منذ انطلاق تنظيم «داعش» بعملياته الإرهابية في الشرق الأوسط والعالم في عام 2014، بدأ المسلمون في أستراليا يشعرون بردود أفعال عنصرية تجاههم خصوصاً بعدما كشفت اجهزة الاستخبارات الأسترالية «أزيو» أن حوالى 200 شخص يقاتلون مع التنظيم الإرهابي في سورية والعراق وقد قتل منهم 65 شخصاً. وأوردت إذاعة «SBS» الأسترالية الرسمية الناطقة باللغة العربية «أن السلطات التركية قدّرت عدد الأستراليين الذين يقاتلون حالياً في الشرق الأوسط بأكثر من 420 شخصاً». أما في الداخل، فقد تمكنت سلطات الأمن الأسترالية حتى الآن من إحباط 12 عملية إرهابية، في حين نفّذت 4 عمليات». أكثرية المتهمين في أستراليا من أبناء الجاليات العربية، لكن على رغم هذا الحجم الكبير فإنه لا توجد بيئة حاضنة لهم، ولم يسمع أحد أن قيادياً من المسلمين وقف يدافع عن هؤلاء، لا بل إن هناك إدانة متواصلة لممارسات هذا التنظيم الذي يعتبر في نظرهم خارجاً عن الإسلام وغايته تشويه الدين الحنيف، كما يردد مفتي المسلمين في أستراليا الدكتور إبراهيم أبو محمد والشيخ مالك زيدان ممثل دار الفتوى اللبناني، وغيرهما من المشايخ والقيادات الدينية. وتلوم قيادات إسلامية «الحكومة الأسترالية لإهمالها نداءات المراجع الإسلامية الرسمية إلى الحكومة لجهة ضبط التعليم الديني في البلاد مع وجود مرشدين دينيين غير مؤهلين ينصحون الأهل والشبيبة، والافتقار إلى برامج صحيحة وفعّالة لمنع التطرّف في صفوف الشبيبة وغياب المحاسبة في توزيع المنح الحكومية للجمعيات الإسلامية التي تعمل مع الشبيبة وعدم وصول هذه المنح إلى المنظمات التي تستحقها». إلاّ أن كل ذلك لم يشفع بالمسلمين في بلاد «الكنغارو»، فالإعلام الأسترالي يُظِّهر صورة سيئة عن الإسلام، وانضمت إليه أصوات سياسية في مقدمها عضو المجلس التشريعي بولين هانسون، ليؤدّي كل ذلك إلى حالة «الإسلاموفوبيا» المنتشرة بقوة، والتي كانت من نتائجها حتى الساعة اعتداءات على عدد من أبناء الجاليات الإسلامية، بلغت 243 حالة غالبيتها ضد محجبات. وفي موقف لها قبل فوزها في الانتخابات في الفيديرالية، قالت هانسون وهي زعيمة حزب «أمة واحدة»: «علينا أن نأخذ موقفاً قوياً ضد المسلمين (...)». وهي فازت على وقع خطابها العنصري بأربعة مقاعد في آخر انتخابات فيديرالية في تموز (يوليو) 2016، ما أسس لكتلة مهمة بإمكانها حسم أي خلاف تشريعي قد ينشب بين الائتلاف الحاكم والمعارضة العمالية». وحصلت هانسن على دعم كبير في الانتخابات الأخيرة لمواقفها الداعية إلى حظر بناء المساجد ومنع هجرة المسلمين إلى أستراليا، داعية الذين لا يرغبون منهم في منح ولائهم التام لأستراليا إلى «العودة من حيث أتيتم»، مضيفة «نحن الآن نواجه خطر الإغراق من قبل مسلمين يعتنقون حضارة وإيديولوجية لا تتوافقان مع حضارتنا ومعتقداتنا». وزادت: «لا يمكن أن يكون للإسلام وجود مؤثر في أستراليا إذا كنا نريد أن نواصل العيش في مجتمع مفتوح وعلماني ومتماسك». وأكدت في مواقف أخرى أنه «ينبغي الامتناع عن بناء أي مساجد أو مدارس إسلامية، كما يجب مراقبة المساجد والمدارس الموجودة في ما يتعلق بالمواد التي تدرس فيها حتى انتهاء الأزمة الراهنة». طبعاً يرفض الائتلاف الحاكم برئاسة رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول والمعارضة العمالية بزعامة بيل شورتن، الخطاب العنصري الذي تسوّقه هانسون وسواها، ويقولون إن السياسة الأسترالية تقوم على» التعددية الحضارية والثقافية»، إلا أن ذلك لا يلزم الرأي العام الذي يبدو انه بات يميل إلى المواقف العنصرية نتيجة ما يرى ويسمع من أعمال إرهابية نجت منها أستراليا حتى الساعة بسبب سياسة الأمن الوقائي التي تعتمدها. وللدلالة على الأجواء المشحونة عنصرياً انتشرت ملصقات في غرب سيدني تطالب بترحيل شخصيات سياسية وإعلامية بارزة منها المذيع التلفزيوني وليد علي والناشطة مذيعة ال ABC سابقاً ياسمين عبد المجيد. وزادت المخاوف من التطرّف والإرهاب من تشديد القبضة الأمنية، إذ أوردت صحف أن المفوضية الأسترالية للاستخبارات تستجوب عشرات المشبوهين بالإرهاب وأقرباءهم وأصدقاءهم بسرية تامة متستخدمة القوة. وهي تتمتع بصلاحيات استثنائية غير متوافرة لأجهزة الأمن الأخرى والشرطة، وقد قامت ب 69 عملية استجواب على مدى السنتين الماضيتين، ما سمح لها بانتزاع معلومات مهمة تتعلق بأشخاص مشبوهين بالإرهاب أو متورّطين بعمليات إرهابية في الداخل أو الخارج، وبجهات تموّل الإرهاب. ويقول الدكتور جمال ريفي، أحد أبرز الوجوه في الجالية الإسلامية الذين هم على تواصل دائم مع السلطات السياسية والأمنية ووسائل الإعلام، «نحن ندحض أقوال بولين هانسون وآراءها في شكل حضاري يعتمد على الأرقام والإحصاءات التي تؤكّد إننا مواطنون في أستراليا نريد السلام ونقوم بواجباتنا كأي مواطن آخر، ونعمل لأمن هذا البلد ولبناء هذا الوطن ونشارك في صناعة القرار في شكل ديموقراطي من خلال أبنائنا النواب وأعضاء المجالس البلدية. ونحن فاعلون في المجتمع المدني من خلال مؤسساتنا الخيرية، ومن خلال صوتنا كأطباء ومحامين وحرفيين. باختصار نحن ضد كل من يدعو إلى العنف والتطرّف وكل من ينتهج الخطاب العنصري للنيل منا». واعتبر ريفي «أن لحمة المجتمع وأمنه وسلامة أبنائه تقتضي مواجهة كل عنصري وداعشي لأنهما وجهان لعملة واحدة، يعملان على بث الكراهية والتفرقة بين أبناء الوطن الأسترالي الواحد». وقد برزت حملة لمتطوعين مسلمين أستراليين تدعو كل من يرغب في لقاء على « فنجان قهوة وكايك» في مختلف الولايات للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالدِّين الاسلامي وإعطاء صورة حقيقية عنه غير تلك التي وُسِم بها في السنوات الأخيرة. ونجحت هذه المجموعة في عقد لقاءات في جامعات ومراكز أسترالية، في محاولة حثيثة لمواجهة العنصرية و «الإسلاموفوبيا». وسط هذه الأجواء المحمومة، أعلن رئيس الحكومة الفيديرالية مالكوم تيرنبول في مؤتمر صحافي عقده أخيراً عن تدابير جديدة لتعزيز قدرات البلاد على الاستجابة للحوادث والاعتداءات الإرهابية. وأعطي الجيش صلاحيات واسعة لمواجهة الأعمال الإرهابية والحالات الطارئة، تسمح له بعزل مناطق كاملة وفرض حصار على الشوارع مع أوامر بإطلاق النار وقتل المتورطين بالهجمات. كما تقضي التدابير «بإبقاء الشرطة الجهة الأولى التي ستبادر إلى الرد على أي عملية إرهابية، مع تأسيس فرقة جديدة شبيهة بفرقة الكوماندوس في الجيش، والاحتفاظ بوحدة عسكرية داخل مراكز الشرطة الرئيسة لتحسين التواصل بين الجيش وقوات الشرطة. ويمكن القول أخيراً إن أستراليا استيقظت من نوم عميق واتخذت إجراءات صارمة في ما يتعلّق بالهجرة إليها وبالحصول على جنسيتها، ليتوافق ذلك مع الإجراءات الأمنية الصارمة.