انعكس تأثير القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية على تكاليف تنفيذ مشاريع الإسكان وأسعار المساكن، التي لا تتناسب مع القوة الشرائية. إذ لم تتأثر الشريحة المستهدفة من القطاع الخاص في شكل ملحوظ، في ظل امتلاك غالبيتها سيولة ومدخرات مالية. فيما الشريحة الأقل دخلاً والباحثة عن وحدات تتراوح بين 300 ألف جنيه و400 ألف، هي الأكثر تأثراً بزيادة الأسعار، وبات الملاذ الآمن لها الحصول على وحدة سكنية من التي تطرحها وزارة الإسكان. وتوقعت شركات هدوء الطلب على الوحدات حتى نهاية هذه السنة، إلى حين استقرار الأوضاع وامتصاص الآثار السلبية لتلك الارتفاعات. وتوقعت تأثر الخطط التوسعية لضعف التدفقات النقدية والسيولة. وشهد القطاع العقاري في مصر تحديات، في مقدمها تحرير سعر الصرف برفع أسعار المحروقات للمرة الثالثة، فارتفعت أسعار الوحدات السكنية وتباطأت حركة المبيعات، ما دفع مطورين عقاريين إلى تقديم تسهيلات في السداد لفترات زمنية تصل إلى 10 سنوات، خصوصاً إعادة النظر في الخطط الاستثمارية وتعديل جزء كبير منها بما يتناسب مع تلك التغيرات، وهو ما لم يكن الإسكان الفاخر بمعزل منه مع ارتفاع كلفة تنفيذه التي تخطت الضعف. وأكد العقاريون أن نسبة هذه الشريحة من السوق لا تتجاوز 5 في المئة، ما يجعلها تتناسب مع بعض الفئات التي تملك قدرات شرائية مرتفعة ولا تتأثر بازدياد أسعار الوحدات السكنية، بما يبشر باستمرار توفير هذا النوع من الوحدات، خصوصاً خفض سعرها في مصر مقارنة بأسعارها في الدول العربية. بينما تخاطب الحكومة المصرية ذوي الدخل المتوسط والمحدود والفقراء وسكان العشوائيات. القطاع الخاص يشارك الحكومة كمقاول وتشكل السوق العقارية خير دليل على أهمية هذا القطاع لاستثمارات الأفراد على المدى الطويل، لأنه يُعتبر الاستثمار الآمن للمصريين في كل الظروف، على رغم حال الترقب والتردد التي تواجه قراراتهم في السوق حالياً، بحثاً عن مجال آمن للاستثمار والحفاظ على مدخراتهم تفادياً لأزمات متوقعة، مصدرها معدلات التضخم التي باتت تلتهم القوة الشرائية للمواطنين. وأعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية المستشار هاني يونس في حديث إلى «الحياة»، أن القطاع الخاص «يشارك الحكومة المصرية في نسبة 95 في المئة من مشاريع الإسكان الاجتماعي كمقاول فقط». ولفت إلى أهمية استفادة القطاع الخاص من استحداث الحكومة «برنامجاً مع القطاع الخاص لتوفير أراض لشركات التطوير العقاري لتشييد عدد من وحدات الإسكان لمتوسطي الدخل». وأوضح أن وزارة الإسكان «ستحصل على قيمة بيع تلك الأراضي على شكل وحدات سكنية تناسب شريحة محدودي الدخل، ضمن برنامج الإسكان الاجتماعي، وسيتم البدء في أول تطبيق فعلي لهذا المشروع في مدينة السادس من أكتوبر، عبر توفير ألفي فدان في المدينة لعدد من المطورين العقاريين لتنفيذ المشروع». وبذلك «ستتحقق وفرة في وحدات الإسكان المتوسط، والتي لن يتجاوز سعر الواحدة مليون جنيه». وذكّر يونس بأن الحكومة المصرية «انتهت من تنفيذ 225 ألف وحدة إسكان اجتماعي، مساحة المسكن الواحد 90 متراً مربعاً. كما تُنفّذ حالياً نحو 275 ألف مسكن، وتتجاوز استثمارات ال500 ألف وحدة نحو 150 بليون جنيه». ولم يغفل «الدعم الذي تقدمه الدولة للمواطن المحدود الدخل في سعر الوحدة، إضافة إلى الدعم النقدي الذي لا يرد وتتراوح قيمته بين 5 آلاف جينه و25 ألفاً لكل مستفيد من المشروع». وأشار إلى «تحمل الدولة فروق ارتفاع أسعار الوحدات، نتيجة تحرير سعر الصرف وزيادة أسعار المحروقات ومواد البناء، والتي طرحتها للمواطنين المحدودي الدخل». وكشف وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مصطفى مدبولي، عن «طرح نحو 40 ألف وحدة سكنية ضمن مشروع «سكن مصر» الأسبوع المقبل، في عدد من المدن الجديدة». وأوضح أن «الوحدات المطروحة هي بنظام القرعة العلنية، ومساحة الوحدة 115 متراً مربعاً». وأشار إلى أن «مقدم حجز الوحدات نسبته 10 في المئة وبنظم تقسيط ميسرة، على أن تُسلّم الوحدات خلال سنتين». كما أعلن عن مشروع الإسكان المميز (سكن مصر)، وتبلغ مساحة الوحدات السكنية 115 متراً مربعاً أيضاً بدلاً من 100 متر. وكان طرح مشروع «بيت الوطن» ووحدات في مشروع «دار مصر للإسكان المتوسط»، ومشروع «الرحاب و «مدينتي»، وذلك للمصريين العاملين في الخارج». ولفت إلى «نية طرح الإعلان التاسع بمشروع الإسكان الاجتماعي لمحدودي الدخل، بعد موافقة الحكومة على الشروط الجديدة المقدمة من صندوق الإسكان الاجتماعي». وعن إطلاق مشروع «سكن مصر»، أكد مدبولي ل «الحياة» أن «المشروع المخصص لتسمية الإسكان الاجتماعي المتميز، وهي الوحدات السكنية الأكثر تميزاً عن الإسكان العادي، الذي تدعمه الدولة بنسبة أكبر من الإسكان الاجتماعي». وأفاد بأن الدولة «جاهدة في توفير حق السكن لجميع فئات المجتمع على اختلاف مداخيلهم». وقال إيهاب عبدالحميد موظف (45 عاماً) ل «الحياة»، إنه ينوي حالياً «التقدم للحصول على شقة سكنية تابعة لوزارة الإسكان ضمن مشروع «سكن مصر» وتبلغ مساحتها 115 متراً. وتتراوح كلفتها بين 300 ألف جنيه و400 ألف، بحسب موقع الوحدة والمدينة والأدوار المتكررة، وتُموّل من طريق مبادرة البنك المركزي المصري بفائدة 5 في المئة على 20 سنة، بشرط ألا يزيد الدخل على خمسة آلاف جنيه. وهناك مشروع آخر تابع للحكومة المصرية، ويُنفّذ تحت إشراف القوات المسلحة ويحمل اسم «دار مصر» ويبلغ سعر المتر المربع 4 آلاف جنيه وبمساحات تتراوح بين 100 و 140 متراً مربعاً للوحدة، وتُموّل من خلال البنك المركزي المصري بفائدة 7 في المئة». وعن تأثير ارتفاع فائدة الاقتراض، قال المطور العقاري خالد سالم مالك شركة مكة في تصريح إلى «الحياة»، «دفعت التغيرات التي شهدتها السوق العقارية عقب قرار تحرير سعر الصرف وارتفاع كلفة تنفيذ المشاريع، إلى رفع كلفة مواد البناء، وذلك بعد ارتفاع أسعار الوحدات السكنية. اذ كان يتراوح سعر المتر المربع في الإسكان المتوسط آنذاك بين 3 و5 آلاف جنيه، ليصل إلى ما بين 9 آلاف و 10 آلاف للمتر المربع حالياً، بعد ارتفاع فائدة الإقراض بين 22 و23 في المئة من المصارف». وأعلن «خفض حجم مبيعات شركته إلى 50 في المئة، ما اضطر إلى زيادة فترة التقسيط من ثلاث سنوات إلى 5 و6 سنوات لتعويض الكساد الذي تمرّ فيه سوق العقارات». ونبه سالم إلى أن سعر الوحدة السكنية في مشروعه «لم يتجاوز 600 ألف جنيه قبل تحرير سعر الصرف وزيادة الفائدة على الإيداع والإقراض، وتجاوز حالياً سعرها 1.3 مليون جنيه». إذ لفت إلى أن القطاع العقاري خلال 2016 وهذه السنة، لم يصل إلى المستوى المحقق عام 2015، بما يعكس تأثير التحديات الاقتصادية وتراجع قيمة الجنيه». وقال مقاول كهرباء هو ممدوح لبيب، إن «القدرة الشرائية للمواطن المصري تراجعت عموماً في كل المعاملات التجارية نتيجة الأوضاع، لكن لدى القطاع العقاري طبيعة خاصة، لأن الشريحة المستهدفة من القطاع الخاص لم تتأثر كثيراً، في ظل امتلاك غالبيتها سيولة ومدخرات مالية، أما الأقل دخلاً والباحثة عن وحدات تتراوح بين 300 ألف جنيه و400 ألف فهي الأكثر تأثراً». وباتت السوق العقارية جاذبة لشريحة المصريين العاملين في الخارج في ظل خفض الجنيه أمام الدولار، وأوضح أن الزيادات السعرية في كل السلع والمنتجات ومنها العقارات «لا تلائم مستوى دخل المواطنين، كما أن السوق شهدت أواخر العام الماضي ومع التعويم تغيرات في الشرائح المستهدفة من قبل الشركات العقارية، وحلت الشريحة فوق المتوسطة مكان المتوسطة نتيجة زيادة الأسعار». تراجع المبيعات وتوقع المطور العقاري طلبة محمد، أن «تشهد مبيعات الشركات العقارية تراجعاً متأثرة بالزيادات السعرية الحالية والمرتقبة، وأن تتأثر الخطط التوسعية للشركات نتيجة اللجوء إلى إجراءات للحفاظ على الطلب، تتمثل في مد آجال التسديد في المشاريع إلى فترات تصل إلى ما بين 8 و10 سنوات، ما يُساهم في تقليص التدفقات النقدية للشركات». وعلق رئيس مكتب «جيه إل إل» في مصر أيمن سامي قائلاً «تقترب غالبية شرائح القطاع العقاري في مصر من دورات الانخفاض النهائية، الناتجة عن تعويم الجنيه وما أعقبه من اضطرابات اقتصادية». وأشار إلى «استمرار تأثر السوق بالتعويم مع وجود تغير في سلوكيات المستهلكين، في محاولة منهم لمواكبة التغير في ظروف السوق». «UBS» لإدارة الثروات تتوقع تسارع نمو الاقتصاد القاهرة - «الحياة» - توقع مكتب الاستثمار الرئيس التابع لمجموعة «UBS لإدارة الثروات» في تقرير جديد عن آفاق الائتمان السيادي في أفريقيا، تسارع النمو الاقتصادي المصري بين 5 و6 في المئة سنوياً. وسلّط التقرير الضوء على التصنيف الائتماني لمُصدّري السندات السيادية في أفريقيا، مرجحاً توجه هذا التصنيف نحو الاستقرار أو التقدّم بعد خمس سنوات من التراجع. ويشير التقرير الذي يعدّ مرجعاً مهماً لتقويم أخطار الاستثمار في الدول، إلى توقعات ائتمانية مستقرة في مصر، إذ تتوقع تقارير الأممالمتحدة ارتفاعاً في عدد سكان مصر بأكثر من 10 ملايين شخص خلال السنوات الخمس المقبلة، ما قد يشكّل دافعاً جيداً للنمو الاقتصادي إذا تزامن مع ظروف اقتصادية مواتية. كما أن عوامل مثل الإصلاحات الحالية والمناخ العالمي المزدهر، تساهم مباشرة في دعم الاقتصاد المصري. في المقابل، فإن النسب العالية من بطالة الشباب تشكّل خطراً على نمو الاقتصاد. يذكر أن الائتمان السيادي لدول القارة الأفريقية كافةً، تعرض لأزمات عدة خلال السنوات الأخيرة، بما في ذلك نهاية الدورة الفائقة للسلع الأساسية وانخفاض أسعار الصرف وتزايد الدَين العام، وهي العوامل التي ألقت بظلالها على التصنيفات الائتمانية، وتسببت في خفوضات متعددة المستويات فيها، ما ساهم بدوره في توجيه إشارات سلبية للمستثمرين عن الآفاق الاقتصادية للبلد. وخلص التقرير إلى أن آفاق الاقتصاد الكلي في المنطقة آخذة في التحسّن، إذ يتوقع «صندوق النقد الدولي» أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال هذه السنة في دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى الضعف، أي ما نسبته 2.6 في المئة. ومن العوامل الرئيسة التي تدعم النمو والتجارة العالمية، الانتعاش المتواضع في أسعار الطاقة والمعادن الرئيسة وأسعار الصرف الأكثر تنافسية للعملات الأفريقية والإصلاحات الهيكلية في عدد من الدول الأفريقية. وفي السياق، قال رئيس مجموعة «UBS لإدارة الثروات» في أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفرنسا وبلجيكا علي جانودي، إن «التقرير يشير من منظور استراتيجي إلى أن فرص النمو في مصر والبلدان الأفريقية الأخرى لا تزال كبيرة، لا سيما مع الدعم الذي تحظى به من عوامل مثل النمو السكاني والتطوّر وزيادة أعداد الطبقة الوسطى في المجتمع، كما أن الجهود التي تبذلها مصر في سبيل تطوير بيئة الأعمال وتعزيز مستويات الائتمان لسياستها الاقتصادية ستكون عوامل حاسمة لتعزيز ملفها الائتمان السيادي». وأكد رئيس تخصيص الأصول في الأسواق الناشئة لدى المجموعة مايكل بوليغر قائلاً «نحن واثقون بأن الاقتصاد المصري قادر على التطوّر في شكل مستدام بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 5 و6 في المئة، إلا أن إحراز مزيد من التقدّم في مجال الإصلاح يبقى مهماً، في حين يعتبر الوصول إلى التمويل الأجنبي عنصراً رئيساً في هذه العملية». وأضاف: «على رغم التقدم الذي تم إحرازه أخيراً، بما في ذلك البرنامج الناجح لصندوق النقد الدولي وإصدار السندات الدولية، يجب القيام بمزيد من العمل لإطلاق العنان لقدرات البلد الكاملة».