اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإبقاء على ثقته بوزير التجانس المناطقي ريشار فران الذي تحوم حوله شبهة اعتماد قرارات تستند الى المحسوبية، موجهاً إشارة سلبية الى الرأي العام الفرنسي، خصوصاً لاؤلئك الذين أيدوا الرئيس الشاب باعتباره يجسد التغيير والتجديد. قضية فران الذي يشغل أيضاً منصب الأمين العام لحركة «الجمهورية الى الأمام» بدأت عند تسريب صحيفة «لوكانار انشينيه» الساخرة، نبأ مفاده بأن فران كان له دور في عملية ترميم وتأجير مقر تعاونيات منطقة بريتاني التي كان يديرها بما يعود بالفائدة لزوجته. وتبعت ذلك تسريبات أخرى حول تولي زوجته السابقة وهي فنانة، ديكور مقر التعاونيات ثم توظيفه لنجله بصفته معاوناً برلمانياً له مدة ثلاثة أشهر خلال العطلة الصيفية. وعلى رغم أن نجل فران لم يشغل منصباً وهمياً وإنما عمل فعلياً الى جانب والده لقاء أجر عادي بلغ 1250 يورو شهرياً، وأن عمليتي تأجير وتذويق مقر التعاونيات ممولتان بأموال خاصة وليس بأموال عامة، فإن الأجواء التي أحاطت بهذه القضية تعيد الى الذاكرة تلك التي رافقت قضية «بنيلوب غيت» التي ساهمت في هزيمة مرشح اليمين للرئاسة فرانسوا فيون. وما عزز انطباع التشابه بين القضيتين هو أن فران اعتمد خطة دفاعية مشابهة لما اعتمده فيون بقوله انه لم يقم بأي عمل غير شرعي وانه آسف لوظيفة ابنه لأن الفرنسيين باتوا ينبذون مثل هذه الممارسات. ومن هذا المنطلق تمسك فران وهو من اوائل الشخصيات الاشتراكية التي انضمت الى ماكرون وعملت الى جانبه قبل إعلانه عن خوضه المعركة الرئاسية بمنصبه الحكومي ومضى في حملته الانتخابية النيابية معتبراً انه مرتاح الضمير. وفي ضوء السجال السياسي والاعلامي الذي اثارته هذه القضية، حاول رئيس الحكومة إدوار فيليب حسم الموقف من خلال مقابلة تلفزيونية أكد خلالها أن فران باقٍ في الحكومة طالما لم تتم إحالته على التحقيق وان هذه القاعدة تسري عليه وعلى عموم الوزراء في حكومته. لكن النيابة العامة في منطقة بريست بادرت الى إعلان فتح تحقيق في قضية المحسوبية التي تطاول فران. ومداخلة فيليب لم تنهِ السجال الذي نشأ قبيل الانتخابات الاشتراعية المقررة في 11 حزيران (يونيو) المقبل وقبيل طرح مشروع يحدد اخلاقيات الحياة العامة على البرلمان الفرنسي، ما حمل ماكرون على الخروج عن صمته لدعوة أعضاء فريقه الحكومي الى التضامن ودعوة الإعلام الى القيام بواجبه بعيداً من إصدار الاحكام. وقد يكون فران محقاً في حديثه عن راحة ضميره مثلما قد تكون لدى ماكرون حسابات خاصة تحمله على عدم سحب ثقته من وزيره، لكن كل هذا لا يبدد الريبة لدى الرأي العام، خصوصاً في أوساط مناصري «الى الأمام». وهؤلاء يعتبرون أن التجديد وإعادة التأسيس التي وعدهم بها ماكرون كانا يقتضيان أن يُقدم فران من تلقاء نفسه على التخلي عن منصبه الحكومي والتفرغ لتوضيح ملابسات القضية التي تطاوله من دون أن يعني ذلك أنه مذنب. وهم ينظرون الى هذه القضية باعتبارها لغماً صغيراً من شأنه أن يكشف عن صدقية وعمق ما وعدهم به الرئيس الشاب وهو ما انسحب بالطبع على مجمل وعوده الإصلاحية الأخرى وهذا ما يظهر بوضوح عبر استطلاع أجراه معهد «هاريس»، وأشار الى أن 73 في المئة من الفرنسيين يريدون استقالة فران.