أشعل الكشف عن وثائق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية النار مجدداً في العلاقة السياسية بين حركتي «فتح» و«حماس» اللتين تتقاسمان إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة. وكانت العلاقة بين الحركتين استقرت في الأشهر الأخيرة، لكن ظهور وثائق المفاوضات أعاد تفجير الخلافات بينهما، إذ سارعت «حماس» الى توجيه الاتهامات للرئيس محمود عباس ومعاونيه بتقديم «تنازلات مجانية» لإسرائيل في المفاوضات، فيما ردت «فتح» باتهام «حماس» وقيادتها بلعب دور أمني لحماية حدود قطاع غزة مع إسرائيل، واستغلال الوثائق لطرح نفسها بديلاً للمنظمة وقيادتها. ونظمت «حماس» في الأيام الأخيرة مسيرات في قطاع غزة ضد عباس وصلت الى حد إحراق مجسم له والمطالبة بمحاكمته. وردت «فتح» بإضرام النار في صور زعيم «حماس» خالد مشعل وقائدها في غزة الدكتور محمود الزهار. ويقول مراقبون إن «حماس» حاولت استغلال الوثائق لتحريك الشارع ضد الرئيس عباس. وقال الكاتب هاني المصري ل «الحياة» إن «حماس حاولت استغلال الوثائق لتشكيل حالة احتجاجية شعبية في الأراضي الفلسطينية شبيهة بتلك الدائرة في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية». لكن دعوات «حماس» الى الجمهور في الضفة للتظاهر ضد عباس لم تلق أي أصداء. وبدلاً من ذلك ظهرت تظاهرات دعم وتأييد للرئيس ونهجه السياسي من جانب حركة «فتح» والفصائل المؤيدة لها. ويبدو أن النهج السياسي الجديد للرئيس عباس قلل من آثار الكشف عن هذه الوثائق. فهو من جهة أوقف المفاوضات منذ زمن مع إسرائيل رغم الضغوط الاميركية التي تعرض لها. ومن جهة ثانية، يقوم بحملة دولية تهدف الى جلب اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967. وأدت الطريقة التي عرضت فيها قناة «الجزيرة» الوثائق الى حدوث ردة فعل عسكية لدى كثير من الفلسطينيين الذين رأوا فيها حملة إعلامية وسياسية على السلطة الفلسطينية اكثر منها كشفاً صحافياً. وكانت الحلقة الاولى من الكشف عن الوثائق الأكثر إثارة للغضب بين مؤيدي «فتح» وكثير من المستقلين، الذين رأوا في «الجزيرة» ومذيعيها طرفاً يطلق الاتهامات والأحكام أكثر منه وسيلة إعلام تكشف للجمهور أنباء جديدة ومثيرة. وأظهرت الوثائق أن الجانب الفلسطيني قدم مرونة واسعة في المفاوضات من أجل التوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، وأن الجانب الاسرائيلي واجه هذه المرونة بمزيد من التشدد والمطالب. ويرى كثير من المراقبين أن النتيجة الأبرز لهذه الوثائق هي تشدد الرأي العام الفلسطيني تجاه المفاوضات التي لم يعد يرى فيها الوسيلة الافضل لإنهاء الصراع. وقال الكاتب خليل شاهين ل «الحياة»: «ستكون فرصة العودة الى المفاوضات مستقبلاً أقل بكثير، لان الجمهور يرى فيها وسيلة تستفيد منها اسرائيل في جلب تنازلات فلسطينية من دون ثمن حقيقي». وأضاف: «بيّنت الوثائق أن اسرائيل تريد ان تنهي قضية اللاجئين من دون أن تقدم للفلسطينيين دولة». ويقول مسؤولون فلسطينيون إن الرئيس عباس الذي رافق، وغالباً قاد المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية منذ انطلاقتها قبل نحو عقدين من الزمن، وصل الى هذه النتيجة قبل فترة طويلة. وأوضح أحد ابرز المقربين من الرئيس عباس ل «الحياة»: «الرئيس وجد منذ زمن أن اسرائيل تستغل المفاوضات غطاء لتهويد الأرض، خصوصاً القدس، لذلك اشترط بقوة تجميد الاستيطان قبل العودة الى المفاوضات». وأضاف: «الرئيس لن يعود الى المفاوضات تحت اي ظرف، لانه مقتنع تماماً بعد هذه التجربة الطويلة ان الحل السياسي يتطلب قراراً اسرائيلياً بإنهاء الاحتلال وليس التفاوض». وصبّت نتائج المفاوضات في مصلحة المشروع الذي يمثله رئيس الحكومة الدكتور سلام فياض والقائم على بناء مؤسسات الدولة وتطوير الخدمات والاقتصاد. ويرى فياض ومعه جزء كبير من حركة «فتح» والمستقلين، أن إنهاء الاحتلال يتطلب طريقاً آخر غير الكفاح العنيف والمفاوضات، وهما الطريقان اللذان طبعا مسيرة الشعب الفلسطيني نحو الاستقلال. وهو يعتبر أن توفير مقومات الصمود والبقاء على الأرض وممارسة الكفاح الشعبي السلمي هو الطريق الأقل تكلفة والأكثر جدوى في العمل السياسي في هذه المرحلة.