شخص من خارج المنطقة في الوظائف المتوافرة للمساهمة في تنمية المجتمع وإيجاد دخل لأهل المنطقة والاستفادة من المشاريع التي تقام في منطقتهم. من جهة أخرى، قال مدير سياحة محمية ضانا رائد الخوالدة أن المحمية تتميز بالتنوع الحيوي، وأشار إلى أنها تحتضن أكثر من 830 نوعاً نباتياً، ثلاثة منها تم تسجيلها لأول مرة في المحمية، حيث حملت اسم ضانا في أسمائها العلمية باللغة اللاتينية، مبيناً أن المحمية تتميز بتنوع فريد وكبير في الحياة البرية بما فيها أنواع نادرة من النباتات والحيوانات. فهي موطن كثير من أنواع الطيور والثدييات المهددة عالمياً مثل النعار السوري والعويسق والثعلب الأفغاني والماعز الجبلي. وتعتبر المحمية من أفضل الأماكن في العالم التي تدعم وجود النعار السوري. المرافق السياحية وذكر الخوالدة أنه تم إنشاء مرافق سياحية تساعد الزوار على الاستمتاع بسحر المكان والحصول على الخدمات اللازمة كافة. فالسائح إما أن يقيم في بيت الضيافة أو مخيم الرمانة أو في نزل فينان، حيث يقع بيت الضيافة في مركز ضانا، وقد كان عبارة عن سكن للباحثين وتم تحويله إلى بيت للضيافة بعد توسعته أخيراً، ويحتوي على 23 غرفة، وغرفة عامة للزوار. ويتم توفير وجبات الطعام في هذا المرفق، إضافة إلى أدلاء سياحيين ومعلومات شاملة عن المحمية. ولفت إلى أن 85 في المئة من زوار بيت الضيافة أجانب و15 في المئة عرب. ويستقبل بيت الضيافة الزوار على مدار العام ويُنار من خلال الطاقة الشمسية. أما مخيم الرمانة فهو صديق للبيئة وفي موقع نادر وجميل للغاية داخل المنطقة الرئيسية من المحمية، ويقع على هضبة منبسطة ذات إطلالة متميزة على وادي الأردن يمكن الوصول إليه فقط باستخدام حافلة خاصة. ويحتوي المخيم على 25 خيمة مجهزة للمبيت تنقسم إلى الخيم الاقتصادية وخيم الديلوكس، ويستوعب 135 زائراً يومياً، قرابة 60 للمبيت و75 للزيارات النهارية. ويمتاز المخيم بإطلالة ساحرة على جبال ضانا بأجواء بعيدة من الضوضاء، إضافة إلى خيمتين بدويتين كبيرتين ومنطقة خارجية للطعام وحمامات مشتركة. وتم تجهيز كل خيمة بفرشات وبطانيات ووسائد. وتحتل أماكن مراقبة الطيور أنحاء من المخيم وأخرى لمشاهدة الحيوانات البرية، إلى جانب أماكن لمراقبة النجوم ليلاً. ويتيح المخيم للزوار الاستمتاع بأجواء ربيعية في أحضان جماليات الطبيعة الأخاذة. ويتم تقديم الوجبات العربية التقليدية أيضاً بناء على الطلب في مطعم المخيم. ويستقبل المخيم الزوار من 15 آذار (مارس) وحتى 31 تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام. والمرفق الثالث هو نزل فينان البيئي الذي تأسس عام 2005 في منطقة فينان (100 كم جنوب البحر الميت)، وتم تصميمه كموقع سياحي فندقي يعكس موروث المنطقة، بخاصة قرية ضانا، إضافة إلى افتتاح بيت ضيافة في منطقة فينان يضم أكثر من 26 غرفة لاستقبال الزوار. ويركز على ترويج منطقة فينان المشهورة بآثار تعدين النحاس، والحضارات القديمة التي سكنت المنطقة. وينار النزل بالشموع والطاقة الشمسية، إذ تعد فينان ثاني أهم موقع أثري في الأردن بعد البتراء. وتم اختيار نزل فينان البيئي واحداً من أفضل خمسة مواقع للسياحة البيئية في العالم، وفاز بجوائز عدة كأفضل نزل بيئي صحراوي. في إمكان الزائر القيام بنشاطات عدة كمراقبة الطيور وذلك خلال موسم الهجرة الربيعية والخريفية، إضافة إلى نشاطات المسير والتسلق مع وجود مسارات بعضها قصير لا يتجاوز الساعة وبعضها طويل يمتد ليوم كامل، إضافة إلى مسار سياحي طويل وصعب لكنه ممتع جداً يصل بين وادي ضانا والبتراء ويستغرق خمسة أيام. وكل المسارات توفر مناظر طبيعية مذهلة وتشكيلات صخرية من الصعب مشاهدتها في أماكن أخرى. المشاريع الاقتصادية وقد وفرت المحمية وظائف عدة لأهالي المنطقة، حيث تم إنشاء مشاغل لتساهم في التنمية الاقتصادية المحلية كمشغل ضانا للحلي الذي تعمل فيه سيدات ضانا على تشكيل الحلي النحاسية والفضية والبرونزية المصنعة يدوياً، حيث يقمن باستيحاء التصاميم من الحياة البرية والطبيعة الخلابة. إضافة إلى مشغل ضانا لتجفيف الفواكه، حيث تعتبر أشعة الشمس الساطعة في قرية ضانا بيئة مثالية لنمو الفواكه. لذلك، تقوم سيدات القرية بزراعة الفواكه ومن ثم تجفيفها تحت أشعة الشمس الذهبية لتصبح أفضل وجبة خفيفة للعائلة. وهناك أيضاً مشغل فينان لتشكيل الشمع على شكل زهرة أو ورقة شجر أو شريحة برتقال، جميعها تدخل في تصاميم الشمع المستوحاة من عبق الأرض وحب الطبيعة. إلى جانب مشغل فينان للجلود، حيث تعمل النساء البدويات في وادي فينان على صناعة فوانيس الشمع وصناديق الطبيعة، إضافة إلى الهدايا المميزة المصنوعة من جلد الماعز. ومن الجدير ذكره أن محمية ضانا صنفت محمية محيط حيوي على مستوى العالم من اليونيسكو، وهي أول محمية تحصل على هذا التصنيف. وللحصول على هذا التصنيف يجب توافر شروط منها برامج حماية ودراسات وتفتيش، إضافة إلى تنمية المجتمع المحلي وتقسيم المحمية إلى ثلاث مناطق: مغلقة، استخدام شبه مكثف، استخدام مكثف... هي من ضمن المعايير المهمة لليونيسكو لتصنيف المحميات.