ينهمك الحرفي زيد محيسن لساعات طويلة في عمله، لا يأبه للتعب ولا حتى لشرارات النار المنبعثة من احتكاك الحديد، غير أن الصوت الصادر من آلة الحدادة هو سيمفونية تحمل عظمة الماضي والحاضر في آن واحد بالنسبة اليه. يقضي محيسن البالغ من العمر 45 سنة صباحه ومساءه وهو يشكل من الحديد والمعادن سيوفاً وخناجر لها من الزخارف والأحجام ما لا يعد ولا يحصى، ويصنع لها مقابض يومياً لعل وعسى أن يقبض على صناعة لطالما أحبها ووجد فيها رائحة الماضي والأجداد خوفاً من تلاشيها تماماً. ففي وسط العديد من الحرف الحديثة والتقليدية في قاع مدينة عمّان، ثمة صناعة قديمة لها رونق مختلف وطابع يعيدك إلى مئات السنين، إلى أيام السيف والخنجر، لُقبت بسيدة الصناعات وأكثرها هيبة. واجهت هذه الصناعة اندثاراً سريعاً خلال السنوات الماضية، إلا أن هناك من يحاول دوماً إنعاشها ونفض الغبار عنها. وفي الأردن تحديداً هي صناعة قديمة احتكرتها عائلات أردنية أبرزها عائلة الهوشاني شمال البلاد والمحيسن في الوسط والجنوب. امتازت عائلة المحيسن الأردنية بالصناعة اليدوية منذ عشرات السنين، بدءاً من قص الحديد الفولاذي وصقله مروراً بالرسم والحف والتنعيم وزخرفة الحديد وتلميعه، صناعة تمر في حوالى 40 مرحلة لتظهر بصورتها النهائية المعروفة. وأطول المراحل، هي حف الحديد الذي يحدد هوية السيف أو الخنجر، اذ يختلف الشكل والطول من دولة إلى أخرى، منها الخناجر البدوية الأردنية والشامية والسعودية واليمنية والعُمانية، ناهيك بالخناجر الرومانية والفارسية والشركسية. وتختلف أشكال القطعة سواء كان سيفاً أو خنجراً، عبر التصميم والنقوش، فمنها المعكوف في نهايته والمدبب والأكثر انحناء وأيضاً المزخرف بالأشكال الهندسية والخط العربي المزين بالذهب والفضة، كل ذلك يساعد في تحديد هوية ومكان القطعة. ويقول الحرفي الأردني زيد محيسن ل«الحياة» إن لكل دولة عربية نوعاً خاصاً من السيوف أو الشبرية كما يقال لها باللغة العامية، موضحاً أنه يرى في كل قطعة هوية لدولة عربية ما وعلى رغم ذلك أصبح الزبون الأجنبي يقبل على الشراء أكثر من أبناء البلد. ويعبّر محيسن عن حزنه على صناعة باتت على مشارف الاندثار، خصوصاً أنه هو وإخوته مارسوا هذه الحرفة منذ أن كانوا أطفالاً، مبيناً أن أجداده حرصوا جداً على توريث صناعة السيوف والخناجر إلى أبنائهم. وأضاف محيسن أنه وعائلته آخر من تعلموا هذه الحرفة في عائلة «محيسن» التي اشتهرت بها منذ مئتي سنة، مشيراً إلى أن الأبناء لا يميلون نهائياً إلى تعلم هذه الحرفة حتى لمجرد الهواية.