وصول الطائرة الإغاثية السعودية التاسعة لمساعدة الشعب السوري إلى مطار دمشق الدولي    السودان.. أكبر أزمة نزوح أطفال في العالم    نادي جازان الأدبي يكرم الزميلة خلود النبهان    وكيل "الشؤون الإسلامية" للمشروعات والصيانة: تدشين الأدلة الفنية للمساجد إنجاز نوعي برؤية شاملة ومعايير عالمية    طلبة منطقة "تعليم الرياض" يعودون غداً لمدارسهم لاستكمال الفصل الدراسي الثاني    بندر بن سعود ل"الرياض": الفائزون بجائزة الملك فيصل سفراء المملكة عالميًا    أكثر من 300 جلسة رئيسية في النسخة الثالثة من قمة المليار متابع    «طائرة كوريا».. «الأسودان» توقفا قبل 4 دقائق من التحطم !    «الضباب» يحوّل رحلة ليفربول إلى كابوس    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    استمرار هطول الأمطار على بعض مناطق المملكة    خالد عبدالرحمن ل«عكاظ»: جمعنا أكثر من 10 قصائد وننوي طرح ألبومين سامريات    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    "النقد الدولي" يتوقع استقرار النمو العالمي في 2025    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    الإعاقة.. في عيون الوطن    ابعد عن الشر وغني له    فريق جامعة الملك عبدالعزيز يتوّج بلقب بطولة كرة السلة للجامعات    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    مهاجم الأهلي: قدمنا مباراة كبيرة واستحقينا الفوز على الشباب    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    ضبط يمني في مكة لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    «حرس الحدود» بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    مزايا جديدة للمستوردين والمصدرين في "المشغل الاقتصادي السعودي المعتمد"    جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    إحباط محاولتي تهريب 6 كلجم «شبو» مخبأة في بطاريات وصناديق    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    «عباقرة التوحد»..    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    ماذا بعد دورة الخليج؟    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    الحمار في السياسة والرياضة؟!    أسرار الجهاز الهضمي    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    المقدس البشري    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألباني إسماعيل كاداريه متأملاً حياته
نشر في الحياة يوم 30 - 06 - 2017

نادرون هم الكتّاب الذين يتمكّنون من فرض أنفسهم في الساحة الأدبية الدولية منذ روايتهم الأولى، خصوصاً حين ينتمون إلى بلدٍ هامشي ومغلق. الألباني إسماعيل كاداريه هو من دون شك واحدٌ من هؤلاء. فبعد روايته الأولى «جنرال الجيش الميت» (1963)، التي جلبت له فوراً شهرةً عالمية وتُرجمت إلى أكثر من أربعين لغة، وضع أعمالاً روائية وقصصية وشعرية ومسرحية غزيرة رصد معظمها لكشف طبيعة توتاليتاريات عالمنا الحديث وممارساتها، وخصوصاً نظام الديكتاتور الألباني أنور خوجه. من هنا ترشيح لجنة «نوبل» اسمه في شكلٍ ثابت لنيل جائزتها. ومن هنا أيضاً أهمية كتابه الجديد «صباحات في مقهى روستان» الذي صدرت ترجمته الفرنسية حديثاً عن دار «فايار» ويتضمّن نصوصاً غير منشورة سابقاً يستعيد فيها بعضاً من ذكرياته ويتأمّل في مسيرته الكتابية الطويلة ومواضيع مهمة مختلفة.
ولا عجب في بدء كاداريه كتابه بنصٍّ طويل يصف فيه زيارته الأولى باريس التي حصلت عام 1971، فعلاقته ب «مدينة الأنوار» طويلة وحميمة تعود إلى سنوات الدراسة، وتحديداً إلى مرحلة الثانوية التي كتب خلالها قصيدة حول هذه المدينة، رغب مدير تحرير المجلة التي أرسلها إليه في نشرها شرط إرفاق كاداريه هذه القصيدة بقصيدة أخرى حول... موسكو! «هكذا ربط خيطٌ خفي قدري بهاتين المدينتين»، يقول الكاتب، علماً بأنه لم يكن يتوقّع آنذاك أن تسنح له الفرصة يوماً لزيارة العاصمة الفرنسية.
ولكن في مطلع السبعينات يتحقق حلمه المستحيل إثر دعوة غامضة لم يتمكّن بعد من فكّ سرّها ومعرفة من يقف خلفها. وهذا ما يفسّر الارتياع والجانب الحُلُمي والهلسي في الصفحات التي يرصدها لوصف لقائه الأول في باريس، هو الآتي من بلدٍ كان الأكثر انغلاقاً في العالم: «أكثر من مجرّد سفرٍ إلى باريس، كان الأمر يتعلّق بانفتاح العالم السفلي لفترة محَّددة، مدوَّنة على جواز السفر، قبل العودة إلى «السجن»، بعد انقضاء هذه المدّة. بغض النظر عن طبيعته، كان وصولي (إلى باريس) مبلبِلاً. حتى حيوانٌ برّي في قفص ما كان ليخاف أضواء مطار «أورلي» مثل كاتب الواقعية الاشتراكية وهو يدوس للمرة الأولى أرض هذا العالم».
عمرُ علاقة كاداريه في باريس أربعة عقود. في العقدين الأولين، كان ما زال يعيش في بلده تحت نير الشيوعية، قبل أن يستقرّ في العاصمة الفرنسية ويختبر عقدين يصفهما باللازمنيين لتمضيته جميع صباحاته خلالهما في مقهى «روستان»، مقابل حديقة لوكسمبورغ. طقسٌ يسمح توقفه عنده في النص الأول من كتابه باستحضار في نصوصه اللاحقة، وبالتناوب، قصة هذا المقهى الشهير الذي يرتاده الكتّاب والمفكّرون، مُعاش الكاتب في تيرانا وموسكو، فصل اختياره لدخول «الأكاديمية الفرنسية»، قصته مع جائزة نوبل، رفاق صباه في ألبانيا والوجوه الأدبية التي كان يلتقي بها خلال نزهاته الباريسية. نصٌّ مركزي إذاً تجسّد باريس فيه الحلم بالحرية، بخلاف ألبانيا التي يرعبنا تصوير كاداريه الدقيق للحياة فيها خلال المرحلة الشيوعية. تصوير من داخل النظام يضطلع به أولاً كاتب شاب كان يحظى في البداية بدعم السلطة التي سترسله إلى «معهد غوركي» في موسكو لدراسة الواقعية الاشتراكية، ثم كاتب معارض لهذا النظام بضراوة نادرة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التصوير لا يقتصر على المرحلة المذكورة، بل يطاول أيضاً في نصوص أخرى مرحلة الاحتلال العثماني الطويلة والمشؤومة لبلده وآثارها السلبية على الهوية الألبانية وحريّة المرأة ودورها ككاتبة وموحية للشعر والأدب، كما يطاول علاقات ألبانيا التاريخية السيئة مع صربيا واليونان.
وفي النص الذي يرصده لإقامته في موسكو خلال نهاية الخمسينات، يصف كاداريه بحنينٍ ظاهر المناخ الذي كان يطغى على هذه المدينة، مناخاً تختلط فيه الجرأة بالتشنّجات الأيديولوجية. يصف أيضاً طبيعة الدروس في «معهد غوركي» التي كانت تسمح للطلاب بالاطّلاع على الأعمال الأدبية المحظورة: «بسبب باسترناك، ظننّا أن حلقة الدروس المرصودة لنقد «الأدب الغربي المنحطّ» ستكون بمستوى عالٍ، لكن الحقيقة هي أننا نحن مَن أعلى من شأنها. وبسرعة لم نعد نفكّر سوى بالثالوث الشرير: كافكا، جويس وبروست».
وفي معظم هذه النصوص، يعود الكاتب إلى موضوع المقاهي لاقتناعه بأن هذه الأمكنة تشكّل خير مقياس لحرية المجتمعات. ففي مدينة تيرانا مثلاً، خلال الأربعينات، «كان تجرّؤ النساء على الجلوس في المقاهي المتبقيّة وشرب الكونياك يشكّل معلومة تقلق الدكتاتور أكثر من إنزال عسكري للناتو». ولا يفاجئنا قول كاداريه هذا حين نطّلع في نصٍ سابق على التداعيات الخطيرة لدخوله مرةً مع بعض رفاق صفّه إلى مقهى في مدينة جيروكاستر الألبانية للاحتفال بتقاضيه أول مبلغ من المال على نشر مجلة أدبية قصائد له، أو على المناخ المرعب لمقهى فندق «داجتي» في العاصمة الألبانية الذي لم يكن يرتاده سوى الغرباء والمخبرين.
وفي السياق ذاته، يذكّر الكاتب في أحد نصوصه كيف أن حرارة الحياة في مقاهي باريس وبرلين وفيينا في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي دفعت ستالين، بإيعاز من غوركي، إلى تأسيس «قرية» للكتّاب قرب موسكو لن تلبث الرقابة البوليسية أن تخنق الحياة فيها، كما يصف في نصٍّ آخر المفاجأة التي كانت تنتظره في عاصمة الاتحاد السوفياتي حين قصدها للدراسة في نهاية الخمسينات ولاحظ أن المقاهي النادرة فيها لم تكن تقدّم لزبائنها سوى... الشاي!
لكن أكثر ما يشدّنا في هذا الكتاب هو النصوص التي رصدها كاداريه للتعريف بشعراء وكتّاب ألبانيين عرفهم عن قرب وسحقتهم مطرقة الدكتاتورية. ففي نص «شهرٌ مع فريد» مثلاً، يحاول عبثاً فهم مأساة حياة الشاعر فريديريك ريشبيا (1940- 2006) الذي عاش متشرّداً وتوفي مريضاً في أحد أزّقة تيرانا. وفي نصٍّ آخر، يعيد إحياء ذكرى إنجيل غييشي، «الشاعر الرقيق والإنسان الراقي والمميَّز الذي دفعه رعبه من الوضع الألباني إلى التوارى يوماً من دون أن يترك أي أثر خلفه». ومن خلال هذه النصوص يتبيّن أيضاً أنه، على رغم شراسة دكتاتورية أنور خوجه، كان في ألبانيا رجالٌ ونساء يقاومون بطاقة اليأس عملية التكييف وسحق النفوس، وينشطون بالقليل المتوافر لهم للمحافظة على حياةٍ فكرية.
باختصار، كتابٌ يشكّل مرجعاً لفهم حياة كاداريه ومسيرته الأدبية وآثارها، على رغم صعوبة تلخيص المعطيات الأدبية والتاريخية والاجتماعية الغزيرة التي يتضمّنها. فالتأملات المسيَّرة فيه تتوالد من بعضها بعضاً، ولكل نصّ من نصوصه منطقه الخاص ومحرّكاته. ومع أن قيمة هذه النصوص المتفرّقة تبدو متفاوتة في مضمونها، لكن إشراقات لغة كاداريه فيها ومهارته السردية وطرافته تجعل من قراءتها متعةً حقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.