{ أوضح الناقد الدكتور سعيد السريحي أن كتابه «الكتابة بلا أقواس» صدر في ذروة المد الصحوي وخلال عاصفة شيطنة الثقافة، ما جعل الحملة ضده تشتد على نحو لجأ فيه نادي جازان إلى إيقاف توزيعه وحفظ مئات النسخ في مستودعاته، ولم يتم الإفراج عنها سوى قبل سنتين. وقال السريحي إن النقد لم يعد يسير على مدارسه التقليدية السابقة، كما لم يعد الخروج على نصه محصوراً في أحد معين، مؤكداً أن هناك من تحرر وجدد، ولفت في حديث ل«الحياة» إلى أن النجوم في هذا المجال في العالم العربي فقدوا نجوميتهم لأسباب عدة. هنا تحاول «الحياة» العودة بالسريحي إلى كتابه العلامة «الكتابة خارج الأقواس»، وما رافقه من ظروف وملابسات. كتاب «الكتابة خارج الأقواس» مفصلي في حركة النقد الحديث في الوطن العربي، ترى هل كانت الملابسات التي أحاطت بإصداره، ستكون نفسها لو أنك أصدرته اليوم؛ بمعنى هل تلعب طبيعة الفترة الزمنية دوراً في تقديم كتاب ما بشكل أفضل مما لو صدر في فترة زمنية أخرى؟ - صدر كتاب «الكتابة خارج الأقواس» في ذروة المد الصحوي واستبداد المتشددين بالمؤسسات والمنابر الثقافية واستمالتهم الناس ضد كل تغيير أو تطوير أو تحديث، صدر خلال عاصفة شيطنة الثقافة، ولذلك اشتدت الحملة ضده على نحو لجأ فيه نادي جازان إلى إيقاف توزيعه وحفظه في مستودعات النادي، إذ بقيت مئات النسخ منه حبيسة 30 عاماً ولم تخرج من محبسها إلا قبل سنتين تقريباً. كتاب «الكتابة خارج الاقواس» معقود كذلك بطبيعة المرحلة التي كانت تحمل طابعاً تبشيرياً بفكر حديث يتجلى في الشعر وفي القصة وفي محاولات المسرح، وكذلك في التجارب النقدية، ولذلك اتخذ الكتاب صبغة تبشيرية تشهد عليها آخر أسطر المقدمة التي جاء فيها «... الهم المؤرق الذي يوعز بمزيد من العناء لتحرير الإنسان من القواقع وتحرير الكتابة من الإبداع» قرئ الكتاب كثيراً، وتحول إلى مرجع أساسي للطلبة والنقاد والباحثين، على حد السواء، ترى هل هناك أمور في الكتاب ما تزال في حاجة إلى قراءة، أو تحتمل إعادة القراءة؟ - اعتقد أن طبيعة المرحلة والصبغة التبشيرية للكتاب جعلت منه كتاباً مؤثراً وجعلت له صدى كبيراً، وقد أعطي الكتاب اهتماماً، لي أن أقول إنه يفوق أهميته العلمية، وإذا كان بقي فيه شيء يمكن أن يكون محتاجاً إلى مزيد من القراءة والدرس فهو الجانب الفلسفي فيه، والذي يعتبر تأصيلاً لبعض النظريات النقدية التي تؤخذ مغصوبة عن مهادها الفلسفي. لم يعد النقاد في الوطن العربي يحظون بالنجومية كما في أزمنة مرت، كيف يمكن للناقد أن يعود ليصبح نجماً حتى لو في إطار نخبوي، طبعاً النجومية هنا لا تعني تلك التي يحظى بها الفنانون، وإنما من ناحية استقطاب الاهتمام؟ - النجومية ليست هدفاً، وقد تشكل خطراً على المبدع الحقيقي والناقد الجاد، فجلبة الحضور قد تفضي إلى اضطراب التفكير وربما استسهال العمل الثقافي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن ما أسهم في تكريس النقاد والمبدعين في مرحلة سابقة إنما هو طبيعة تلك المرحلة، وما كانت تشهده من خلافات وصراعات جعلت من القضايا الثقافية شأنا اجتماعياً عاماً، ومن هنا جاءت معرفة جمهور الناس بالمثقفين أو تحولهم إلى نجوم كما جاء في السؤال. ربما وحده الدكتور السريحي الذي يبقى متمرداً على المناهج والمدارس النقدية، على رغم استيعاب نصه النقدي لها، هل من سر هنا؟ - لست وحدي، هناك من زملاء المرحلة من لم يبق أسيراً ومقيداً بمنهج وبنظرية، هناك من الجيل الذي جاء بعدنا من هم أكثر تمرداً، وليس هناك من سر سوى القلق المعرفي والرغبة في البحث عن المختلف. ما القناعات التي تبنيتها طويلاً وترى اليوم أنها في حاجة إلى مراجعة؟ - كل قناعة لا تخضع للمراجعة ولا تتعرض للشك فهي وهم، هي كمين للفكر، لذلك تعودت أن أضع كل قناعة موضع المساءلة والتمحيص والمراجعة، ولا أتردد قط عن الاعتراف بخطأ ما كنت عليه إذا ما تبين لي خطأي. ما الذي يشغلك اليوم؟ - كثير من الأوراق النقدية التي أتطلع إلى أن أمنحها حقها من المراجعة، وكذلك كتابي الذي أوشك أن أنهيه، بعنوان: «تحرير المجاز: هامش على جهود الدكتور لطفي عبدالبديع اللغوية».