واصل عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء الشيخ عبدالله بن خنين تأصيله «دعوى الولد على والده»، في بحث يعالج مسائل دقيقة في القضاء الإسلامي، أصبحت تتكرر مرات عدة في العصر الراهن، فبينما كان اختلاف الولد مع أبيه في الماضي محكوماً بهالة من الإجلال والقيم، وصل هذا الخلاف في حالات إلى المحاكم ومراكز صنع القرار. وفي مسألة «حبس الوالد بدين ولده»، قال الخنين: إذا وجب دين للولد على والده وامتنع من تسليمه فهل يحب على ذلك؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين هما كالآتي: القول الأول: أن الأبوين أو أحدهما لا يحبسان بدين لولدهما. وإلى ذلك ذهب الحنفية، وجمهور المالكية، وبه يقول الشافعية في أصح الوجهين عندهم، وهو مذهب الحنابلة. واستدلوا بما يأتي: - قول الله – تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما) [الإسراء: 23]. - قول الله تعالى: (وصاحبهما في الدنيا معروفاً) [لقمان: 15]. - قول الله تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك) [لقمان: 14]. فقد نهى الله – عزوجل – عن التأفف ونهر الوالدين، وسجنهما في الدين أولى، ثم إن سجنهما يتنافى مع شكرهما ومعاملتهما بالمعروف. - أن الحبس في الدين عقوبة، ولا يعاقب والد بولده. قال بعض المالكية: يعزر الإمام الأبوين الممتنعين عن وفاء دين ولدهما بغير الحبس على اللدد والامتناع عن التسليم لما ألزم به الإمام، لا على حق الولد. القول الثاني: يحبس الوالد بدين ولده. وبذلك قال بعض المالكية، وهو الوجه الثاني للشافعية، صححه الغزالي منهم. قال بعض المالكية: يحبس الوالد لأجل ولده في دينه إذا امتنع عن دفعه وشح الابن على ماله. وكذا قالوا: يحبس الوالد فيما على الولد من دين إذا كان بيده مال له. وأما الوجه الثاني للشافعية والذي صححه الغزالي فقالوا: إن الوالد يحبس بدين الولد، لئلا يمتنع عن الأداء فيعجز الابن عن استيفاء حقه. وقد أجاب بعض الشافعية عن ذلك: أنه متى ثبت دين الوالد على ولده أخذه الحاكم قهراً وصرفه إلى دينه. وعلل القائلون بذلك من الشافعية بأنه من أجل ألا يمتنع الأب عن الأداء فيعجز الابن عن استيفاء حقه. والأظهر قول الجمهور، فلا يسجن والد – من أب أو أم – بدين ولد، لما استدلوا به. وحول ما إذا كان يوجد وجوه اخرى للتنفيذ الجبري على الوالد بدين ولده أكد الخنين: جمهور الفقهاء نفوا حبس الوالد لأجل الولد في الدين، ولكن متى لزمه تسليمه فإنه يعمل بالطرق الأخرى من أخذه من جنس الدين الذي للوالد أو من ناضي ماله، أو بيع مال له ووفاء دين ولده. ولم أقف على من منع هذه الطرق للتنفيذ على الوالد، وهي طرق مقررة لجميع الخاضعين للتنفيذ، ومشمولة بقول الله تعالى:( يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط) [النساء: 135]. بل صرح الحنفية بأن القاضي يقضي دين الولد على والده من عين مال الوالد أو قيمته جبراً. وكذا قال الشافعية: إن دين الولد يُقضىَ من مال والده، فمتى ثبت للوالد مال أخذه القاضي قهراً وصرفه في دينه. وهل يحبس الأجداد بدين ولدهما. حبس الأجداد بدين! أما سائر الأقارب فلا يختلف فقهاء المذاهب الأربعة في جواز حبس سائر الأقارب بدين قريبهم عدا الأجداد والجدات، فقد اختلفوا في حبسهم لدين ولد ولدهم على قولين: القول الأول: يحبس الأجداد والجدات في دين ولد ولدهم. وبذلك قال أبو يوسف من الحنفية، كما قال بذلك المالكية. ولم أقف على ما علل به أصحاب هذا القول. القول الثاني: لا يحبس الأجداد والجدات بدين الولد. وبذلك قال جمهور الحنفية، وهو مذهب الشافعية، وصرح به بعض الحنابلة. واستدلالهم يعود إلى ما استدلوا به من منع حبس الأبوين أو أحدهما بدين ولدهما، لأن الأجداد والجدات أصول مثلهما، وقد سبقت هذه الأدلة في المبحث الثالث من هذا الفصل. ويظهر لي قوة القول الثاني، لأن الأجداد والجدات من الأصول، فهم مثل الآباء والأمهات لا يحبسون بدين الولد، وينفذ عليهم بالطرق المباشرة على أموالهم إن وجدت بالاستيفاء من ناض المال أو بيع منقول أو عقار لهما ووفاء الولد منه.أما سائر الأقارب فهم كالأجانب يسجنون عند الاقتضاء. وفي كل حال لا يسجن فيها الأب ومن في حكمه لحق ولده فإنه يذكر في الحكم القضائي الصادر بثبوت الحق والالزام به: أن المحكوم عليه يحمل على التنفيذ بكل الوجوه الممكنة عدا وسائل الإكراه البدني من سجن أو غيره. وفي مسألة التنفيذ على الوالد من الرضاعة قال إنه سبق أن ذكرنا بأنه يقتصر أثر الرضاعة على المرتضع بالمحرمية فقط، وليس بأبوي الرضاعة ولا جميع الأقارب فيها واجب سوى ذلك، وهذا أصل في جواز التنفيذ عليهم في أي حق من الحقوق في الأموال أو الأبدان، وأن قرابة الرضاعة لا تمنع من ذلك. وقد صرح المالكية بأنه ليس لوالد الرضاعة حكم والد النسب في المنع من الحبس في الدين. وعليه، فإن والدي الرضاعة من الأبوين والأجداد والجدات في التفنيذ عليهم كسائر الأجانب ينفذ الحق عليهم لأجل ولد الرضاعة بالحبس أو بغيره. الجانب الإنساني في الفقه وخلص عضو كبار العلماء في نهاية البحث، إلى 20 نتيجة إجمالية. في ما يأتي نصها. - كمال الشريعة الإسلامية في كلياتها وجزئياتها بشمولها لجميع أفعال المكلفين وتقرير الأحكام الملاقية لها، وقد جاء فقهها مقرراً لذلك استنباطاً من الكتاب والسنة. - بروز العنصر الأخلاقي في فقه هذه الشريعة الغراء، فقد حفظت للوالد حق الولادة من العقوق، وانعكس أثر ذلك على الأحكام - كما مر - سواء أكان ذلك في الأموال أم الجنايات، ولا غرو في ذلك، فهي شريعة رب العالمين الذي يعلم ما يصلح عباده، «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير» [الملك: 14]. - مراعاة فقه الشريعة الغراء للتوازن الصحيح بين الحقوق والواجبات، فقد أوجب للوالد حقاً بألا يضار لأجل ولده في التفنيذ عليه بسجن ونحوه استمساكاً بحق الولادة، وحفظت للولد ماله بالمخاصمة فيه والتنفيذ على المال من غير إكراه بدني على الوالد، والله – عزوجل – يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا في اختلافاً كثيراً) [النساء: 82]. - صحة دعوى الولد على والده ووالدته وسائر أقاربه في العين. - صحة دعوى الولد على والده في الدين، وتحرير رأي الحنابلة في دعوى الولد على أبيه في الدين وأنه يقرر صحة الادعاء بالدين وإثباته في ذمة الأب واستيفائه. - صحة دعوى الولد على والده وسائر أقاربه بنفقته الواجبه عليهم. -جواز الإعداء على الأب والأم وإحضارهما لمجلس الحكم اختياراً بأجمل الوجوه وأحسن الأحوال في خصومة للابن عليهما، ويحرم الإعداء عليهما جبراً، ولا يمنع ذلك من سماع الدعوى عليهما غيابياً عند عدم حضورهما، لما فيه من العقوق، وكذا الأجداد والجدات. - جواز تحليف الولد لأبيه وسائر أقاربه في حق للولد عليهم. - لا تسمع دعوى ورثة الولد على والده في المطالبة بالقصاص. - لا تسمع دعوى الولد على والده في القصاص لقتل الوالد مورث الولد. - لا يملك الابن الرجوع بعين ماله في تركة الأب ولو لم يسلم ثمنها متى كان تملك الأب لها من الابن بطريق معتبر، ويكون ثمنها ديناً في ذمة الأب، ويستوفى من التركة. أما إذا كانت العين بيد الأب بغير تملك معتبر من عقد معاوضة أو غيره، فاللابن أخذهما ولا يكون ميراثاً. - ثبوت الديون التي للابن على أبيه في ذمة الأب بعد وفاته، وتستوفى من تركته، ولا تسقط سواء كانت هذه الديون عن معاوضة من بيع وقرض أم عن غير معاوضة من أرش جناية أو بدل متلف أو دين ضمان. - لا تسمع دعوى الولد على والده في المطالبة بحد القذف. - لا تسمع دعوى تعزير الوالد – أباً أو أماً – لحق الولد، وكذا الأجداد والجدات لحق ولد ولدهم في تشاتم ونحوه، أما التعزير عن ذلك لحق الله فيرجع تقديره إلى القاضي. - يجوز توكيل الأب من قبل ابنه في الخصومة عن الابن، ولا يجوز للابن التوكل على الوالد في خصومة لأجنبي إلا في حق مشترك بين الابن والأجنبي لدخول الخصومة في حق الأجنبي تبعاً، ويصح تبعاً ما لا يصح استقلالاً، وكذا يصح قيام الولد عن والدته بالوكالة في مطالبة لها على والده، وكذا وكالته عن أخته لمطالبة بنفقة أو عضل أو حق آخر لها قبله. - أقارب الرضاعة من أم وأب وغيرهما هم في الخصومات والتنفيذ كسائر الأجانب يجوز الادعاء والتنفيذ عليهم بكل حق يسوغ شرعاً الادعاء فيه والمطالبة بتنفيذه. - ينفذ حكم النفقة للولد على أبيه وسائر أقاربه بكل السبل المناسبة للتنفيذ ولو بسجنه. - ينفذ الحكم بالعين برفع يد الوالد عنها وتسليمها للولد، وإن كانت منقولاً انتزعت من يد الوالد وسلمت للوالد. - لا يسجن والد – أباً أو أماً – بدين لولده عند التفنيذ عليه، بل يعمل بالطرق الأخرى من أخذ المال المحكوم به من جنس الدين أو من ناضي المال أو بيع ماله من عقار أو منقول ووفاء دين ولده، وكذا الأجداد والجدات، أما سائر الأقارب فهم كسائر الأجانب. - في كل حال لا يسجن فيها الأب ومن في حكمه لحق ولده فإنه يذكر في الحكم القضائي الصادر بثبوت الحق والإلزام به: أن المحكوم عليه يحمل على التنفيذ بكل الوجوه الممكنة عدا وسائل الإكراه البدني من سجن أو غيره.