ازداد عدد الأطفال اللاجئين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بنحو خمسة أضعاف، وأشار تقرير صادر عن الأممالمتحدة إلى «تسجيل 300 ألف طفل لاجئ من دون مرافق، أو منفصل عن ذويه في 80 دولة خلال عامي 2015- 2016». وأفاد التقرير الذي حمل عنوان «الطفل طفل... حماية الأطفال المتنقلين من العنف والاعتداء والاستغلال» بأن «عدداً متزايداً من هؤلاء يسلكون طرقاً بالغة الخطورة تحت رحمة المهربين والمتاجرين بالبشر للوصول إلى وجهاتهم الأخيرة». تقدم 200 ألف طفل من دون مرافقين بطلبات لجوء، 170 ألف منهم إلى دول أوروبية في مقدمها ألمانيا والسويد. كما تم اعتقال 100 ألف طفل لاجئ من دون عوائلهم على حدود الولاياتالمتحدة مع المكسيك في عامي 2015- 2016»، فيما بلغ عدد الأطفال اللاجئين مع ذويهم الذين وصلوا إلى إيطاليا عبر البحر 92 في المئة من مجموع اللاجئين في الفترة 2016 وأوائل عام 2017. ووفقاً لبيانات دولية فأن الأطفال يشكلون ما يقارب 28 في المئة من ضحايا الاتجار بالبشر في العالم». يمثل الأطفال 50 في المئة من مجمل أعداد اللاجئين السوريين في الأردن وتركيا ولبنان، وفق تقرير لمنظمة «يونيسيف» التابعة للأمم المتحدة، الذي نبه إلى ما سماه «الجيل الضائع» الذي لم تعد له أحلام وذكريات ترتبط بطفولته وحياته وبيئته الأصلية. ويقول الموظف في هذه المنظمة ديفيد براون: «إن أعداد اللاجئين الأطفال في مخيمات اللجوء والنزوح وصل إلى 800 ألف طفل يعانون من ظروف معيشية مزرية في المخيمات». ويحرم الغالبية من هؤلاء الأطفال من التعليم والرعاية الصحية المتكاملة، وبحسب بيانات الأممالمتحدة فأن اكثر من 40 في المئة من الأطفال اللاجئين خارج مقاعد الدراسة»، كما «أن مئات الآلاف من الأطفال السوريين في كل من لبنانوالأردن وتركيا محرمون من التعليم». وتشير معلومات حديثة إلى «أن 2.1 مليون طفل سوري لا يتلقون التعليم». ياسر وليلى والفرار من سورية «... عجزت والدتي عن إيجاد طريقة ملائمة تتعامل بها مع أخي الصغير وهو ما يؤلمنا جميعاً»، هكذا وصفت ليلى (18سنة) في حديث لموقع «مهاجر نيوز» حالة شقيقها ياسر البالغ من العمر 10 سنوات في مخيمات اللجوء الألمانية». هذه العائلة السورية هربت من كوارث الحرب المتواصلة منذ 6 سنوات، وبعد تلقي والدها تهديدات بالقتل من أزلام السلطة». تقول ليلى: «لم يكن أمر مغادرة الوطن سهلاً علينا، ولكنني مع عائلتي أجبرنا على ذلك». وتضيف: «مشكلتنا المستعصية على الحل هي أن ياسر لم يتقبل الأمر إطلاقاً، وليس هذا فقط، وإنما أصبح عدوانياً ويتهم أبي وأمي بأبعاده عن أصدقائه ووطنه». وقالت باكية: «وصل الأمر بياسر إلى مرحلة الامتناع عن تناول الطعام، لدرجة أن والدتي المرتعبة من وضعه الصحي بدأت تقسو عليه وتضربه». ياسر هو حالة واحدة من بين مئات الأطفال الذين وصلوا إلى ألمانيا ويعانون من تصدعات وصدمات نفسية. مآسي الحرب في سورية لا تقتصر على أخطار الطريق الذي يسلكونه للوصول إلى الملاذ الأخير الآمن، وإنما ما يظهر من آثار الويلات التي عاشوها سواء تحت قصف البراميل المتفجرة، أو ركوب قوارب الموت على سلوكهم في الحياة اليومية. يزن وحقيبة سفره يزن طفل سوري في السابعة من عمره يتحدث عن حلم يراوده في الحصول على كرة قدم يركلها وقطعة شوكولا ومكان آمن يعيش فيه ويكبر مثل ملايين الأطفال في العالم. حمل يزن (اسم مستعار) حقيبته الصغيرة مثقلة بذكريات طفولة بعثرتها في ذاكرته صور فظائع الحرب البشعة وهو في طريقه إلى الجنة الموعودة ألمانيا برفقة عمه متكبداً الأهوال التي بدأت مع قتل عمه في ظروف غامضة. هذا الحادث شكل صدمة نفسية له انفجرت على شكل كوابيس تلاحقه في مخيلته وحياته اليومية بحيث ولدت عنده خوفاً مريراً ورغبة دائمة في الانعزال. وضعت السلطات الألمانية الأطفال اللاجئين من دون أولياء أمرهم في مراكز إيواء خاصة بالقاصرين، بهدف تنظيم حياتهم ودراستهم وفق برامج محددة ومنظمة بمواعيد ثابتة وتحت إشراف أطباء اختصاصيين ومعلمين ألمان يساعدهم مقيمون عرب وأجانب. وبحسب خبراء من جمعية (AWO) الخيرية التي تعنى بشؤون اللاجئين وأوضاعهم الاجتماعية في مدينة نيبور أندبيرت فأنه «بسبب اختلاف الثقافة في المجتمعات التي جاؤوا منها، والتعليم الذي تلقوه في مدارس بلدانهم وعدم معرفة لغة الموطن الجديد يواجهون تحديات صعبة للغاية، ومشاكل نفسية في غاية التعقيد تحتاج معالجتها وقتاً طويلا». توفر العديد من المؤسسات الخيرية الألمانية الدعم والعلاج النفسي للأطفال اللاجئين الذين يعانون من مشاكل نفسية سببها الحرب، إذ تقوم جمعية (PSZ) بتقديم الدعم النفسي لحوالى 500، إضافة إلى استقبال المتطوعين من الأطباء النفسيين وغيرهم لتدريبهم على المساعدة في الجلسات العلاجية». منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، يكافح العالم من أجل محاولة إيقاف الهجمات الإرهابية التي تزيد حدتها مع الوقت. ولعل التكنولوجيا وتقدمها، تلعب دوراً رئيساً في التخفيف من حدة وقوة الحملات التي تساق ضد «الإرهابيين» خصوصاً مع وجود التشفير ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنتشر بسرعة. ولعبت هذه الوسائل دورها في «احتضان» الإرهاب ولو عن غير قصد، إذ شكلت حجرة تتم فيها عمليات التواصل والتراسل بين الإرهابيين، إضافة إلى أنها أصبحت أداة مجانية تساعد على بث الخطاب الهادف و «البروباغاندا» المطلوبة لتلويث عقول الشباب. وطبعاً لا يقع اللوم في هذا الأمر على هذه الوسائل ولا على الشركات، إذ لا يُمكن تحميل الوسيط مسؤولية ما يقوم به الأطراف على منصته، خصوصاً أن المنصات المذكورة مفتوحة لأي كان ومن الصعب حصرها وحصر هوية مستخدميها. وزاد التوق إلى «التشفير» من صعوبة المهمة، إذ يتجه العالم والمستخدمون يوماً بعد يوم في شكل أكبر إلى التشفير كوسيلة لضمان عدم مراقبتهم حتى ولو لم يكن لديهم ما يخفوه، فنظرية «الأخ الأكبر» الذي طرحها جورج أورويل في كتابه 1984 والمراقبة الوثيقة التي يسلط الضوء عليها، تضفي الكثير من الانزعاج لدى المستخدمين ما يدفعهم حكماً إلى رفضها بغض النظر عن طبيعة المعلومات التي يحتفظون بها على وسائل التواصل وأجهزتهم الذكية. وفي سياق المراقبة، لا يُمكن انكار حجم الاهتمام العالمي وخصوصاً الحكومي في الاستثمار بتقنيات المراقبة التي تتيح لهم التحكم وقراءة كل خطوات الجهاز الذكي والمعلومات التي يحتويها. ولعل المفاجأة التي فجرها «ويكيليكس» من خلال كشفه لوثائق تفيد بأن وكالة «الأمن القومي الأميركي» استثمرت البلايين من الدولارات لتطوير برمجيات خبيثة تستطيع الوصول إلى الأجهزة وقراءة المعلومات فيها بغض النظر عن آلية التشفير التي تعتمدها، إضافة إلى تحويل التلفزيونات والأغراض الذكية إلى أدوات تجسس تهدف إلى كشف أصحابها. وعلى المقلب الآخر، تكافح الشركات في شكل قوي لكسب معركة التشفير، إذ سرعان ما عملت على ابتكار وسائل تشفير جديدة «لا يمكن اختراقها» وفق ما تدعي، إذ اعتمدت «فايسبوك» على إضافة هذه الخاصية في تطبيقاتها وعلى رأسها «واتسآب» الذي يحتوي على أكثر من بليون مستخدم، بعد أن كاد تطبيق «تيليغرام» يزيحه عن عرش أكثر التطبيقات شهرة في مجال التراسل الفوري. بالعودة إلى الإرهاب، فإن هذه الأزمة التي لا يُمكن وصفها ب «المستجدة» بأي حال من الأحوال، ألقت بظلالها على معركة التشفير والمراقبة. فالحكومات تحاول أن تكسب هذه المعركة من خلال كشف كل المستخدمين ومعلوماتهم في أقصى الطموحات، في حين تكافح لكشف بعضهم في الحالات المتعثرة. أما الشركات، فإن أي عملية كشف لأي من مستخدميها، ستجعلها مكشوفة أمام المستخدم وتفقدها الثقة التي حاولت بناءها من خلال التلميح الى أن تطبيقاتها ومعلومات المستخدمين عليها «في أمان تام من كل الجهات». والحال أن «تقصير» الحكومات في مكافحة «الإرهاب» أوقع شركات التكنولوجيا وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي في معضلة لا مفر منها، إذ لا ينكر أحد أن «الإرهابيين» يستعملون هذه المنصات لنشر أفكارهم، كما لا يمكن إنكار دورها الرئيس في عملية إيصال المحتوى إلى المستخدمين، الأمر الذي يضع الشركات أمام مسؤولية لا يمكن التهرب منها، تقتضي بفضح وتسليم المعلومات الشخصية لهذه الحسابات. وهنا المعضلة، فإذا قررت أو كان بإمكانها، كشف هذه الحسابات، فإن تسليمها إلى السلطات يعني حكماً أنها قررت أن تخسر كل المستخدمين الذين يفضلون البقاء مجهولين وبالتالي خسارة نسبة لا بأس بها من الأرباح. أما في حال رفضت التسليم، أو لم يكن باستطاعتها القيام به، فإنها قد تخسر بعض الأسواق الرئيسة من خلال إصرار بعض الحكومات على حظر هذه المواقع. ولعل ما حدث في بريطانيا خير دليل عما سبق، إذ دعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى حجب عدد من المواقع بسبب توفير شركات التكنولوجيا مجالاً آمناً للمتطرفين لتبادل المعلومات. أما وزيرة الداخلية، أمبر راد، فطالبت الشركات بتقليص حجم الاتصالات والمحادثات المشفرة من الطرفين والتي «يمكن للمتطرفين استخدامها». كما تلمح دول عدة إلى اتخاذ إجراءات مماثلة، في حين لجأت بعض الدول وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، إلى القضاء لمحاولة تسوية الخلاف وإلى الالتفاف على الشركات، خصوصاً في حالة هاتف رضوان فاروق الذي أطلق النار في سان برنادينو. ولجأ «مكتب التحقيقات الاتحادي» (أف بي آي) إلى «طرف ثالث» وهو شركة «سيلبرايت» الإسرائيلية، لاختراق هاتف مطلق النار من دون مساعدة «آبل» التي رفضت مراراً طلبات المكتب والقضاء بفتح الهاتف للوصول إلى البيانات الشخصية. مقاربة جديدة وبعد كل ما سبق، لا يُمكن شركات التكنولوجيا المخاطرة في تسليم المعلومات الشخصية للحكومات أو لأي طرف يطلبها، على الأقل في العلن. إلا أنها لا تستطيع أيضاً البقاء مكتوفة الأيدي وهي تُدرك أن منصاتها تلعب دوراً في نشر الأفكار الإرهابية والترويج لها. لذا كان لا بد من مقاربة جديدة تمكن هذه الشركات من الحفاظ على حصصها السوقية ومعلومات مستخدميها بالدرجة الأولى، وتمنع المستخدمين من نشر الأفكار والمواد التي تروج إلى «الإرهاب» عموماً. وفي هذا الإطار، تحالف كلّ من «فايسبوك» و «مايكروسوفت» و «تويتر» و «يوتيوب» لإيجاد آلية تمكنهم من منع بث وانتشار المواد «الإرهابية». وبدأت هذه الشركات بإنشاء مركز معلومات يحتوي على صور وفيديوات يُمكن وصفها ب «مواد إرهابية» بهدف إزالتها فورياً عن المنصات الخاصة بهم، من دون أن تحتوي على معلومات شخصية خاصة بالمستخدمين. وتعتقد الشركات أن من شأن هذه الخطوة، المساعدة في إزالة المحتوى المؤذي عن منصاتها من دون تعريض معلومات مستخدميها للخطر. إلا أن الخطوة، لا تزال في مراحل أولية، خصوصاً أن نظام التعرف إلى الصور لا يزال في مراحل بدائية ولا يستطيع تحديد الصور ومقاربتها بدقة عالية، ما يعني أنه بالتأكيد، سيقوم بالكثير من الأخطاء في معالجته الصور. ولهذا، لن تقوم الشركات بإزالة المحتوى في شكل فوري، بل ستلجأ إلى العنصر البشري في تحديد الصور والمواد التي ستتم إزالتها، إضافة إلى الاعتماد الصريح على تبليغات المستخدمين. كما أعلنت شركات كثيرة على رأسها «غوغل» و «تويتر» أنها تعمل على إيجاد طريقة لوقف هذا المحتوى وعدم إتاحة الفرصة لصاحب الحساب لإعادة بث محتوى مشابه، كالحظر مدى الحياة. والحال، أن الحل المنطقي الوحيد الذي يُمكن أخذه في الاعتبار، هو التوجيه والإرشاد في مكافحة هذه الظاهرة وأسباب نشوئها، إذ مهما كبر حجم الخطوات التي ستتخذها الحكومات وشركات التكنولوجيا، فإنها لن تنفع في إنهائها، بل انها ستساهم في عدم انتشارها فقط، تماماً كما هو الحال مع كل المواد المحظورة على شبكة الانترنت التي لا يستطيع المستخدم العادي الوصول إليها، إلا أن ذلك لا يعني أنها غير موجودة.