الحرفي عوض بن علي بن شويل المعروف ب"أبو سعيد" أحد أفراد عائلة آل شويل الذين تخصصوا في صناعة وصيانة الأسلحة التقليدية بأنواعها المختلفة. دائماً ما تراه في دكانه وسط السوق الشعبي في محافظة خميس مشيط، منهمكاً في عمله بكل حب وحماس، بينما يتردد عليه الكثيرون من جميع مناطق المملكة، بل دول الخليج أيضاً، إما بغرض الاستشارة أو الشراء أو إصلاح ما تلف لديهم من أسلحة. لم يكن والد أبو سعيد الوحيد الذي كان يمتهن هذه الحرفة، بل إن جده لأبيه كان يمارس نفس الحرفة بإتقان أيضاً، ولأنه كان يقوم بعمليات إصلاح وصيانة الأسلحة التقليدية مستخدماً اليد اليسرى بمهارة فائقة، فقد أطلق عليه المعجبون بمهارته اسم "شويل"، حتى بات اسماً للعائلة، ومصدر فخر لها حتى وقتنا الحاضر. ويقول أبو سعيد "63 سنة": أمارس هذه الحرفة منذ أكثر من 57 عاماً، وبدأت حياتي الحرفية في صناعة الأسلحة وإصلاحها منذ أن كنت في السادسة من عمري ملازماً لوالدي الذي تعلمت على يديه أصول الحرفة، وعرفت أسرارها في دكان صغير كان مبنيا من الطين اللبن وسط خميس مشيط. وأضاف أنه كان في بداية عمله يقوم بالأعمال البسيطة، مثل التنظيف والتلميع والصقل، وسحب السبائك وأسلاك الفضة لتجهيزها لوالده، إلى جانب عمل العناصر الزخرفية الصغيرة، التي تتطلب وقتاً طويلاً في إعدادها مثل وحدة "الدودة"، والشرائط الزخرفية المختلفة التي تُسمى "تدوالة دوجاني"، و"تدوالة عماني" وغيرها من الشرائط والوحدات الزخرفية التي تزين بها الخناجر. وأشار إلى أنه بعد بلوغه سن الحادية عشرة من عمره عرف أسرار صناعة الأسلحة التقليدية، مثل "الساكتونات" العادية والنارية، وهو الآن يقوم بصيانتها، وإصلاح ما تعرض منها للعطل، وكان يقوم في بداية احترافه للمهنة بفك وتركيب هذه الأسلحة بغرض الكشف عن أسرارها، ومعرفة أدق تفاصيلها، الأمر الذي جعله يتعلم كيف يقوم بإصلاح أعطالها، مكتسباً خبرة عريضة في هذا المجال مع مرور الزمن. وتابع أبو سعيد: إن والده كان يرى أن في هذه الحرفة خيرا كثيرا في ذلك الوقت له ولأبنائه، مستشهداً بالمثل الذي يقول: "حرفة في اليد أمان من الفقر"، ونظراً لأهمية النجارة في عمل مكملات البنادق، وخباء الخناجر والسيوف فقد حرص على أن يتعلم أصولها من نجار باكستاني كان يسكن مقابل منزله قبل أكثر من 40 عاما. وأضاف لأن (الحاجة أم الاختراع) فقد كنت أقوم بإصلاح الأسلحة مستخدماً أدوات تقليدية أصنعها بنفسي، وبعد ظهور الماكينات والمخارط تدربت عليها ووظفتها بشكل جيد في الحرفة، ولكثرة الطلبات من داخل المملكة وخارجها على الخناجر التي أقوم بصبها (تلبيسها) بالذهب والفضة الخالصة، فقد تطلب ذلك الاستعانة بالعمالة المقيمة في أعمال التجهيز والإعداد، بينما أقوم أنا بالإشراف والمتابعة. وعن تلك العمالة، يقول: قمت بالسفر إلى باكستان لجلب عمالة ماهرة لديها القدرة على تعلم هذه الحرفة، وقمت باختيارهم بنفسي بعد أن أجريت لهم عدة اختبارات، وبعد قدومهم عملت على تدريبهم لأشهر طويلة حتى أتقنوا الحرفة. ويعد الختم على المصنوعات وبخاصة السيوف والخناجر بمثابة شهادة ضمان للمشتري تضمن سلامة الفضة أو الذهب المستخدم في عمليات "التلبيس"، كما أنها تعد علامة تجارية يزداد سعرها بمرور الزمن، ومصدر فخر لمقتني الخناجر يشير إلى أصالة صنعتها وجودة خامتها. وفي سوق الجنابي والسيوف القريب من مركز السوق الشعبي لصناعة الخناجر التقليدية التقينا بالبائع سعيد بن عامر الشهراني الذي كان يعرض أحد الخناجر التي تحمل ختم "أبو سعيد" وقال إن سعر الخنجر يتعدى خمسة وثمانين ألف ريال، وذلك لأنني أستخدم في زخرفته وتلبيسه خامتي الفضة، والذهب عيار 22، وهناك طلب على مثل تلك الخناجر التي يتزايد سعرها مع مرور الزمن. ورغم ذلك المجهود والإخلاص في العمل إلا أن الأمور لا تسير دوما كما يتمنى الإنسان، فهناك الكثير من العقبات التي تواجه تلك الحرفة النادرة، ويقول أبو سعيد أتمنى من الهيئة العامة للسياحة والآثار مزيداً من الاهتمام والتشجيع لهذا النوع من الحرف التي بدأت تندثر. كما طالب وزارة التجارة بإعفائه من تسديد رسوم الغرفة التجارية والزكاة والدخل، ومساعدته وزملائه الحرفيين على دفع إيجارات المحلات التي أرهقت كاهلهم، وحمايتهم من المتسترين على العمالة المقيمة التي تضايقهم في عيشهم، وإلا فسوف يتركون الحرفة لهم كما تركها كثير غيرهم من قبل.